روسيا والصين... غزو أوكرانيا لتأسيس نظام دولي جديد

13 فبراير 2022
حظي بوتين في الصين بقدر مبالغ فيه من الحفاوة (Getty)
+ الخط -

فلاديمير بوتين أول زعيم قوة عالمية يلتقي بصورة مباشرة الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي توقف عن السفر إلى الخارج في العامين الماضيين، وقابل عدداً قليلاً من المسؤولين الأجانب منذ بداية وباء كورونا الذي هبّت رياحه على العالم من بلاده.

وحظي بوتين بقدر مبالغ فيه من الحفاوة الصينية والمعاملة الخاصة، التي لم تقتصر على الإجراءات البروتوكولية المميزة، التي جرت على هامش دورة الألعاب الأولمبية، بل ذهبت بكين إلى إعلان موقف إلى جانب موسكو لغزو أوكرانيا من دون شروط.

وحصل بوتين على دعم كامل من الزعيم الصيني كما لم يحصل من قبل، فلم تدعم الصين حرب روسيا في جورجيا عام 2008 ولا الحرب في أوكرانيا عام 2014 ولم تعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

بكين تعاكس حسابات واشنطن

وبذلك، عاكست بكين كل حسابات واشنطن، وأسقطت تقديراتها حول حياد الصين في هذه الأزمة، بعد أن سعت إلى ذلك، و"أصبح لدى روسيا الصين كمؤيد للموقف التشهيري والخطير، الذي تبناه بوتين في أوكرانيا"، بحسب توصيف أندرو ويس، من "معهد كارنيغي".

عاكست بكين كل حسابات واشنطن، وأسقطت تقديراتها حول حياد الصين في أزمة أوكرانيا الحالية

وتوصل الرئيسان الصيني والروسي، تحت أضواء حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، إلى اتفاق مشترك يشكل "نقطة محورية" تتحدى فيها الصين وروسيا ميزان القوة في النظام العالمي منذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود، على حد وصف أنجيلا ستينت، الخبيرة الأميركية بروسيا التي عملت في مجلس الأمن القومي، ومؤلفة كتاب "عالم بوتين: روسيا ضد الغرب والبقية".

وأضافت ستينت: "قد نكون أمام بداية حقبة جديدة تتدهور فيها علاقات روسيا والصين مع الغرب". واعتبرت أن الاتفاق يضع الولايات المتحدة وحلفاءها "أمام منعطف رهيب".

في هذه الأثناء، تردد على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، أن الرئيس الصيني طلب من نظيره الروسي تأجيل غزو أوكرانيا، إلى ما بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في العشرين من فبراير/شباط الحالي.

وعلى الرغم من أن الصين وروسيا نفتا ذلك رسمياً، فإن المعلومات التي تتدفق إلى واشنطن تؤكد يومياً أن الاجتياح الروسي لأوكرانيا بات وشيكاً، وربما يحصل قبل نهاية الألعاب الأولمبية.

ويبدو من السذاجة قياس سلوك وتفكير شخص مثل بوتين على هذا النحو، هو الذي لم يمنعه القلق على صورة الصين، من غزو جورجيا، خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في بكين عام 2008.

روسيا... اعتماد متزايد على الصين

وفي الأحوال كافة، لا يتعلق الأمر إلى أي مدى تؤثر الاعتبارات على خطط بوتين، بالقدر الذي أصبحت فيه روسيا تعتمد بشكل متزايد على الصين كشريك جيوسياسي واقتصادي، لا سيما في أعقاب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الدول الغربية في السنوات الأخيرة.

وإذا غزا بوتين أوكرانيا، فإن موجة جديدة من العقوبات ستجبر روسيا على الاعتماد بشكل أكبر على التجارة والاستثمار الصيني.

