روسيا تطمع بأراضي كازاخستان: تمهيد لتكرار سيناريو القرم؟

16 ديسمبر 2020
بوتين ورئيس كازاخستان قاسم-جومارت توقاييف في روسيا العام الماضي (أليكسي نيكولسكي/Getty)
+ الخط -

فجّرت تصريحات عضوين في مجلس الدوما الروسي (البرلمان) من حزب "روسيا الموحدة" (المحسوب على الرئيس فلاديمير بوتين)، حول كازاخستان، ردود فعل غاضبة على أكثر من مستوى في هذه الدولة، وذلك بعدما أشار أحدهما إلى أنّ "أراضي كازاخستان هدية كبيرة من روسيا"، وطالب الثاني حكومة بلاده بالعمل على إعادة "الهدية"، ليثير ذلك مخاوف بشأن الأطماع الروسية والسياسة التوسعية التي لم تتخل عنها موسكو، ويعيد إلى الأذهان سيناريوهات مشابهة أقدمت عليها روسيا، كضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014.
وأثارت تصريحات رئيس لجنة التعليم والعلوم في مجلس الدوما، فياتشيسلاف نيكونوف، موجة غضب في كازاخستان، بعدما قال في برنامج سياسي يومي على القناة الحكومية الأولى يشارك في تقديمه تحت اسم "اللعبة الكبرى"، إنّ "كازاخستان ببساطة لم تكن موجودة، ولم يكن شمال كازاخستان مأهولاً على الإطلاق. لقد كانوا (الكازاخ) موجودين، ولكن بعيداً في الجنوب. وفي الواقع، فإنّ أراضي كازاخستان هي هدية كبيرة من روسيا والاتحاد السوفييتي... في دول آسيا الوسطى، هناك أيضاً بعض القضايا الصعبة".


نيكونوف: كازاخستان ببساطة لم تكن موجودة، ولم يكن شمال كازاخستان مأهولاً على الإطلاق

واستدعت الخارجية الكازاخستانية القائم بالأعمال الروسي في نور سلطان، ألكسندر كوماروف، وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، عقب تصريحات نيكونوف. وذكر بيان صادر عن الخارجية، أنّ مارات سيزديكوف، نائب وزير خارجية كازاخستان، أعرب في لقائه مع المسؤول الروسي عن دهشته من كلمات نيكونوف. وأشار البيان إلى أنه "لوحظ أنّ الهجمات الاستفزازية المتكررة من قبل بعض السياسيين الروس ضد كازاخستان تلحق أضراراً جسيمة بعلاقات التحالف بين دولتينا". وحضّ البيان الجانب الروسي على "الردّ بقوة واتخاذ تدابير لمنع مثل هذه التصريحات من مسؤولي الدولة الروسية".

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أكد النائب الأول لرئيس لجنة الدوما لشؤون رابطة الدول المستقلة والتكامل الأوراسي، فيكتور فودولاتسكي، أنّ روسيا "تعترف بسيادة جمهورية كازاخستان داخل الحدود التي توجد فيها. والأهم هو أنّ كازاخستان بالنسبة لنا دولة صديقة، ولدينا معها الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات". وأشار فودولاتسكي إلى أنّ "كازاخستان تشارك في برامج مشتركة داخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهي الشريك الأكثر نشاطاً لروسيا في إطار رابطة الدول المستقلة".

من جانبه، سعى نيكونوف إلى التخفيف من حدة تصريحاته والغضب الذي سببته، وقال عبر حسابه على "تلغرام"، إنه كان يقصد أنه "تمت مراعاة مصالح كازاخستان بشكل كامل عند ترسيم حدود هذه الجمهورية الاشتراكية السوفياتية، والتي أصبحت حدود جمهورية كازاخستان... هذا بالضبط ما قلته في برنامج اللعبة الكبرى، وأغتنم هذه الفرصة لأعبر مرة أخرى عن أحرّ مشاعري تجاه شعب كازاخستان الشقيق".

ومعلوم أنّ نيكونوف سياسي روسي مخضرم، ولد في منتصف الخمسينيات، وهو حفيد وزير الخارجية السوفيتي الشهير، فياتشيسلاف مولوتوف. كان عضوا في أول مجلس دوما انتخب في عام 1993، وتولى مناصب عدة في الحزب الشيوعي السوفييتي، ولاحقاً في مؤسسات حكومية روسية عدة.

وفي خطوة صبّت الزيت على النار، قال عضو لجنة الموازنة والضرائب في مجلس الدوما، النائب يفغيني فيودروف، إن نيكونوف "لم يأت بأي شيء جديد بخصوص الهدية الروسية". وفي انتقاد لردود الفعل الكازاخية الغاضبة على تصريحات زميله في حزب "روسيا الموحدة"، قال فيودروف، المحارب القديم في أفغانستان والمعروف بمواقفه القومية المتشددة: "ردة فعل كازاخستان، هي أشبه بالآتي: تصوروا أنكم أهديتم شخصاً قريباً منكم سيارة، وبعد عام سألتم كيف وضع هديتي؟ ولكنه أجاب عن أي هدية تتحدث، أنت لم تهدني السيارة أنا أخذتها منك". وخلص إلى أنه "في حال يعتقد الكازاخستانيون أنهم أخذوا الأراضي منا، فيجب أن نتحدث معهم بلغة أخرى".

