استمع إلى الملخص
- سودول، الذي له تاريخ عسكري طويل ومتميز، واجه انتقادات شديدة ودعوات للتحقيق في قراراته العسكرية، مما أسفر عن إقالته وتعيين الجنرال أندريه هناتوف خلفًا له.
- تعيين هناتوف يشير إلى بداية فصل جديد في القيادة العسكرية الأوكرانية، مع توقعات بتحسين الأداء العسكري والحفاظ على حياة الجنود، ويعكس تغييراً محتملاً في الاستراتيجيات العسكرية والسياسية لأوكرانيا.
بعد نحو أربعة أشهر فقط على تعيينه، أقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس الاثنين، قائد القوات المشتركة الأوكرانية الجنرال يوري سودول من منصبه. وجاء القرار بعد انتقادات حادة من قيادة كتيبة آزوف لطريقة أداء سودول في الحرب المتواصلة على بلاده منذ 24 فبراير/شباط 2022، وتسببه بخسائر فادحة في صفوف الجنود الأوكرانيين، وما كشف عن تصاعد دور الكتيبة المصنّفة "إرهابية" في روسيا في تحديد التوجهات العسكرية في كييف. وقال زيلينسكي في رسالته المصورة، مساء أمس الاثنين، إنه سيتم تعيين الجنرال أندريه هناتوف في منصب قائد القوات المشتركة الأوكرانية من دون كشف أي تفاصيل عن أسباب إقالة سودول. وقال زيلينسكي، إنه وافق على اقتراح القائد العام للجيش الجنرال أولكسندر سيرسكي بإقالة سودول. واللافت أن الإقالة جاءت بعد ساعات من منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي اتهمت سودول ضمنياً بـ"قتل جنود أوكرانيين أكثر من أي جنرال روسي". ومن المعروف أن زيلينسكي أقال القائد العام للجيش فاليري زالوجني في 8 فبراير الماضي، معيناً الجنرال أولكسندر سيرسكي بدلاً عنه. وحينها عيّن زيلينسكي خمسة جنرالات وعقيدين كجزء من حملة إصلاح للجيش على خلفية تراجع أدائه على الجبهات في جنوب وجنوب شرقي البلاد، والخلافات مع زالوجني على تقييم الأوضاع على الأرض.
الاتهامات لقائد القوات المشتركة الأوكرانية
وصدرت الاتهامات والانتقادات أساساً من بوهدان كروتيفيتش، رئيس أركان كتيبة آزوف، وهو فوج من الحرس الوطني الأوكراني، التي اتهمتها روسيا بأنها كتيبة "النازيين الجدد"، المسؤولة عن قمع الناطقين باللغة الروسية في دونباس (يضمّ إقليمي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيين). وقال كروتيفيتش إنه وجّه رسالة إلى مكتب التحقيقات الحكومي دعاه فيها إلى إجراء تحقيق في سلوك سودول. وأوضح في منشور في قناته على منصة تليغرام: "كتبتُ رسالة إلى الهيئة الفرعية للتنفيذ أدعو فيها إلى إجراء تحقيق بشأن جنرال عسكري قتل في رأيي عدداً من الجنود الأوكرانيين أكثر من أي جنرال روسي. لا يهمني إذا بدأوا تحقيقاً ضدي ولا يهمني إذا وضعوني في السجن". وأضاف: "لا يهمني أن يحاكم المقاتلون وقادة الألوية على خسارة نقطة مراقبة، لكن الجنرال لا يحاكم على خسارة مناطق وعشرات المدن وخسارة آلاف الجنود". ودافع كروتيفيتش في الوقت نفسه عن "تضحيات وبطولات" قادة السرايا والكتائب والألوية في الجيش الأوكراني رغم الظروف الصعبة التي يعانون منها.