علاقات الصين مع روسيا اليوم هي الأقوى منذ 70 عاماً، وبات البلدان قريبين جداً من بعضهما في الفترة الأخيرة، وربما هما أقرب من أي وقت مضى منذ أيام ستالين وماو. وجرى النظر إلى أن أزمة القرم عام 2014 في أوكرانيا دفعت روسيا إلى أحضان بكين، التي قدمت لموسكو دعماً اقتصاديا ودبلوماسياً وسط عزلة دولية. 

ومنذ ذلك الحين، ازدهرت العلاقة أكثر فأكثر، حتى باتت الصين أكبر شريك تجاري لروسيا منذ سنوات، وسجل التبادل التجاري مستوى متقدما بلغ 147 مليار دولار في العام الماضي.

وعندما يرحب الرئيس الصيني بنظيره الروسي الذي يسميه "أفضل صديق"، في لقاء قمة قبل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في 4 فبراير الحالي، فإن المصالح القوية هي الملزم لهما.

الصين لديها رأسمال للاستثمار وتكنولوجيا للبيع وشهية متنامية باستمرار للنفط والغاز والسلع الأخرى. وعلى الرغم من اعتلال الاقتصاد الروسي، فإنه يكمل الاقتصاد الصيني، حيث يقدم الموارد الطبيعية التي يمكن توفيرها عبر خطوط الأنابيب والسكك الحديدية التي هي، على النقيض من طرق الإمداد البحرية، محصنة ضد الحصار من قبل القوات البحرية الأجنبية.

الشعور بالتاريخ يوحّد البلدين أكثر، في لحظة يتصرف كلاهما على أساس أن النظام العالمي يعاد تشكيله بسبب الضعف الأميركي، ما يخلق فرصاً لموسكو وبكين لاختبار وتقسيم الغرب.

وتدل التدريبات العسكرية المشتركة على ثقة متنامية بين البلدين، ولذلك وقّعا خريطة طريق لتوثيق العلاقات العسكرية العام الماضي. ومن الناحية الفعلية، تشكل الصين وروسيا شريكين يتقاربان بشكل متزايد في معارضة الولايات المتحدة، وقد كثفا التدريبات العسكرية المشتركة في السنوات الأخيرة.

موجة جديدة من العقوبات ستجبر روسيا على الاعتماد بشكل أكبر على التجارة والاستثمار الصيني

وإذا كان كلا البلدين يخططان لتحركات عسكرية استراتيجية من شأنها أن تعيد رسم الخرائط وتستنفر معارضة غربية، فإنه يتعين عليهما توزيع الأدوار، ووضع الخطط والموارد في وجه خصمهما المشترك، وهو الولايات المتحدة.

غزو تايوان... حسابات مختلفة للصين

وفي حين يراوح السؤال في الغالب حول قراءة ما يدور في ذهن بوتين بخصوص أوكرانيا، هناك نظريات كثيرة وسيناريوهات، تتحدث عن تنسيق روسي صيني من أجل غزو يتم على التوالي، تقوم به روسيا لأوكرانيا، والصين لتايوان.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، توقع النائب الجمهوري الأميركي مايك ماكول، أن تغزو روسيا أوكرانيا "في الشهر المقبل" (فبراير)، وأن الغزو الصيني لتايوان سيتبع الألعاب الأولمبية بسرعة.

ومع ذلك، حتى الآن لا يوجد دليل يدعم هذه الفرضية. وعلى الرغم من أن خروقات الصين المكثفة للمجال الجوي حول تايوان تشكل نوعاً من الضغط بالتأكيد، فإنها لا تقدم دليلاً على أن بكين مستعدة لشن غزو وشيك للجزيرة في هذا الوقت من السنة، التي تكون فيها أحوال البحر والطقس في مضيق تايوان سيئة للغاية، وهي عقبة رئيسية أمام أي عملية عسكرية في هذا الوقت.

بل إن أي عمل واسع النطاق ضد تايوان سيتطلب أسابيع، إن لم يكن شهوراً، لنقل الوحدات العسكرية بطريقة يستحيل إخفاؤها، ولم يتم حتى الآن رؤية أي تعبئة بهذا الحجم.

