توتر روسيا والغرب: الخيبة من مضمون الرد على الضمانات لا تنهي المفاوضات

27 يناير 2022
لم يستبعد بلينكن عقد لقاء جديد مع لافروف قريباً (Getty)
+ الخط -

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الخميس، أن الرد الأميركي على مشروع معاهدة الضمانات الأمنية "لم يتضمن إشارات إيجابية" بشأن القضايا الأساسية التي عرضتها بلاده، لكنه لم يغلق الباب أمام التفاوض.  

ومن جانبه، أشار الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إلى أنه "ليس هناك دواعٍ كثيرة للتفاؤل"بشأن رد الولايات المتحدة على المبادرة الروسية. 

وأوضح بيسكوف أنه "لا يمكن القول إن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) راعيا اعتبارات روسيا بشأن الضمانات الأمنية في ردهما على هذه المقترحات، أو أظهرا استعداداً لأخذ مباعث قلق موسكو في عين الاعتبار". ودعا إلى "عدم الاستعجال وانتظار تحليل الرد" الذي اطّلع عليه الرئيس فلاديمير بوتين. 

أعلن ديمتري ميدفيديف أن المفاوضات أفضل سبيل لحل الأزمة المتصاعدة مع الغرب

وفي إطلالة نادرة على الصحافة، شدد الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، في تصريحات اليوم الخميس، على أن بلاده لا تسعى للحرب، وأن المفاوضات بشأن الضمانات الأمنية "أفضل سبيل" لحل الأزمة المتصاعدة مع الغرب.

رفض أميركي لإغلاق أبواب حلف شمال الأطلسي أمام أوكرانيا

وكانت الولايات المتحدة رمت الكرة في ملعب روسيا وخيّرتها بين الدبلوماسية ومواصلة التصعيد العسكري.

ولم يكشف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن نص الردّ الأميركي على مشروع معاهدة الضمانات الأمنية الروسية. لكن تصريحاته، مساء أمس الأربعاء، كشفت عن رفض مطلق لطلب إغلاق باب "الناتو" في وجه أوكرانيا، والوجود العسكري في أوروبا الشرقية. وأكد استعداد واشنطن وحلفائها لمختلف السيناريوهات، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام مفاوضات بشأن البنود الأخرى.

وفي إشارة ذات معزى تؤكد على وحدة الموقف على ضفتي الأطلسي، أعلن "الناتو" أنه سلم رد الحلف على اتفاقية الضمانات الأمنية إلى السفارة الروسية في بروكسل. وأوضح مسؤول في الحلف أن "حلف شمال الأطلسي نقل مقترحاته لروسيا بعد ظهر اليوم (أمس الأربعاء)، بالتوازي مع الولايات المتحدة". 

مشروع المعاهدة الروسية للضمانات الأمنية

ومعلوم أن روسيا سلمت، منتصف الشهر الماضي، الجانب الأميركي مشروع معاهدة حول الضمانات الأمنية. وتضمنت ثمانية مطالب روسية، أهمها التعهد بمنع توسع "الناتو" شرقاً، وعدم انضمام دول من الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفييتي إلى الحلف.

كما تضمن مشروع المعاهدة عدم إنشاء قواعد عسكرية في الجمهوريات السوفييتية السابقة غير المنتمية إلى الأطلسي، وعدم استخدام البنى التحتية فيها لممارسة أي أنشطة عسكرية، وعدم تطوير التعاون العسكري الثنائي معها.  

يضاف إلى ذلك عدم استخدام أراضي دول أخرى لتحضير أو تنفيذ هجوم عسكري على أحد الطرفين، أو اتخاذ أي إجراءات أخرى تخص المصالح الأمنية الجذرية لبعضهما البعض.  

كما نصت الوثيقة على ضرورة الامتناع عن نشر قوات وأسلحة في المناطق، التي يرى الجانب الآخر في انتشار هذه الأسلحة والقوات تهديداً لأمنه، ما عدا الانتشار داخل أراضي الدولتين. 

كما يتعهد الطرفان، حسب مشروع المعاهدة، بعدم نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى خارج حدودهما، وفي مناطق داخل أراضيهما يمكن منها ضرب أهداف في أراضي الطرف الآخر. كما يتعهدان بعدم نشر أسلحة نووية خارج حدودهما، ويسحبان ما سبق نشره من هذه الأسلحة في الخارج، مع إزالة كافة البنى التحتية الخاصة بنشر أسلحة نووية خارج حدودهما. 

حدد بلينكن قائمة من المجالات من ضمن المخاوف الروسية التي يمكن التعامل معها

وتضمن المشروع أيضاً، وقف تمدد "الناتو" في أوكرانيا وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق، وإزالة المنشآت العسكرية التي أقامها حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية بعد 1997.

الرد الأميركي لن يكون مرضياً لروسيا

ورغم التزام الطرفين بعدم نشر نص الرد الأميركي كاملاً بناء على طلب من واشنطن، كشفت تصريحات بلينكن، أمس الأربعاء، أن الرد لن يكون مرضياً بالنسبة لروسيا.