قائد كتيبة آزوف: 99% من العسكريين يكرهونه (سودول) بسبب ما يفعله
وفي حين لم يسمّ كروتيفيتش اسم القوات المشتركة الأوكرانية في تعليقاته، عير أنه أشار إلى أن "الجميع في الجيش يتفهم ذلك، لأن 99% من العسكريين يكرهونه بسبب ما يفعله". وما أحجم عنه كروتيفيتش صرحت به عضو لجنة الدفاع بالبرلمان ماريانا بيزوهلا، التي أشارت في موقعها على منصة تليغرام إلى أن كروتيفيتش قصد سودول وأنها شاطرته مخاوفه. وأضاف: "هل سيستمر هذا؟ هل يتعين على الجيش أن يتحد على أساس الكراهية لقائده؟ هل علينا حقاً أن نخسر الناس والأراضي بهذه الطريقة؟ أهكذا تجري الأمور؟". وبعد إقالة سودول قالت بيزوهلا إن إقالة شخص واحد لن تحل المشاكل العميقة في الجيش، معتبرة أنه "من دون تغيير مبادئ النظام، فإن قراراً واحداً يتعلق بالموظفين لن يؤدي إلى أي شيء". وبعد إعلان زيلينسكي تعيين هناتوف امتدح كروتيفيتش القائد الجديد (هناتوف)، وقال إنه يعرفه "ضابطاً جيداً للغاية"، معرباً عن أمله في أن تتحسن الأخبار على الجبهة.
وكشفت تصريحات كروتيفيتش قبل إقالة القوات المشتركة الأوكرانية الدور المتصاعد لكتيبة آزوف، التي خاضت أشرس المعارك في الدفاع عن مدينة ماريوبول في ربيع 2022، في اتخاذ القرارات في كييف. ومما زاد من احتمال تصاعد دور "آزوف"، تعليق سيرسكي على ما طرحه كروتيفيتش، إذ شدّد في صفحته على "تليغرام" على أهمية الحفاظ على حياة الجنود الأوكرانيين، وعلى "التدريب الجيد والرعاية الطبية الفعالة والميزة التكنولوجية... نحن نعمل على إنشاء نظام عام لكل وحدة، وأولويته الرئيسية هي إنقاذ حياة جنودنا". وقال: "إن حياة الجنود هي أعلى قيمة". ورغم أن سيرسكي لم يحدد اسم سودول إلا أن التوقيت والصياغة أظهرا دعمه ما ذهب إليه كروتيفيتش.
وكتيبة آزوف من أهم الكتائب المقاتلة في أوكرانيا، ومما زاد من احتمال ضلوعها بدور أكبر في المجالات العسكرية والسياسية في كييف، هو قرار الولايات المتحدة في 11 يونيو/ حزيران الحالي استئناف منحها مساعدات عسكرية بعد عشر سنوات من الحظر "بسبب مخاوف من صلاتها بالمجموعات القومية المتطرفة". وعللت وزارة الخارجية الأميركية هذا القرار بأنها أجرت "مراجعة شاملة"، و"لم تجد أي دليل على وقوع انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان" من قبل كتيبة آزوف، التي أعلنت حينها عن "صفحة جديدة في تاريخها"، وكتبت في منشور على "تليغرام": "أكدت السفارة الأميركية في أوكرانيا أن الوحدة الثانية عشرة الخاصة (آزوف) التابعة للحرس الوطني الأوكراني، اجتازت التفتيش الذي يقتضيه القانون الأميركي، ويحق لها الحصول على المساعدة من الولايات المتحدة". في المقابل، أظهرت إقالة الجنرال سودول، الذي عُيّن منذ أربعة أشهر فقط، إشارة إلى استمرار الخلاف الذي هزّ الجيش منذ أن استبدل زيلينسكي قائده العام، فاليري زالوجني، بالجنرال أولكسندر سيرسكي الذي كان قائداً للقوات البرية الأوكرانية منذ عام 2019. والأرجح أن الخلافات تعمّقت بعد الخسائر في أفدييفكا، شرقي أوكرانيا، والهجوم الروسي على خاركيف والتقدم البطيء لكن المستمر للقوات الروسية على جبهتي دونيتسك ولوغانسك. وانتقلت القوات الأوكرانية إلى موقف دفاعي منذ الخريف الماضي، وأمضت أشهراً في القتال من أجل التمسك بالأرض على الرغم من قلة عدد أفرادها وتسليحها. كما تأخرت المساعدات العسكرية الأميركية بسبب الخلافات في واشنطن. كذلك أدى التردد السياسي في كييف إلى تأخير الجهود الرامية إلى تعزيز الحملة الأوكرانية لحشد قوات جديدة عبر تعديل قوانين التجنيد والتعبئة العامة.
