بعد حوالي 40 يوماً على مقتل زعيم تنظيم "داعش" أبو إبراهيم الهاشمي القرشي (عبد الله قرداش) بعملية نوعية للتحالف الدولي في إدلب شمالي سورية، أعلن التنظيم مساء أمس الأول الخميس عن زعيمه الجديد من دون الكشف عن اسمه الحقيقي، بما يفسر على أنه تخوف حقيقي من استهداف لـ"الخليفة" الجديد.
وفي كلمة صوتية بثتها "مؤسسة الفرقان الإعلامية" المقربة من التنظيم الخميس، أعلن المتحدث باسم التنظيم أبو عمر المهاجر تعيين "أبو الحسن الهاشمي القرشي" زعيماً جديداً للتنظيم.
كما اعترف بمقتل الزعيم السابق والمتحدث السابق باسم التنظيم أبو حمزة القرشي في العملية التي شنها التحالف في 3 فبراير/ شباط الماضي.
خلل أمني في بنية "داعش"؟
ويدل عدم كشف التنظيم عن اسم زعيمه الجديد على مخاوف أمنية كبيرة ربما تعكس خللاً أمنياً داخل بنيته التنظيمية، لا سيما بعد الخسارات الجغرافية الكبيرة منذ ربيع عام 2019، حين خسر النظيم آخر جيب مركزي له في الباغوز شرقي سورية، ما أدى لإعلان الولايات المتحدة الانتصار الكامل على التنظيم، ومن ثم مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي، ثم فشل الهجوم على سجن غويران في الحسكة، وأخيراً مقتل قرداش.
لكن على الرغم مما تعرّض له التنظيم، فقد واصل عملياته معتمداً على اللامركزية. وبعد مرحلة من ترتيب الأوراق بعد أحداث الباغوز، نشط التنظيم في البادية السورية، وأحدثت عملياته إرباكاً كبيراً لقوات النظام السوري والروس والمليشيات الموالية لإيران على حد سواء.
"داعش" يعمل على ثبات الذات وترتيب الأوراق للمرحلة المقبلة
واستمرت تلك العمليات في نسق من الثبات والتصعيد أحياناً حتى ما بعد أحداث سجن غويران ومقتل قرداش، ما يدل على التكيف مع حالة اللامركزية، واتخاذها استراتيجية ربما تكون طويلة الأمد.
وحول تعيين الزعيم الجديد لـ"داعش"، يشير الخبير في الجماعات الإسلامية، الباحث عباس شريفة، إلى أن المعلومات عن أبو الحسن الهاشمي غير متوفرة، لا سيما لجهة نسبه.
ويضيف في حديث مع "العربي الجديد" أنه شخصية غير معروفة ولم يتقلد مناصب حساسة في قيادة التنظيم، ما يعكس معاناة التنظيم من أزمة قيادة، خصوصاً بعد القضاء على خلية تلعفر (عملية نوعية أدت للقضاء على عدد من قيادات الصف الأول في داعش في عام 2015)، والتي كان فيها بعض مؤسسي التنظيم وأعضاء مجلس شورته، ومن ثم القضاء على قيادات أخرى.
ويتابع: بعد ذلك برزت قيادات ليست ذات كفاءة أو خبرة، وهذا ما يفسر تأخر التنظيم بالإعلان عن الأمير الجديد له. ويرى أن التنظيم دخل فعلياً في أزمة قيادة حقيقية، والواضح أن أبو الحسن الهاشمي، وعلى الرغم من شح المعلومات عنه، إلا أنه ليس من الصف الأول ولا يملك الخبرة القيادية، أي أنه ليس من الضباط البعثيين السابقين الذين ساهموا في تأسيس "داعش" وقادوا التنظيم من الأروقة الخلفية، وأساساً لم يبقَ منهم أحد بعد تصفية معظمهم.
ويضيف شريفة أن "هذا ما انعكس على التخطيط والاستراتيجية في تنفيذ العمليات وتنظيم الموارد البشرية والتنظيمية، ولا سيما بعد مقتل قرداش الذي كان يحاول إعادة المركزية للتنظيم".
وحول نشاط الخلايا التابعة للتنظيم، يشير شريفة إلى أنه بعد معركة الباغوز اتجه التنظيم لتفعيل الخلايا، ومع صعوبة التواصل بين الفروع تم إعطاء الصلاحيات لكل مسؤول عن قطاع أو منطقة بالتصرف بما يراه مناسباً من خلال التخطيط أو تنفيذ العمليات، لافتاً إلى أن هذه العمليات ليست مرتبطة لا بالدعم اللوجستي للتنظيم ولا التخطيط ولا تلقي الأوامر، ما يعني أن العمليات ستستمر بغض النظر عن ماهية القيادة المركزية، أو القيادة العليا.
ويعتقد شريفة أن التنظيم سيعمل في الفترة الحالية على خطين متوازيين، الأول إثبات الذات، والثاني ترتيب الأوراق، وإن كان الأول سيكون أمراً ذو أولوية عند قيادة التنظيم لإعادة الثقة للعناصر، وهذا سيكون من خلال الاستمرار بالعمليات الخاطفة أو إحداث عمليات نوعية.
أما ترتيب الأوراق فسيكون بالمقام الثاني وستكون عملية صعبة مع أزمة القيادة، لكنها ستكون مطلوبة للتنظيم لا سيما على صعيد رفده بالموارد البشرية.
لامركزية "داعش"
ويختلف الخبير في الجماعات الجهادية حسن أبو هنية، مع شريفة حول توصيف وضع الهيكلية الحالية للتنظيم، إذ يرى أن "داعش" منظمة معروفة بصلابة الهيكل التنظيمي بشكل صارم ولها تاريخ طويل، وبالتالي اعتادت على مقتل زعمائها.
ويضيف أبو هنية في حديث مع "العربي الجديد"، أن التنظيم كان دائماً يبحث عن عملية إحلال مباشرة بعد مقتل كل زعيم، وهو أساساً لديه خبرة بالانتقال من حالة المركزية إلى حالة اللامركزية، فعندما تفقد السيطرة المكانية تتحول إلى العمل كمنظمة.
نشاط خلايا التنظيم وعملياتها لن تتأثر، لأنه يعمل بشكل لامركزي
ويتابع: "شاهدنا أن مقتل قيادات في الصف الأول وحتى رأس الهرم، لا تؤثر كثيراً بالهيكل، لأن الهيكل لا مركزي ويعمل بشكل مستقل، سواء في مركز التنظيم السابق في العراق ومن ثم سورية، أو فروع التنظيم المنتشرة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط".
لكن أبو هنية لا يستبعد أن يكون هناك خلاف أو تخوّف أمني لدى التنظيم من خلال عدم الإعلان عن الهوية الكاملة للزعيم الجديد الذي يتطلب رؤيته، والواضح أنه حتى هذه الخاصية أخفيت عن الفروع أو عناصر التنظيم.
ويؤكد أن نشاط خلايا التنظيم وعملياتها لن تتأثر، لأنه يعمل بشكل لامركزي، لا سيما في الفترة الأخيرة، فمثل هذه التنظيمات لا تتأثر عادة بغياب الأشخاص، وهي أساساً تراكم الخبرات بشكل مستمر، مضيفاً تبقى الرهانات على الانشقاقات والخلافات، وسيلة أجهزة الاستخبارات في العالم أو المراكز الدعائية المقربة منها للقول بمحاصرة التنظيم وتحجيمه، لكن الخلافات وإن كانت موجودة لا تعني أنها ستؤدي لانقسام أو انشطار.