استمع إلى الملخص
- **رسائل سياسية وأمنية**: اصطحب العليمي وفداً كبيراً من المسؤولين، وتم تأمين الزيارة بحراسة سعودية مشددة، ووضع حجر الأساس لمشاريع إنمائية بدعم سعودي.
- **ردود أفعال متباينة**: تباينت ردود الأفعال حول الزيارة؛ البعض رأى فيها تعزيزاً لحضور الدولة، بينما اعتبرها آخرون استعراضية وغير مؤثرة.
مثلت زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي إلى مدينة تعز جنوب غرب البلاد، الثلاثاء الماضي، أهمية كبيرة، خاصة أن المدينة لم تحظ بزيارة "رئيس الجمهورية" منذ 15 عاماً حين زارها الرئيس الراحل علي عبد الله صالح في 2009، وظلت رغم أهميتها الجيوسياسية غائبة ومغيبة عن اهتمامات صانع القرار الأول كل هذه المدة.
وقد حظي العليمي في مدينة تعز، مسقط رأسه، باستقبال رسمي وشعبي كبير، جعل الزيارة استثنائية، وأعادت إلى الأذهان الزيارات الرسمية لرئيس الجمهورية في زمن استقرار البلاد قبل الأحداث التي عصفت بها منذ 2011 مروراً بانقلاب الحوثيين في 2014 واندلاع الحرب في 2015. أما التوقيت فجاء عقب زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى حضرموت التي تشهد صراعاً للسيطرة عليها بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أنها زيارة لم تلق ترحيباً في الشارع الحضرمي الذي يطالب بتنفيذ مطالب المحافظة النفطية بمنحها حصتها من نفط المحافظة وبنسبة لا تقل عن 25٪، وهو مطلب يبدو أنه أكبر من قدرة رئيس مجلس القيادة على الموافقة عليه.
وقد حرص العليمي في زيارته إلى تعز على اصطحاب أكبر عدد من المسؤولين من أطياف متعددة، وضم الوفد التابع له أعضاء في مجلس القيادة، ومستشارين، ووزراء، وأعضاء في لجنة التشاور، وقادة أحزاب سياسية، وقادة عسكريين، في خطوة أراد العليمي من ورائها إيصال رسالة مفادها أن الدولة حاضرة بكل مكوناتها.
حراسة سعودية
وتعد الزيارة بحسب مراقبين، مغامرة أمنية أقدم عليها العليمي، مع استمرار أطراف الصراع في تقاسم السيطرة على المدينة. وكان اللافت في الزيارة هو الحراسة السعودية التي رافقت الموكب عبر مجموعة من أفراد القوات الخاصة السعودية، والمصفحات العسكرية التي عملت على تأمينه. وخلال الزيارة وضع العليمي حجر الأساس لعدد من المشاريع الإنمائية والخدمية بدعم سعودي عبر البرنامج السعودي لتنمية اليمن وإعماره، من بينها مركز الأورام التخصصي، ومحطة كهرباء عصيفرة بقدرة 30 ميغاوات، والمستشفى الريفي بمديرية المواسط، ومشروع إعادة تأهيل وتجهيز المعهد التقني الصناعي بمدينة تعز.
العليمي في تعز.. تعزيز حضور الدولة؟
وقد أثارت الزيارة ردود أفعال متباينة لدى الشارع التعزي، بين من يرى أنها مثلت تعزيزاً مهماً لحضور الدولة ومؤسساتها، في مقابل طرف آخر غير متفائل بها وبنتائجها. وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي عبد الحكيم الصبري لـ"العربي الجديد"، إن "زيارة رشاد العليمي إلى تعز يستدعي النظر إليها وفق الظروف التي يعيشها اليمن بشكل عام، وتعز بوضع خاص، إذ إن رئيس مجلس القيادة لا يملك سلطات مطلقة، وإنما هو عضو في مجلس مكون من 8 أعضاء يتقاسمون الصلاحيات، كما أن المجلس لم يستطع منذ تشكيله فرض سلطته على العاصمة المؤقتة عدن مركزاً للحكم نتيجة سيطرة المجلس الانتقالي عسكرياً عليها، وعلى مواردها، في ظل تباينات الرؤى والمواقف بين الأعضاء المنقسمين حول الكثير من القضايا".
