سلطة حفتر تعرقل مهمة الحكومة الليبية الجديدة

19 مارس 2021
مدينة بنغازي القديمة، ليبيا (جايلز كلارك/Getty)
+ الخط -

في أول قراراتها، اصطدمت الحكومة الليبية الجديدة بسلطة ونفوذ اللواء المتقاعد خليفة حفتر؛ إذ عند بدئها في معالجة الأوضاع الأمنية والجنائية في البلاد، تواجهت مع قرار مضاد من معسكر حفتر يتمثل في فرض حظر لأسبوعين شرقًا يتعارض مع ما أقرّته قبل أيّام بحلّ اللجنة العليا لمجابهة جائحة كورونا. وما أن بدأت النبش في الملفات الأمنية والجنائية، حتى فاحت روائح جرائم حفتر وفريقه. وهو ما يشكّل مصدر قلق لها في تأدية مهامها المنوطة بها بعد توافق دولي حولها.

وأعلنت الحكومة الجديدة عن قرارت أمنية وجنائية منتصف الشهر الحالي، تشمل إيقاف حسابات الشركات العامة والصناديق الاستثمارية، وحلّ اللجنة العليا لمجابهة وباء كورونا، ومتابعة قضايا القتل خارج القانون والاغتيالات.
غير أن رئيس الأركان المكلف من مجلس نواب برلمان طبرق، والموالي لخليفة حفتر، وهو رئيس اللجنة عبد الرزاق الناظوري، أعلن اليوم الجمعة عن قرار  يتعارض مع قرار الحكومة يتمثل في فرض حظر التجول التام لأسبوعين في كامل المنطقة الشرقية. وعلل الناظوري، الذي كلفه حفتر بمهام رئيسية لغرفة إنقاذ القانون في بنغازي، قراره بارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد. يأتي هذا القرار رغم حلّ الحكومة الجديدة للجنة كورونا.
ويعد هذا القرار، بحسب رؤية الناشط السياسي من بنغازي عقيلة الأطرش، أول تحدٍ لحكومة الدبيبة وللمجلس الرئاسي الجديد، معتبرًا أن حفتر بات "هاجسًا لقلق الحكومة، فهو من جانب يسعى لإسكات الأصوات المنادية بالكشف عن حقيقة الجرائم التي طاولت مدن شرق البلاد، ومن جانب آخر فإن قرار حظر التجول يحمل في طياته رفضًا ضمنيًا لقرارات الحكومة بحل اللجنة العليا لمكافحة وباء كورونا".

ويشير الأطرش إلى أن قرار الناظوري له علاقة بالاحتقان الذي تعيشه مناطق شرق البلاد، خصوصًا بعد العثور على عشر جثث ملقاة في حي الهواري مساء أمس الخميس. كما يؤكد الأطرش، في حديثه لــ"العربي الجديد"، أن مؤشرات الاحتقان الأهلي زادت خلال الساعات الماضية وسط تكتم كبير حول الحادث. 

جرائم حفتر

وتزداد التحديات أمام الحكومة بعد إعلانها عن قرارات تتعلق بأوضاع السجون والمعتقلين وسعيها لفرض سيطرة أجهزتها الأمنية. فقد أعلنت وزارة العدل، أمس الخميس، عن بدئها تشكيل لجنة بــ"مشاركة دولية للإفراج عن كافة المسجونين من دون أوامر ضبط أو قضايا".
ووفقًا لمصدر أمني من طرابلس، في تصريح سابق لــ"العربي الجديد"، قد تبين بعد المعاينة وجود امرأة ضمن الجثث العشر، وقد قيدت أيديهم إلى الخلف واعدموا بإطلاق الرصاص مباشرة على رؤوسهم. وقال المصدر إن "محكمة جنايات المدينة تسلمت الجثث وأمرت بحجزها في ثلاجات الموتى بالمركز الطبي استعدادًا لمعاينتها من قبل الطبيب الشرعي"، فيما طوقت فرقة من جهاز البحث الجنائي المكان ومنعت المارة من الوصول إليه.
 ولم يصدر أي تعليق رسمي على الحادث عن قيادة حفتر ولا الأجهزة الأمنية التابعة له في المدينة، تبعًا للأنباء الواردة في قناة "الحدث"، المقربة من حفتر، ليلة البارحة. 
وفي سياق متصل، طالبت عدة القبائل في شرق البلاد بضرورة فتح تحقيق في قضايا القتل خارج القانون والاغتيالات التي شهدتها بنغازي في الفترات الماضية، وكان آخرها بيان لمكونات برقة الاجتماعية والسياسية والحقوقية، الاثنين الماضي، دعا إلى فتح تحقيق في "كل الأعمال الإرهابية التي هزت الشارع في بنغازي بصفة خاصة وبرقة بصفة عامة"، مشددة على ضرورة الكشف عن جميع السجون السرية ومعرفة مصير كل المختطفين، من بينهم "النائبة سهام سرقيوة والناشط الحقوقي أحمد الكوافي"، المغيب مصيرهم منذ سنوات، وحوادث اغتيال أبريك اللواطي أحد أعيان قبيلة العواقير، والناشطة حنان البرعصي. 


