سد النهضة: خلافات حول اجتماع مجلس الأمن

27 يونيو 2021
تتحدث التقارير عن خروج آلاف الأفدنة من الرقعة الزراعية (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية مصرية إنّ الصين وروسيا تمثلان عقبتين أمام المساعي المصرية والسودانية لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة قضية سد النهضة. حيث أبلغت بكين القاهرة صراحة رفضها إعادة مناقشة هذه القضية في مجلس الأمن، كما تحفظت موسكو على الأمر. لكن في الوقت نفسه، تلعب إستونيا، الرئيس الحالي لمجلس الأمن، بمشاركة تونس وفيتنام، وبدعم مباشر من فرنسا والولايات المتحدة، أدواراً مختلفة لعقد جلسة سريعة، حتى وإن لم يترتب عليها اتخاذ قرار حاسم بشأن الملء الثاني المقرر الانتهاء منه، حسب المصفوفات الإثيوبية، في 22 يوليو/تموز المقبل.
وأضافت المصادر أنّ مصر طلبت من الصين، في حال عدم تحمّسها لعقد جلسة مجلس الأمن، أن تنخرط بشكل فعال ومثمر في الضغط على إثيوبيا للعودة إلى مسار المفاوضات، بوساطة ملزمة دولية واسعة، وانطلاقاً من الثوابت التي تم الاتفاق عليها في جولات التفاوض السابقة، وهو ما تعهدت به بكين بالفعل. لكنّ الأمر في رأي القاهرة "لا يتعدى ما سبق وأبدت بكين التزامها به لناحية هذا الملف، ولم يتم تنفيذه، باعتبارها الدولة الأكثر دعماً، على المستويين الاقتصادي والسياسي، لأديس أبابا في الوقت الحالي".

خطاب بكين يركز على رفض الإضرار بالقاهرة والخرطوم

وذكرت المصادر أنّ الخطاب الصيني في القضية يركز على استحالة قبولها الإضرار بالقاهرة والخرطوم، رغم سابقة إعاقتها طرح مشروع القرار المصري، المدعوم أميركياً، لإلزام إثيوبيا باستئناف المفاوضات ومنع الملء الأول المنفرد للسد العام الماضي. وأوضحت أنّه على الرغم من سابقة امتناع دولتي المصب عن قبول عرض بكين بدخولها كوسيط مستقل منذ شهرين، لمحاولة تقديم حلول وسط بين الجانبين، على أن يتم إعدادها بواسطة اختصاصيين فنيين تابعين للحكومة الصينية، إذ فضلت مصر آنذاك إرجاء خطوة التدخل المباشر بهذا الشكل إلى ما بعد انتهاء المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي، فإنّهما حالياً ترغبان في مشاركة الصين الفعالة في مبادرة دولية واسعة يمكن العمل على تشكيلها لحلّ الأزمة.
وجددت الصين، خلال الاتصالات الأخيرة، استعدادها لتقديم كلّ المساعدات اللازمة لدعم جهود مصر في معالجة المياه ورفع كفاءة تحلية المياه، وإعادة استخدامها، وتحسين جودة مياه النيل ذاتها، من خلال جلب منظومات جديدة للتعامل مع أشكال من التلوث المتوقع دخولها على مياه النيل، للمرة الأولى، جراء تغيرات عدة ستحدث على منظومتي الريّ الإثيوبية والسودانية بسبب السد، ما سيغير الطبيعة البيئية للمياه الواصلة إلى بحيرة ناصر. وأكدت المصادر أنّ التقارير الفنية لا تتحدث فقط عن خروج آلاف الأفدنة من الرقعة الزراعية على مراحل، ربما تبدأ في العام المقبل، لكن أيضاً عن الإنفاق المالي الضخم الذي يجب على مصر الاستعداد له لعلاج نتائج التطور الذي سيطرأ على استخدامها للأغراض الزراعية والصناعية والتنموية في كلّ من إثيوبيا والسودان، من استخدام مكثف للمبيدات وزيادة كميات الصرف الصناعي والزراعي في حوض النيل.

