سد النهضة: مصر تدعو إثيوبيا للقبول بمقترحات الوساطة بلا قيد

29 يونيو 2021
تخشى الخرطوم تكرار فيضان العام الماضي في الصيف الحالي (الأناضول)
+ الخط -

تتسارع الأحداث في ملف سد النهضة مع تزايد الاتصالات بين الدول المعنية الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، والولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي والإمارات والسعودية وقطر، بالإضافة إلى قيادة رئيس الكونغو الديمقراطية، رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي فيليكس تشيسكيدي، جهوداً لحلّ القضية. وهي جهود دفعت مصادر دبلوماسية مصرية للقول إنه "الطرف الأكثر نشاطاً وحماساً وبحثاً عن التوصل إلى حل سريع للأزمة". لكن اقتراب إتمام الملء الثاني للسد، المقرر في 22 يوليو/تموز المقبل، يشكّل ضغطاً على السودان تحديداً، بصورة تربك حساباته الداخلية وتنسيقه مع مصر في الوقت ذاته، وسط اتجاه حكومي لضرورة التوصل إلى اتفاق أوسع من آلية تبادل البيانات ينظم عملية الملء فقط كمرحلة أولى، ثم التفرع لمرحلة تالية من المفاوضات بغية التوصل إلى اتفاق نهائي على قواعد التشغيل.

وحول هذه التطورات، تكشف مصادر مصرية لـ"العربي الجديد" عن رغبة السودان في ضمان عدم الإضرار بسد الروصيرص والسدود الصغيرة، في حالة التدفق الكبير المفاجئ للمياه من سد النهضة بعد إتمام الملء. ويرغب السودانيون أيضاً في عدم إرجاء اتفاق الملء تحديداً إلى العام المقبل وتكرار الخلافات التي حدثت في عامي 2020 و2021، نظراً لضخامة كمية المياه التي سيتم احتجازها من الفيضان المقبل، وبالتالي خطورة عدم التحكم الكامل وغياب التنسيق في حجم التدفق. وتضيف المصادر أن مصر تتفهّم تماماً المخاوف السودانية، خصوصاً بعد تجربة الفيضان المروعة العام الماضي، والتي ترى إثيوبيا أنها ساهمت في تخفيض حدتها، بينما يرى خبراء سودانيون أنه كان من أسبابها غير المباشرة التخلص المفاجئ من كميات كبيرة من المياه، خلال وبعد الملء الأول لسد النهضة، يصعب استيعابها في بحيرة سد الروصيرص.

عطّل غياب ضمانات الالتزام بالتفاوض المبادرة الأميركية

وتتفهّم مصر أيضاً رغبة الجانب الفني السوداني في الاستفادة من الحوافز الغربية والعربية والصينية، ومن بينها مساعدات كبيرة في مجال الإنشاءات المائية ورفع كفاءة السدود والخزانات الصغيرة. وعن المواقف المختلفة التي خرجت من الحكومة السودانية أخيراً، بالإعلان عن تلقي المقترح الكونغولي ـ الأفريقي بالاتفاق المرحلي أو بتجزئة الاتفاق إلى مرحلتين، ثم إعلان رفض المقترح الإثيوبي الخاص بالملء الثاني فقط، تعتبر المصادر أن هذه المواقف تعبّر عن استمرار دراسة السودان المسألة من مختلف جوانبها. وهو ما يحدث في القاهرة أيضاً بالتنسيق مع البلدين، في ظلّ بعض الثوابت المشتركة المتفق عليها بينهما، أبرزها رفض توقيع اتفاق قصير الأمد خاص بالملء الثاني فقط، لأن هذا الأمر ستكون ترجمته العملية الوحيدة إقرار آلية تبادل المعلومات التي ترغب إثيوبيا في فرضها على دولتي المصب (السودان، مصر)، من دون أن تمتد هذه الآلية إلى نقاط الخلاف الخاصة بحجم الملء والتدفق والمشاركة في التحكم وكيفية التعامل مع صدمات الجفاف المفاجئة.

