روسيا وانقلاب النيجر: تفاؤل بتحجيم الدور الفرنسي بلا تدخل مباشر

13 اغسطس 2023
رفع علم روسي في تظاهرة مؤيدة للانقلاب في نيامي، الجمعة (فرانس برس)
+ الخط -

أثار رفع الأعلام الروسية في تظاهرات المناصرين للانقلاب في النيجر، تساؤلات حول ما إذا كان لموسكو ضلوع في التطورات الراهنة، وما إذا كانت تمهد لتعزيز الوجود الروسي في القارة الأفريقية، وسط تراجع دور فرنسا في دولة تعد مورداً رئيسياً لليورانيوم، والذي تعطلت إمداداته إلى باريس إثر الانقلاب في النيجر في 26 يوليو/تموز الماضي.

ومن اللافت أن الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني وعزل رئيس النيجر محمد بازوم، تسبّبا في سلسلة من الأحداث أظهرت مدى انزعاج الغرب، وسط تجميد المساعدات المالية المخصصة لنيامي، مروراً بقطع الطاقة الكهربائية الآتية من الدول المجاورة، وصولاً إلى عزم دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" التي تضم 15 بلداً، التدخل عسكرياً في النيجر.

تراجع الدور الفرنسي

في المقابل، حذرت وزارة الخارجية الروسية في بيان أصدرته أول من أمس الجمعة، من أن الحل العسكري للأزمة في النيجر قد يؤدي إلى مواجهة طويلة الأجل وزعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها، معربة في الوقت نفسه عن دعمها لخطوات "إيكواس" لاستعادة النظام في النيجر بطريقة دبلوماسية وجهود الوساطة لإيجاد مخرج من الأزمة الراهنة.

ومع ذلك، ثمة مؤشرات تؤكد أن موسكو لن تؤدي، على المستوى الرسمي على الأقل، أي دور يذكر لدعم السلطة الجديدة في النيجر مع استفادتها بصورة غير مباشرة من استمرار تراجع الدور الفرنسي في الدول الأفريقية واحدة تلو الأخرى.


سيرغي بالماسوف: انشغال فرنسا بأفريقيا سيقلل دعمها لأوكرانيا

ويعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، سيرغي بالماسوف، أن انشغال فرنسا بأفريقيا سيقلل دعمها لأوكرانيا، مما يصب في مصلحة روسيا التي من المستبعد أن تتدخل في الأزمة إلا بشكل غير مباشر بواسطة مجموعة "فاغنر" بعد "الطلاق" بينها وبين الكرملين على إثر تمرد مؤسسها، يفغيني بريغوجين، في 24 يونيو/حزيران الماضي.

ويقول بالماسوف في حديث لـ"العربي الجديد": "كلما ازداد انشغال فرنسا وصداعها بالمناطق ذات الأهمية الحيوية لمصالحها في أفريقيا والساحل، قلت مساعداتها لأوكرانيا. لا تقل أهمية أفريقيا الفرنكوفونية سابقاً بالنسبة إلى باريس عن أهمية آسيا الوسطى والقوقاز بالنسبة إلى روسيا".

ويلفت إلى أن خطورة النيجر بالنسبة إلى فرنسا لا تقتصر على إمدادات اليورانيوم، مضيفاً: "نشهد اليوم انهياراً لدول أفريقيا الفرنكوفونية، تحديداً في الساحل الأفريقي، وهذه مناطق شاسعة تتحول إلى ثقوب رمادية تتطلب تحديداً لكيفية التعامل معها، لأنها كانت تقع ضمن منطقة مسؤولية فرنسا".

ويصف بالماسوف الوضع الحالي بأنه "مريح للغاية" بالنسبة إلى روسيا، قائلاً: "بعد أحداث يونيو الماضي وتمرد فاغنر، لم يعد من الممكن الطعن أمام موسكو في ظهور عناصر المجموعة في النيجر، لأن الطلاق قد تم، وباتت المجموعة العسكرية تتخذ من بيلاروسيا مقراً لها، ولم تعد تجند مقاتلين داخل الأراضي الروسية".

ويلفت إلى أن "الاضطرابات في أفريقيا تزيد من تحديات أوروبا في مجال الهجرة غير النظامية وما يترتب عليها من ارتفاع معدلات الجريمة"، ملخصاً الوضع في أنه "خرج عن السيطرة، ولا يمكن إعادة المارد إلى القمقم".

بدوره، يستبعد الخبير الآخر في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، احتمال التدخل الروسي في النيجر، ولو بواسطة "فاغنر"، نظراً لغياب غطاء سياسي لذلك بعد تأكيد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مقال له حقق انتشاراً واسعاً عشية القمة الروسية الأفريقية في سانت بطرسبرغ في نهاية يوليو/تموز الماضي، على مبدأ (حل أفريقي لمشكلات أفريقية)".

ويقول سيميونوف في حديث لـ"العربي الجديد": "لا مكاسب جلية لروسيا جراء الوضع في النيجر، إذ أن لموسكو أولويات ومهام أخرى في الوقت الحالي. صحيح أن هناك عدداً كبيراً من عناصر فاغنر الذين تم إبعادهم عن الجبهة في أوكرانيا وبات يمكنهم أداء مهام جديدة، ولكن الغطاء السياسي لذلك غير متوفر".

عقبات روسية في النيجر

وحول رؤيته للعقبات أمام أداء روسيا دوراً أكبر في النيجر، يشير سيميونوف إلى أن "دول إيكواس تنوي التدخل في النيجر لاستعادة ما تعتبره الشرعية الدستورية، وهذه الدول هي أيضاً شريكة روسيا وشاركت وفودها في القمة الروسية الأفريقية، مما يعني أن موسكو يمكنها أداء دور الوساطة والحكم لإنهاء النزاع قبل أن يتحول إلى حرب واسعة النطاق في أفريقيا بمشاركة العديد من الدول، ما سيستولد فراغاً أمنياً في الساحل قد تملأه مجموعات وتنظيمات إرهابية".


كيريل سيميونوف: لا مكاسب جلية لروسيا جراء الوضع في النيجر

من جهتها، ذكرت صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين، أن هناك عدداً متزايداً من "المؤشرات لعزم الغرب وأتباعه إجراء تدخل عسكري مباشر في النيجر المنتفضة"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الغرب تجاهل العديد من الانقلابات في الدول الأفريقية. وتساءلت عن تشبث الولايات المتحدة وأوروبا بإعادة القيادة السابقة إلى السلطة في البلاد وما دور روسيا في ذلك؟

وفي مقال بعنوان "النيجر تضع رخاء الغرب على المحك"، لفتت "فزغلياد" إلى أن واحدة من أفقر دول العالم الواقعة في أفريقيا أصبحت مصدراً لصداع كبير لنخب "الغرب الجماعي"، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة.

كما سخرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في منشور على قناتها على "تليغرام" الثلاثاء الماضي، من زيارة القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، إلى النيجر ومحادثاتها مع قادة الانقلاب، معتبرة أن الدبلوماسية الأميركية الرفيعة ظنت أنه يمكن خداع النيجر مثلما خدعت أوكرانيا، مخلصة إلى أن "نظام الموز" في كييف لا مثيل له.

المساهمون