وهناك بالفعل مشروعات من ضمن حزمة التعامل مع آثار سد النهضة، ليست فقط ضخمة بالنسبة لمشروعات منظومة المياه المصرية الحالية، بل هي غير مسبوقة، لأنّها تتعامل مع واقع جديد لم تخبره مصر من قبل، لكن هناك دول عدة لها خبرات في التعامل معها كالصين. ومن ناحيتها، ترى الأخيرة أنّ هذه فرصة لن تتكرر كثيراً لزيادة تأثيرها الاقتصادي، وتعميق مستوى التعاون مع جميع الدول الرئيسية في حوض النيل. وفي هذا الإطار، سبق وأوضحت المصادر الفنية أنّ وزارة الري المصرية بدأت تعاوناً مع الصين في مجالات علمية مختلفة، كالأدوات المتقدمة لحساب البصمة المائية، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بطرق غير معتادة في الشرق الأوسط، وتحسين البيئة النهرية وتخفيض الإهدار العام من المسطحات المائية.
في ما يتعلق بالمبادرة السودانية الأخيرة، التي لم ترد عليها مصر أو إثيوبيا، والدعوة التي وُجهت للدول الثلاث لاجتماع فني نهاية الأسبوع الحالي، قالت المصادر الدبلوماسية إنّ مفوضية الاتحاد الأفريقي، بالتعاون مع الكونغو الديمقراطية وعدد من الخبراء الفنيين، انتهت من إعداد مسودة لصيغة اتفاق مؤقت، وآخر دائم، من حصيلة المناقشات الأخيرة خلال جولة كينشاسا الفاشلة الشهر الماضي، ليجري الإسراع في توقيعها بمجرد تلبية الضمانات المطلوبة من الأطراف الثلاثة، والتي ما زالت محل خلاف، خصوصاً مطلب إثيوبيا، بتوازي الاتفاق النهائي على قواعد الملء والتشغيل مع وضع محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق. لكنّ القاهرة والخرطوم لم تحسما حتى الآن موقفهما من المشاركة في هذا الاجتماع، الذي يأتي بعد أكثر من شهر من تعثر استئناف المفاوضات، ورفض مصر لمقترح كونغولي بتعيين وسيط تابع للاتحاد الأفريقي يسيّر المفاوضات عن بعد بين الدول الثلاث، بدلاً من عقد اجتماعات مباشرة للخبراء.

انتهت مفوضية الاتحاد الأفريقي من إعداد مسودة لصيغة اتفاق

وكانت إضافة مسألة المحاصصة للاتفاق، من الأمور التي رفضت مصر والسودان التطرق إليها في المفاوضات تحت رعاية الولايات المتحدة بين 2019 و2020. لكنّ إثيوبيا استمرت في التطرق إليه، خلال التفاوض تحت لواء الاتحاد الأفريقي نهاية العام الماضي، بما حمله بيان قمة يوليو من عناصر، بما في ذلك الاعتراف بعمل حساب للتطورات الجديدة على النيل الأزرق. كما طالبت في خطابها التصعيدي الأخير لمجلس الأمن بمراعاتها، بالتوازي مع تمسّكها بالتفسير الحرفي لاتفاق المبادئ الموقع عام 2015.
وفي ذلك الوقت أعلنت الرئاسة المصرية أنّه "سيتم لاحقاً العمل على بلورة اتفاق شامل لكافة أوجه التعاون المشترك بين الدول الثلاث فيما يخص استخدام مياه النيل"، فيما اعتُبر ارتداداً كبيراً عن موقف مصري ثابت ضد الخطة الإثيوبية لإعادة المحاصصة. الأمر الذي فسرته المصادر الفنية والدبلوماسية المصرية بأنّ "إثيوبيا اشترطت للمضي قدماً في المفاوضات للوصول إلى اتفاق كامل بشأن قواعد الملء والتشغيل، أن يتم الاتفاق أيضاً على خطة جديدة للتعاون في الاستخدام المنصف والعادل لمياه النيل الأزرق، أي بين مصر والسودان وإثيوبيا فقط، والانعكاس المباشر لهذا الأمر هو إلغاء جميع الاتفاقيات السابقة لتقسيم المياه بين دولتي المصب، خصوصاً اتفاقية عام 1959 التي سيفرغها سدّ النهضة عملياً من مضمونها".

المساهمون