وفي مقدمة لعدم إطلاق أي تعهد يمكن البناء عليه، أكد بلينكن أن الجواب الأميركي لا يعد وثيقة مفاوضات رسمية، بل إنه اقتراح، أطلق عليه اسم "مجموعة من الأفكار" لتهدئة الأوضاع حول أوكرانيا.

ويمثل هذا الأمر إشارة واضحة إلى أن واشنطن ترفض في شكل مباشر مناقشة الضمانات الأمنية التي وصفها الوزير الأميركي بـ"المخاوف الروسية". وشدد على أن "أبواب الناتو مفتوحة وستظل مفتوحة". 

وحدد بلينكن قائمة من المجالات من ضمن المخاوف الروسية التي يمكن التعامل معها، بناء على مبدأ المعاملة بالمثل، ويمكن التفاوض حولها، وهي الحد من التسلح، وزيادة شفافية الأنشطة العسكرية، وتقليل المخاطر. 

وفي إشارة إلى عدم نجاح روسيا في "دق إسفين" بين واشنطن وبروكسل وكييف، أكد بلينكن أن بلاده تلقت ردودهم حول المقترحات الروسية، وأدرجتها في ردها الخطي لموسكو. 

وفي إطار التأكيد على أن واشنطن لن تتراجع عن دعم أوكرانيا وبلدان شرق أوروبا المتخوفة من غزو روسي، أوضح بلينكن أن بلاده ستواصل تزويد أوكرانيا بالعتاد اللازم، وأنها مستعدة لإرسال مزيد من الجنود إلى شرق أوروبا. 

وشدد على أن لدى الولايات المتحدة خيارات كثيرة لمنع أي غزو روسي، منها العقوبات الاقتصادية "باهظة الثمن". وأكد أن بلاده تواصل البحث مع كبار منتجي الطاقة في العالم حول كيفية تغطية أي نقص في الغاز في حال قررت روسيا قطع الإمدادات.

وخلص بلينكن إلى أن "الكرة في ملعب موسكو، ونحن جاهزون لجميع السيناريوهات". ولم يستبعد عقد لقاء جديد مع لافروف في الأيام المقبلة لمزيد من المباحثات.

وكشفت مصادر لصحيفة "كوميرسانت" الروسية أن "اللقاء يمكن أن يعقد في جنيف الأسبوع المقبل". 

من جانبه، أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن "الناتو" غير مستعد لتقديم أي تنازلات عن مبادئه الأساسية في حق أي دولة باختيار الانضمام إليه. 

الرد الأميركي قد يمثل "سلم النزول" لروسيا

ورغم أن الرد الأميركي كان متوقعاً، فإن الرد الروسي يكشف عن خيبة، لكنه قد يمنح موسكو "سلم النزول" بعدم الدخول في حرب مضمونة النتائج عسكرياً، لكن كلفتها الاقتصادية باهظة جداً. وتشي تصريحات ميدفيديف الأخيرة بأن روسيا مستعدة للتفاوض مع الغرب على جميع القضايا.

من غير المتوقع أن يتراجع التصعيد العسكري بشكل فوري
 

ولا يستبعد أن توافق موسكو على مزيد من المباحثات والمفاوضات، فهي تدرك أن الضمانات الأمنية التي عرضتها تعني بداية نهاية النظام الذي تحكم في العالم بعد الحرب الباردة، ووضع قواعد جديدة تكون روسيا فيها طرفاً أساسياً على قدر المساواة مع الولايات المتحدة الأميركية. 

وربما تسوق موسكو للمفاوضات على أنها جاءت لمناقشة مطالب تعيد روسيا إلى مكانتها العالمية من دون حرب كبرى، نظراً لأن المطالب "التعجيزية" التي طرحتها روسيا عادة ما تعرض على طرف خاسر نتيجة حرب طاحنة.

وفي الوقت ذاته، من غير المتوقع أن يتراجع التصعيد العسكري بشكل فوري، إذ يواصل كل طرف سياسة الضغط القصوى من أجل تثبيت رأيه على طاولة المفاوضات. 

وعلى الرغم من بعض الإشارات الإيجابية التي خرجت من باريس، عقب اجتماع مستشاري رؤساء مجموعة "نورماندي" بشأن أوكرانيا، وتأكيدهم الالتزام بوقف إطلاق النار في دونباس، وتوقيع روسيا على الوثيقة للمرة الأولى منذ 2019، طلب حزب "روسيا الموحدة" من بوتين تزويد دونباس بأسلحة متطورة. ويبحث مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، الشهر المقبل، الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المعلنتين من طرف واحد. 

ورغم أن الغرب نجح في عملية كسب الوقت، لمنع أو تأخير عملية عسكرية في أوكرانيا، كان يمكن أن تهز صورة الولايات المتحدة كطرف لا يدافع عن حلفائه، وأكدت التزام "الناتو" بسياسة الأبواب المفتوحة، فإن الضغط الروسي من أجل تنفيذ اتفاقات مينسك للتسوية يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إغلاق أبواب الحلف في وجه أوكرانيا، نظرا لأن الوضع الخاص للجمهوريتين المنصوص عليه في الاتفاقيات يمنح دونيتسك ولوغانسك الحق في الاعتراض على الانضمام إلى حلف "الناتو".