وعلى الرغم من الدعم الصيني الذي تلقّاه بوتين، ثمة من يعتبر أنه ليست هناك أدلة ملموسة على أن الصين في وارد الانجرار إلى النزاع الروسي الأوكراني، بل هناك في أوساط الخبراء الغربيين من يستبعد أن توفر الصين دعماً مباشراً لأي غزو روسي لأوكرانيا، ولا أن تربط أهدافها العسكرية في المحيط الهادي، أو جدولها الزمني بأهداف روسيا الأوروبية.

وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين بكين وموسكو، يدرك الشريكان أن تحالفهما يمتد فقط إلى حدود المصالح المشتركة. ومن ناحية أخرى، لا ترى موسكو وبكين النزاعات بذات النظرة: ففي حين أن بوتين يتخوف من تمدد حلف شمال الأطلسي من النافذة الأوكرانية، فإن الصين تعتبر "إعادة التوحيد" مع تايوان مصلحة أساسية وترفض التخلي عن الخيار العسكري، إلا أن هذا الهدف ليس بالضرورة مُلحاً.

يستبعد خبراء أن تربط بكين أهدافها العسكرية في المحيط الهادي، بأهداف روسيا الأوروبية

ولكن ذلك لا يمنع من أن ترى بعض العواصم الغربية أن "بكين وموسكو متحالفتان"، وفق ما جاء على لسان وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، و"أكثر جرأة بطريقة لم نشهدها منذ الحرب الباردة".

وهناك شبه إجماع في أوساط الخبراء في واشنطن على أن الصين وروسيا تريان مصلحة مشتركة في غزو روسي مسلح لأوكرانيا يختبر مدى قوة الرئيس الأميركي جو بايدن.

ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، بحجة أن الرئيس الصيني قد يشاهد هجوماً روسياً دون منازع على أوكرانيا، ويخلص إلى أنه يستطيع غزو تايوان بأمان. وفي هذه الرواية، فإن مخاوف الصين بشأن أوكرانيا تنطوي في الغالب على التوقيت.

لكن الخبراء يستبعدون مثل هذه التشابهات، تحت بند أن الوضعين الأوكراني والتايواني تحكمهما اهتمامات جيوسياسية مختلفة تماماً، كما أن الولايات المتحدة لديها علاقات تاريخية أعمق بكثير مع تايوان، وتعتبرها ركيزة أساسية لاستراتيجيتها الدبلوماسية والعسكرية في آسيا. وبالتالي، الصين ليست روسيا، وتايوان ليست أوكرانيا، والولايات المتحدة لديها مصالح مع تايوان أكثر بكثير مما هي مع أوكرانيا.

تحرك بوتين من أجل السيطرة على أوكرانيا، وقد أخذ في حسابه الانسحاب الأميركي الكارثي من أفغانستان، وهو يعتقد أن هذه هي اللحظة المناسبة كي يفرض نفوذه على أوكرانيا وجورجيا وتهديد بلدان أوروبا الشرقية، ويستغل بذلك ضعف أوروبا والخلافات بين بعض الأوروبيين وواشنطن، ويبتز أميركا للحصول على أكبر قدر من التنازلات، خصوصاً في ما يتعلق بدور الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الأمن الأوروبي.

ويطمح بوتين إلى أن يصبح القوة الأولى في أوروبا، وتساند بكين الرئيس الروسي، بل في مصلحتها أن يدخل في نزاع مع الولايات المتحدة، إذا كان ذلك يعيق أو يحد من مشاريع واشنطن في التوجه نحو آسيا، إلا أنه في حال حصول مواجهة فعلية، ليس من المؤكد ترجمة البيانات إلى أفعال، لأن مصالح الصين التجارية الفعلية هي مع الولايات المتحدة وأوروبا، وليس مع روسيا.

وفي كل الاحتمالات، ترى موسكو وبكين أن بايدن لن يحارب من أجل أوكرانيا، ولذا يجب اغتنام هذه الفرصة لتغيير المعادلة الدولية الراهنة. 

المساهمون