ولم يصدر أي تعليق أيضا من جانب مجلس النواب حتى الآن حول الحوادث، بينما اكتفى قادة السلطة الجديدة بتقديم التعزية لأسرة فقدت طفلها في انفجار لغم أرضي في منطقة عين زارة، جنوب طرابلس، ليل أمس. 
وبحسب المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية، فإن رئيس الحكومة أكد أنه يتابع قضية انفجار اللغم "بشكل مباشر، وسيتخد كافة الإجراءات للاهتمام بأسرة الطفل الذي قتل في انفجار اللغم"، مشيرًا إلى أنه وجه وزير الداخلية في حكومته بضرورة "متابعة القضية وإعادة تقييم مدى وجود ألغام أخرى في المنطقة".
وأوضحت الوزارة أن اللجنة ستقوم خلال أسبوعين بـ"بحث عن الجهات غير الخاضعة للدولة الليبية، ومطالبتها بالإفراج السريع وغير المشروط عن المعتقلين بغير وجه حق ومن غير وجود أي تهم في السجون السرية"، بل أكدت أنه سيتم وضع عقوبات ومساءلة مرتكبي جرائم الإخفاء القسري والسجن بدون محاكمات.
وينضم لدعوة الإفراج عن الأشخاص المحتجزين بشكل غير قانوني في البلاد دعوة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والتي دعت البارحة حكومة الوحدة الوطنية الجديدة إلى التدخل الفوري للإفراج عن المحتجزين أو تقديمهم لمحكمة مختصة من دون تأخير، تماشيًا مع الالتزامات الوطنية لليبيا والتعهدات الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان، عبر حسابها على تويتر.

وبحسب قراءة المحلل السياسي الليبي مروان ذويب لمسار معالجة حكومة الدبيبة للملفات الأمنية والعسكرية، فإن جهودها تتجه إلى اعتمادها على التنسيق مع اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، لكنه يرى أن مهام اللجنة وصلاحياتها لا تزال مقيدة بالاتفاق العسكري، الموقع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبنوده التي لم تحدد مصير ومستقبل المجاميع المسلحة، سواء في الشرق أو الغرب.
وفي اتجاه مزيد من تعقيد الوضع الأمني، يعتقد ذويب في حديثه لــ"العربي الجديد" أن تهاوي أوضاع حفتر وتزايد الغضب الشعبي جعلا كثيرًا من المجموعات المسلحة تخرج عن سلطته وتسعى لتقويضها، مرجحًا أن تكون حادثة الجثث التي عثر عليها تمت على يد مسلحين كانوا ضمن قواته بهدف إحراجه ومحاصرته، خصوصًا أن المطالب الشعبية في الشرق ترتكز على ضرورة التحقيق في ظاهرة الجثث والاغتيالات.

وتعكس تسمية بيان مكونات برقة، خلال بيانهم المشترك الاثنين الماضي، لأسماء عدد من الشخصيات التي تم اغتيالها في ظروف غامضة "نوعًا من كسر حاجز الخوف وإشارة واضحة إلى تراجع هيبة حفتر العسكرية"، بحسب قول ذويب، ويلفت إلى أنه "لم يكن من الممكن لأي شخص في شرق ليبيا حتى وقت قريب لفظ أي اسم من هذه الأسماء، واليوم تتم المطالبة بالتحقيق في مصيرها علنًا وداخل بنغازي".
لكن القضية الأهم، وفق رؤية ذويب، تتمثل في موقف حكومة الوحدة الوطنية من قضايا حفتر ووضعه، متسائلًا "بعد أن اهتمت الحكومة بقضية مقتل طفل في حادث انفجار في طرابلس، فهل ستتمكن من الصمت طويلًا أمام حادثة الجثث في بنغازي؟ وكيف ستتجاوب مع مطالب أهالي شرق البلاد خصوصًا؟ وكيف ستفرض وزارتا العدل والداخلية قراراتها في بنغازي بشأن السجون والمغيبين قسرًا خارج سلطة الدولة والتحقيق في هذه الحوادث".
ولقاء قرار الدبيبة إلغاء قرارات حكومتي السراج والثني، يتساءل ذويب "وماذا عن قرارات حفتر؟". معتبرًا أن انجراف الأوضاع إلى الفوضى في شرق ليبيا، وتحديدًا في بنغازي، سيسرع من مواجهة السلطة الجديدة بشقيها الحكومي والرئاسي مع حفتر.
ويرجع ذويب الأسباب إلى تغاضي ملتقى الحوار السياسي ومجلس النواب عن تحديد وضع حفتر سياسيًا وعسكريًا، ما سيجعل منه عامل قلق وتوجس في أسرع وقت.

وفي الجانب الأمني، أشرف وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، خالد مازن، على تخريج "الدفعة الأولى لدورة التجنيد لصالح الإدارة العامة للعمليات الأمنية"، في حفل التخريج الذي أقيم في طرابلس مساء أمس الخميس.
وبحسب بيان للوزارة، فقد أشار وزير الداخلية، خلال الحفل، إلى أنها "الدفعة الأولى من متخصصي العمليات الأمنية"، وأن المجموعة تلقت كافة التدريبات "التي تؤهلهم لممارسة المهام المناطة بهم في حفظ الأمن بكافة ربوع البلاد".
وأكد مازن على سعي وزارته لـ"ترسيخ العقيدة الأمنية التي ترتكز على نبذ الفرقة وتوحيد الصفوف تحت راية الوطن". وتأتي التدريبات وإعداد المتخصصين في العمليات الأمنية ضمن السياسات المتبعة بعد صدور قرار الدبيبة بإلغاء كل القرارات الصادرة عن حكومة الوفاق بطرابلس، والحكومة المؤقتة شرقي البلاد، من تاريخ منح الثقة لحكومته في 10 آذار الجاري.

وفي الجانب الأمني أيضًا، صدر تقرير أممي عن فريق لجنة خبراء الأمم المتحدة حول ليبيا الأسبوع الماضي، ويشير التقرير إلى استمرار تصدير الأسلحة والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا، ويخلص التقرير إلى أن حظر توريد الأسلحة ما زال غير فعال على الإطلاق.