ألغيت الدورة التاسعة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية، والتي كانت مُقررة في 25 يوليو/تموز الحالي، بسبب رفض وفد النظام السوري المشاركة، ما لم تلبِ الأمم المتحدة مطالب موسكو بنقل الاجتماعات من جنيف السويسرية إلى إحدى المدن التي كان اقترحها الروس خارج أوروبا، وهو ما ترفضه الأمم المتحدة.
وأعلن المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، في بيان أمس السبت، أنه "لم يعد ممكناً عقد الجولة التاسعة"، مشدداً على أهمية قيام جميع الأطراف في الصراع السوري بحماية العملية السياسية.
وكان الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن وفد هيئة التفاوض السورية، هادي البحرة، قد ذكر في بيان وُزّع على وسائل الإعلام أمس الأول الجمعة، أنه استلم رسالة رسمية من بيدرسن، تُفيد بتأجيل انعقاد الدورة التاسعة لاجتماعات اللجنة الدستورية، بسبب إخطاره من قبل الرئيس المشترك للجنة الدستورية من جانب النظام، أحمد الكزبري، بأن وفده "سيكون مستعداً للمشاركة في الدورة التاسعة فقط عندما تتم تلبية ما وصفه بالطلبات المقدمة من الاتحاد الروسي".
النظام منفصل عن مأساة السوريين
وأشار البحرة إلى أن "وضع شروط مسبقة لا علاقة للسوريين بها، يُثبت مجدداً انفصالهم الكامل (النظام)، عن واقع المأساة التي يعيشها السوريون، وإمعانهم في التهرب من مستحقات تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، كما يُثبت وضعهم المصالح الأجنبية كأولوية على مصالحنا الوطنية السورية".
سليمان القرفان: عدم انعقاد الجولة التاسعة يُعتبر خطوة واسعة باتجاه انتهاء مسار اللجنة
وطالب البحرة المبعوث الأممي "بصفته ميسّرا لأعمال اللجنة، وضمن إطار تفويضه وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، بضرورة تقديم تقرير متكامل إلى مجلس الأمن عن أعمال اللجنة الدستورية منذ تأسيسها وإلى الآن، وتحديد المعوقات التي تواجهها"، وفق البيان.
وكان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف زعم، منتصف يونيو/حزيران الماضي، أن استمرار العمل في جنيف بالنسبة لروسيا أصبح صعباً، بسبب الموقف "غير الودّي والعدائي لسويسرا تجاه روسيا"، وفق قوله.
وأشار لافرنتييف، إلى أن بلاده اقترحت نقل مقر اجتماعات اللجنة الدستورية من جنيف إلى مسقط أو أبوظبي أو الجزائر، إلا أن الأمم المتحدة ترفض نقل الاجتماعات إلى مدن لا تضم مقرات أممية.
خطوة باتجاه إنهاء مسار اللجنة الدستورية
ورأى سليمان القرفان، وهو عضو اللجنة الدستورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "عدم انعقاد الجولة التاسعة لا يعني انتهاء مسار اللجنة"، مستدركاً بالقول: يُعتبر ذلك خطوة واسعة بهذا الاتجاه.
وتابع: على الأمم المتحدة أن تعلن صراحة أن العملية الدستورية ليست سورية - سورية، كما تصر على ذلك طيلة عامين، وأن تعلن صراحة فشل هذا المسار لعدم جدية النظام ومن خلفه الروس، وأن تبحث عن مسارات جديدة لتفعيل القرار الأممي 2254.
وفي السياق، اعتبرت سميرة مبيض، وهي عضو اللجنة الدستورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن للمسار الدستوري أن يفقد أهميته، لأن عليه الاعتماد في عملية التغيير السياسي".
وتابعت: الخطوات الفاشلة التي سار بها العمل الدستوري لغاية اليوم مردها محاولات حرف مساره لتقاسم السلطة بين النظام والمعارضة، بينما يتوجب أن يكون مساراً مؤسساً للدولة السورية الحديثة.
وأعربت عن اعتقادها بأن "الضغط الروسي يدخل في سياق التجاذبات السياسية على الساحة الدولية، وليس مؤشراً على أهمية العملية الدستورية، والتي بغض النظر عن مكان انعقادها يجب أن تلتزم بمصالح السوريين وبتحقيق أهدافهم المحقة والمشروعة".
مشاحنة سياسية روسية مع الغرب
ومن الواضح أن العرقلة الروسية لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية، والتي تضم ممثلين من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، ومن المفترض أن تضع دستوراَ جديداَ للبلاد، تأتي في سياق المشاحنات السياسية مع الغرب الذي يقف ضد الغزو الروسي لأوكرانيا.
كما تأتي في إطار محاولات روسية حثيثة باتجاه تحييد الأمم المتحدة عن القضية السورية برمتها، لتجاوز القرارات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها 2254، في مسعى لفرض رؤية الروس حول الحل السياسي لهذه القضية، والقائم على بقاء بشار الأسد في السلطة، لأنه الضمان لمصالحها في شرقي المتوسط.
وكانت الأمم المتحدة تأمل أن تكون المسألة الدستورية مدخلاً واسعاً للحل في سورية، وهو ما دفعها إلى مخالفة مضامين القرار الدولي المذكور بتقديم التفاوض على الدستور. إلا أن النظام السوري وحلفاءه الروس والإيرانيين وضعوا العقبات أمام أعمال اللجنة، التي بدأت اجتماعاتها منذ 2019، بيد أنها لم تحقق أي تقدم.
وبقي النقاش طيلة 8 جولات يدور حول قضايا غير دستورية في سياق سياسة "تبديد الوقت"، وإغراق اللجنة في التفاصيل التي مارسها وفد النظام السوري، الذي ظل يتحدث عن تعديل في دستور وُضع في عام 2012 على مقاس بشار الأسد، وليس كتابة دستور جديد كما ينص القرار الدولي 2254.
أحمد القربي: مسار اللجنة الدستورية قابل للمماطلة والتأجيل
ورأى المتحدث السابق لهيئة التفاوض المشرفة على وفد المعارضة إلى اجتماعات اللجنة الدستورية، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "روسيا تمارس دوراً استعمارياً متوحشاً في سورية". وأضاف: موسكو لا تريد أي اعتراض دولي على غزوها لأوكرانيا واحتلالها لسورية، لذا عرقلت أعمال اللجنة الدستورية.
النظام أداة بيد موسكو
واعتبر أن الخطوة الروسية تؤكد أن النظام السوري أداة وورقة بيد موسكو، وتؤكد كذب ادعاءات وزير خارجية النظام فيصل المقداد عن أن المعارضة أدوات بيد الدول. وكانت مشاركة المعارضة في مسار اللجنة الدستورية "وهو مسار عبثي لا طائل منه"، السبب الرئيسي لخروج العريضي من هيئة التفاوض، كما أكد في حديثه مع "العربي الجديد"، مضيفاً: "نتيجة هذا المسار صفر".
وفي السياق، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مسار اللجنة الدستورية "قابل للمماطلة والتأجيل"، مضيفاً أن "اللجنة لم تنجز أي شيء طيلة 8 جولات".
غير أن القربي اعتبر أن تأجيل الجولة التاسعة "لن تؤثر على هذا المسار، وإنما تؤدي إلى مزيد من المماطلة"، مضيفاً: في حال عدم تدخّل واشنطن بجدية لتعلن الأمم المتحدة نهاية مسار اللجنة الدستورية، ستبقى الأمور معلقة. العملية السياسية السورية برمتها معطلة منذ عام 2014.