من هو يوري سودول؟
ولد يوري سودول عام 1970 في مدينة تشوغيف بمنطقة خاركيف لعائلة عسكرية. وتخرج في مدرسة سومي العليا لقيادة المدفعية عام 1992. ودرس لاحقاً في أكاديمية الدفاع الوطني في أوكرانيا، وتأهل بصفته ضابط قيادة عسكرية على المستوى التكتيكي العملياتي عام 2002. ومنذ عام 2003 خدم في القوات المحمولة جواً، وبين عامي 2007 و2015 تولى قيادة اللواء الخامس والعشرين المحمول جواً التابع للقوات المسلحة الأوكرانية. وشارك هذا اللواء تحت قيادة سودول، منذ عام 2014، في "عملية مكافحة الإرهاب في منطقتي دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا" بعد إعلان المنطقتين انفصالهما عن أوكرانيا. وأدى دوراً كبيراً في المعارك التي دارت قرب سلوفيانسك (يونيو ويوليو/تموز 2014) وفي معارك مارينكا (يونيو 2015). وعام 2015، تم تعيين سودول نائباً أول لقائد قوات الإنزال الجوي الأوكرانية، وعام 2018 أصبح قائداً لقوات مشاة البحرية الأوكرانية، وفي العام ذاته، حصل على لقب جنرال، وفي وقت لاحق أصبح قائد المجموعة العملياتية التكتيكية "فوستوك" العاملة في دونباس. وفي مارس/ آذار 2019، عشية الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، وضعت مجموعة "فوستوك" في حالة جهوزية عالية للقتال بأمر من سودول. وادّعى إدوارد باسورين، نائب رئيس القوات الانفصالية في "جمهورية دونيتسك الشعبية" الانفصالية، المعلنة من جانب واحد، أن سودول أصيب بجروح خطيرة أثناء معارك الدفاع عن مدينة ماريوبول عام 2022.
ما زاد من احتمال تصاعد دور "آزوف" هو تأييد سيرسكي ما طرحه كروتيفيتش
ومُنح سودول لقب بطل أوكرانيا عام 2022، بعد قيادته معركتين ناجحتين في وقت مبكر من الحرب، وهما الدفاع عن العاصمة كييف في ربيع 2022، والهجوم المضاد في منطقة خاركيف، في خريف 2022، لكنه واجه انتقادات واسعة النطاق في بعض الأوساط حول قراره مواصلة القتال من أجل التمسك بباخموت عامي 2022 و2023. ووجهت انتقادات شديدة له لتكتيكاته في نهاية العام الماضي، حين قرر الاحتفاظ ببعض النقاط العسكرية على الضفة اليسرى (الشرقية) من نهر دنيبر ومحاولة توسيعها في مهمة، وصفها الخبراء العسكريون بـ"الانتحارية وغير المجدية"، نظراً لعدم القدرة على إيصال الإمدادات عبر نهر دنيبر المراقب من قبل القوات الروسية المتمركزة على معظم الضفة اليسرى، وكذلك عدم وجود سواتر طبيعية لحماية نقاط التمركز الأوكرانية من نيران القوات الروسية. وفي 11 فبراير الماضي، تم تعيين سودول على رأس القوات المشتركة الأوكرانية بتزكية من سيرسكي.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، دعا سودول في كلمة أمام مجلس الرادا العليا (البرلمان) الأوكراني إلى الموافقة على قانون موافق لقواعد التعبئة. وحينها، اشتكى من النقص في عدد القوات الأوكرانية في منطقة القتال، وأن القوات الروسية متفوقة عددياً بنحو سبع إلى عشر مرات. وتم اعتماد القانون الذي أثار جدلاً واسعاً في أوكرانيا، لاستبعاده تسريح المقاتلين على الجبهات.
في المقابل، فإن قائد القوات المشتركة الأوكرانية الجديد أندريه هناتوف عمل سابقاً رئيساً للأركان ونائب قائد القيادة الجنوبية للجيش الأوكراني، وسبق له أن أدار الدفاعات في مدينتي ميكولايف وباخموت. وشغل هناتوف منصب نائب قائد العمليات الجنوبية منذ عام 2022، وأدى دوراً رائداً في استعادة جزء كبير من منطقة خيرسون الجنوبية من الروس. ومنذ عام 2016 عمل هناتوف رئيساً لمقر اللواء البحري السادس والثلاثين.