كما تتفق القاهرة مع الخرطوم على شرطين أساسيين من الأربعة الخاصة بقبول الاتفاق المرحلي. الشرط الأول هو التوقيع على كل ما جرى التوافق عليه حتى الآن، وهو ما يمثل نحو 90 في المائة من جوانب الاتفاق النهائي، مثل عدد سنوات الملء والتبادل اليومي للبيانات وسلامة الإنشاءات. والشرط الثاني هو الضمانة الدولية لاستمرارية التفاوض بعد المرحلة الأولى. بالتالي تصبح الاتفاقية المرحلية ساريةً إلى أن تُجدّد باتفاقية أخرى، وأن يتم اعتماد الاتفاق المرحلي من الجهات الدولية والدول الضامنة، سواء لعبت دور الوساطة أو المراقبة.

وفي المقابل، هناك خلاف بين دولتي المصب على الخطة الزمنية للتفاوض، فمصر تطلب التوقيع سريعاً على الاتفاق وعدم الانتظار لنهاية فصل الصيف، على أن يكون التفاوض بين المرحلتين الأولى والتالية وفق برنامج زمني محدد، بينما تظهر الخرطوم هنا مرونة أكبر بإمكانية توقيع الاتفاق خلال أربعة أشهر، مع تحديد ستة أشهر فقط لمرحلة التفاوض التالية. وتوضح المصادر أنه على الرغم من رفض مصر المطلق لتجزئة الاتفاق، فثمة عوامل تضغط حالياً لمراجعة هذا الموقف، أبرزها عدم رغبتها في إتمام الملء الثاني من دون اتفاق، أي تكرار تحقيق إثيوبيا تقدماً استراتيجياً على حسابها، ربما يؤدي لاحقاً إلى عجز مصر عن تحقيق أي تقدم في مفاوضات السدّ، خصوصاً أنه من المتوقع تكرار هذه الإشكاليات سنوياً وتفاقمها في سنوات الجفاف الممتد.

يخشى السودان من الإضرار بسد الروصيرص بحال التدفق الكبير

وتشير المصادر إلى أن مصر أبلغت الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والكونغو الديمقراطية بأنها ستثبت عملياً مرونتها إزاء المقترحات التي أُبلغت بها أخيراً، ولكن شريطة أن توافق إثيوبيا عليها من دون شروط، باعتبارها حاصلة على كل ما تريده بقبول تجزئة الاتفاق من الأساس، وما سيتبعه من إرجاء حتمي للاتفاق النهائي حتى إذا كان لفترة محدودة. وحول الفوارق المؤثرة بين المقترح الذي قدمه الاتحاد الأفريقي والمبادرة السودانية التي أعلنها أخيراً وزير الري السوداني ياسر عباس ولم تلق قبولاً من إثيوبيا، تقول المصادر إن المقترح الجديد يتسع ليشمل قواعد الملء في السنوات الحالية، وليس الملء الثاني فقط. أما الحلقة الثانية من الاتفاق فتتناول فقط التشغيل السنوي للسدّ، بما يتضمنه من مسائل خلافية مثل تصريفه في فترات الجفاف والجفاف الممتد، وآلية التحكيم والتنسيق المتبادل في الخلافات المستقبلية، فضلا عن آلية الحل والتحكيم.

وكانت مسألة غياب ضمانات الالتزام بالتفاوض تحديداً هي التي أدت إلى تعطيل المبادرة الأميركية التي حملها المبعوث الأميركي جيفري فيلتمانإلى اللدول الثلاث في مايو/أيار الماضي، على الرغم من دعمها بجهود إماراتية وأفريقية. وطلبت مصر والسودان قائمة من الشروط الواجب توافرها للقبول بهذا الحل المؤقت، المعروف على المستوى الفني بأنه لن يكون سبباً في أي ضرر خلال الفترة الحالية. لكن خطورة هذا الأمر تكمن في أن إثيوبيا ستمسك بتلابيب التحكم في مياه النيل مستقبلاً من دون شريك أو رقيب، متخذة من سابقة ملئها السد مرتين بقرار سيادي حجة للخروج عن أي اتفاق يمكن إبرامه مع مصر والسودان، وإقدامها على تغيير نسب التدفق ومعدلات التشغيل بين فترة وأخرى.

المساهمون