وقع رأس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في دمشق أمس الأول الأربعاء، مذكرة "تفاهم لتعاون استراتيجي طويل المدى في مجالات عدة"، وهو ما يرسّخ العلاقة بين النظام وإيران، ويتنافى مع مبادرات عربية طفت على السطح أخيراً لإخراج سورية من دائرة التأثير والنفوذ الإيراني.
وكان رئيسي بدأ زيارة إلى العاصمة السورية دمشق الأربعاء الماضي، تعد الأولى لرئيس إيراني منذ أكثر من 12 سنة. ويُنظر إليها على أنها تكريس للحضور الإيراني المتعاظم في مناطق سيطرة النظام.
وبعيداً عن الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها الجانبان، والتي تكرس الهيمنة الإيرانية على مفاصل اقتصاد النظام، وموارد البلاد الرئيسية، تبدو الزيارة تأكيدا جديدا على مدى التأثير والنفوذ السياسي، الذي باتت تمتلكه طهران في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام الذي يحاول المناورة، بين علاقته مع الجانب الإيراني، وبين رغبته في انفتاح عربي يساعد في تأهيله سياسياً، ويدعم اقتصاده المتهالك.
وتأتي هذه الزيارة تتويجاً لدعم إيراني واسع النطاق للنظام السوري مكّنه من البقاء في السلطة، وهو ما عزز من نفوذ طهران في البلاد، بحيث باتت لها اليد الطولى من خلال مليشيات تنتشر في عموم المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام.
التقى رئيسي وفداً من قادة الفصائل الفلسطينية في سورية
ولطالما اعتمد النظام السوري على الجانب الإيراني لمواجهة الثورة التي بدأت في ربيع 2011، وكادت أن تحدث تغييراً سياسياً كبيراً في سورية، لولا التدخل الإيراني العسكري والأمني والاقتصادي إلى جانب النظام وصولاً إلى العام 2015، حين تدخل الروس عسكرياً، ما أدى إلى تبدل معطيات الصراع برمته لصالح النظام وحلفائه.
تحذير أميركي
وحذرت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان على لسان نائب المتحدث باسمها فيدانت باتيل، أمس الأول، من أن توثيق العلاقات بين إيران وسورية "ينبغي أن يكون مبعث قلق شديد للعالم".
وأضاف أن "هذين النظامين استمرا بالمشاركة في أنشطة خبيثة لزعزعة الاستقرار، ليس فقط في بلديهما، ولكن أيضاً في المنطقة على نطاق واسع".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في تغريدة أمس الخميس، إن "أميركا عبرت عن قلقها من زيارة الرئيس الإيراني لسورية ونتائجها ووصفتها بالشر. بالتأكيد إن غضب النظام الشرير، الذي كُسر قرنه في سورية وكل المنطقة من قبل إيران ومحور المقاومة، والذي يجب أن ينهي وجوده العدواني في سورية، أمر طبيعي. اغضب ومت غضباً".
وتحدث رئيسي، خلال زيارته إلى دمشق، عن امتزاج العلاقة بين بلاده والنظام السوري بـ"الدم"، مؤكداً أنه "لا يمكن إحداث أي شرخ" في هذه العلاقة، في إشارة على الأرجح إلى محاولات دول عربية دفع النظام إلى تحجيم الدور الإيراني في سورية كثمن لإعادة تعويمه مرة أخرى.
إيران ستقف إلى جانب سورية
وطالب رئيسي الأميركيين بالانسحاب من سورية "فوراً"، ما يشير إلى احتمال أن يشهد الشرق السوري تصعيداً عسكرياً بين الإيرانيين والأميركيين على جانبي نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي.
وأكد رئيسي، في مرقد السيدة زينب جنوب دمشق مساء أمس الأول، أن "إيران ستقف إلى جانب سورية في إعادة إعمارها فالعلاقات بين الشعبين لا يمكن أن تنتهي". وأضاف: "12 سنة من الظلم والقتل والجرائم والأموال الحرام التي مولوا بها جماعات القتل والإرهاب لكن سورية ظلت صامدة ومنتصرة".
ونقلت وكالة "مهر" عن رئيسي قوله، خلال لقائه وفداً من قادة الفصائل الفلسطينية في سورية، أن "قضية فلسطين وتحرير القدس هي أهم قضية في العالم الإسلامي اليوم ولا ينبغي نسيانها"، مؤكداً أن "زوال الكيان الصهيوني بات قريباً".
وتؤكد زيارة الرئيس الإيراني لسورية أن طهران ليست بصدد التفكير في سحب مليشياتها التي تتموضع في عدة محافظات سورية، بل تخطط لوجود طويل الأمد يكرس نفوذها الاقتصادي والديني والثقافي، وخاصة في دمشق وريفها، ودير الزور وريفها، ومدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري.
ورغم الترحيب الإيراني بالتقارب العربي مع النظام السوري، إلا أن الزيارة تؤكد أن طهران تعارض أي مساع من شأنها تقليص دورها في سورية، التي تحظى بأهمية كبرى لدى الإيرانيين في مشروعهم الهادف إلى فرض رؤيتها في المنطقة، وخاصة في العراق وسورية ولبنان.
رسائل سياسية واضحة لزيارة رئيسي إلى دمشق
ورأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري"، محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "زيارة رئيسي إلى دمشق تحمل الكثير من الرسائل السياسية الواضحة".
رشيد حوراني: زيارة رئيسي تكريس للمحور الذي تقوده إيران في المنطقة
وبرأيه فإن موقف النظام المتشدد حيال المطالب العربية منه يلتقي مع الموقف الإيراني على هذا الصعيد. وتابع: الهتافات الطائفية التي استقبل بها الرئيس الإيراني عند وصوله إلى العاصمة السورية، وزيارته لمقام السيدة زينب جنوب دمشق، تحمل رسائل سياسية طائفية واضحة، فضلاً عن الحديث الإيراني عن "الانتصار". هذا كله رسالة أن سورية باتت محافظة إيرانية لا أكثر، كما صرّح مسؤولون إيرانيون أكثر من مرة خلال السنوات الماضية.
وأعرب عن اعتقاده بأن "هذه الزيارة لا تلغي التقارب العربي مع النظام"، مضيفاً: لكنها تعقده أكثر. هذه الزيارة دعم واضح لموقف النظام المتشدد حيال المبادرات العربية اتجاهه. لا ننسى أن التقارب العربي موجود اليوم حتى مع الإيرانيين أنفسهم.
وفي السياق، رأى الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن زيارة رئيسي إلى دمشق "تكريس للمحور الذي تقوده إيران في المنطقة، وهو ما يسمّى محور المقاومة". وأضاف: تعني الزيارة أيضاً سياسياً أن النظام ماضٍ في تعنته حيال كل المبادرات السياسية العربية الهادفة إلى إيجاد حلول سياسية للقضية السورية.
ولا يستبعد حوراني أن تعرقل الزيارة خطوات التقارب العربي، وخاصة السعودي مع النظام السوري، مضيفاً: ربما تتأنى الدول العربية في الاندفاع باتجاه النظام، ريثما تتضح رؤيته وموقفه حيال المبادرات العربية الأخيرة.