وأضاف الصبري أن "تعز تحظى برمزية الدولة، وبالتالي فإن الزيارة تحمل دلالات أن تعز ستكون المنطلق لاستعادة الدولة، وتقديم النموذج الأكثر إيجابية معبراً عن الشرعية"، وأضاف "ما زالت تعز تتمسك بمؤسسات الدولة على ضعفها، وما زال فيها الهامش الحزبي الوحيد، في ظل تقاسم بقية المحافظات بين التشكيلات المسلحة، كما أن العليمي غامر أمنياً من أجل نجاح الزيارة وهو يعرف أن الحوثيين على مرمى حجر منه".
وأكد الصبري أن رئيس مجلس القيادة جاء إلى الحكم على تركة ثقيلة خلفها له الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، ومن ثم الأوضاع في البلد بحسب قوله "تحتاج إلى معالجات طويلة الأمد، في ظل المتغيرات القائمة على الأرض، وهو ما يستدعي من الجميع وفي مقدمتهم الأحزاب السياسية دعم توجهات مجلس القيادة الرئاسي في تفعيل المؤسسات، وتقديم نموذج إيجابي للشرعية، ولو على مساحة صغيرة من البلاد، ليتم تعميم هذا النموذج على بقية المحافظات".
من جهته، قال الناشط السياسي أنور الصراري لـ"العربي الجديد"، إن "العليمي أراد البحث عن رد الاعتبار لنفسه وللمجلس الرئاسي بعد زيارته الأخيرة لحضرموت والتي لم يحظ خلالها بالترحيب الشعبي والرسمي، حيث تم استقباله ببيان رافض للزيارة من قبل مؤتمر حضرموت الجامع، بالإضافة إلى ما صرح به عضو المجلس الرئاسي فرج البحسني التي اتهم فيها العليمي بتمييع قضايا محافظة حضرموت والفشل في مواجهتها بجدية، ودعا فيها لتلبية مطالب حضرموت".
وأضاف أن "رئيس مجلس القيادة الرئاسي يدرك جيداً أنه لا يوجد هامش متبق من الدولة إلا في تعز، ولهذا اختار زيارتها، ورغم المخاطر الأمنية إلا أن السعودية تكفلت بتأمين الزيارة، ودعم عدد من المشاريع التنموية التي أعلنها العليمي في زيارته التي حشد فيها مسؤولين يمثلون معظم الأطياف السياسية باستثناء الانتقالي طبعاً الرافض للمشاركة في هذه الزيارة". وأكد أن الزيارة كان يمكن أن تكون ناجحة في حال رافق العليمي أحد أعضاء مجلس القيادة المحسوبين على الانتقالي، لأن ذلك سيكون تعزيزاً للوحدة اليمنية وتأكيدَ توحد جميع القوى في مواجهة جماعة الحوثي الانقلابية، وكان يفترض أن يحضر الدعم الإماراتي -المحصور للأسف في الساحل الغربي - لتدشين مشاريع تنموية في تعز، كي يثق المواطن أن التحالف العربي بجانبه بعيداً عن التباينات الموجودة بين قطبيه المتمثل بالسعودية والإمارات".
أما الصحافي محمد سعيد الشرعبي فقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن الزيارة كانت استعراضية ونوعاً من تسجيل الحضور بعد خيبة أمله في زيارته إلى حضرموت، وفتور العلاقات مع سلطة الأمر الواقع في عدن، أضف إلى ذلك محاولته - أي العليمي - إعادة ترميم صورته بعد تراجعه المذل عن قرارات البنك المركزي، والتخلي عن المرجعيات الثلاث لأي حوار سياسي مع جماعة الحوثي". وأضاف "لا نتائج تذكر للزيارة، فالوضع كما هو قبل الزيارة.. المعاناة مستمرة، والناس يعرفون بأنه يبيع كلاماً، ولن يضع حداً لمأساتهم".