وتحتفل كازاخستان في 16 ديسمبر/كانون الأول الحالي، والذي يصادف اليوم الأربعاء، بالذكرى 29 لاستقلالها عن الاتحاد السوفييتي، ومعلوم أنها آخر دولة أعلنت الاستقلال، وهي ترتبط بعلاقات متينة مع روسيا، وتسعى لأن تكون دولة للتعايش والتسامح بين مختلف القوميات والأديان، حسب تصريحات مسؤوليها. ويبلغ عدد سكانها قرابة 19 مليون نسمة، وهي التاسعة عالمياً من حيث المساحة، لكن مناطق واسعة منها غير مأهولة. وتاريخياً، كانت أراضي كازاخستان مأهولة بمجموعات من البدو الرحل. وفي العصور القديمة، سكن السكوثيون (شعب بدوي متنقل من أصول إيرانية) تلك الأراضي وتوسعت الإمبراطورية الأخمينية الفارسية (الإمبراطورية الفارسية الأولى) نحو الإقليم الجنوبي من البلاد (بحدودها الحالية). وكانت القبائل التركية التي تنتمي إلى العديد من السلالات في آسيا الوسطى، مثل خانية غوك تورك وغيرها، يسكنون البلاد طوال تاريخها. وفي القرن الثالث عشر، انضمت المنطقة إلى الإمبراطورية المنغولية تحت حكم جنكيز خان. وبحلول القرن السادس عشر، ظهر الكازاخ كمجموعة متميزة، مقسمة إلى ثلاثة أجزاء (سلالات تحتل مناطق محددة). وبدأ الروس التقدم إلى السهوب الكازاخستانية في القرن الثامن عشر، وبحلول 1813، حكم القيصر ألكسندر الأول كل كازاخستان كجزء من الإمبراطورية الروسية. وفي أعقاب الثورة الروسية عام 1917، والحرب الأهلية اللاحقة، أعيد تنظيم أراضي كازاخستان مرات عدة. في عام 1936، أصبحت جمهورية كازاخستان السوفييتية الاشتراكية جزءاً من الاتحاد السوفييتي. وتعيش في كازاخستان عشرات القوميات، ويشكل الكازاخ نحو 68 في المائة من إجمالي السكان، والروس قرابة 19 في المائة، إضافة إلى الأوزبيك، والإيغور والتتار والأوكرانيين. وتعدّ الكازاخية اللغة الرسمية، وتحتفظ الروسية بوضع رسمي في الإدارات والمؤسسات.


الخارجية الكازاخستانية: الهجمات الاستفزازية المتكررة من قبل بعض السياسيين الروس ضد كازاخستان تلحق أضراراً جسيمة بعلاقات التحالف بين دولتينا

إلى ذلك، انتقد الشاعر الكازاخي المعروف، أولغاس سوليمانوف، تصريحات النائبين الروسيين. وقال سوليمانوف الذي عمل طويلاً كسفير لبلاده في دول عدة، وما زال الرئيس الفخري لاتحاد كتاب كازاخستان، إنّ "على الحكومة الاهتمام بالمناطق الشمالية في البلاد، والحدّ من هجرة الشباب إلى روسيا". ومع إشارته إلى أنّ "كازاخستان يجب أن تكون نموذجاً للعالم والإنسانية، حيث يشعر المواطنون من مختلف القوميات بالراحة"، أعرب عن أسفه لأنه "لا يمكن الآن الحديث عن شعور الناطقين بالروسية والكازاخية أنهم في وطن واحد"، لافتاً إلى أنّ "هذا الأمر هو نتيجة يوم واحد، بل نتيجة موقف منذ ثلاثين عاماً، وهو إقامة بلد على أساس قومي، وليس بلداً متعدد القوميات، وها نحن نصل إلى ذلك في النتيجة"، في إشارة إلى أنّ تصريحات النائبين الروسيين تثير النزاعات بين القوميات.

من جانبه، وصف رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ الكازاخستاني، مختار كول موخميد، تصريحات نيكونوف بأنها "استهتار سياسي، وإساءة لذكرى ملايين الكازاخ والروس الذين بنوا على مدى مئات السنين تاريخنا المشترك والصداقة بين شعبينا". وقال إنّ "على القائمين على القناة الحكومية الروسية الأولى أخذ الحذر ومراقبة مثل هذه التصريحات لأنّ القناة تبثّ في جميع بلدان الاتحاد السوفييتي السابق". وأعرب في تصريحات صحافية عن أمله في أنّ "السلطات الروسية ستوقف هؤلاء عند حدهم، فلكل صبر حدّ ما".

وتثير تصريحات النائبين نيكونوف وفيدروف الداعية إلى إعادة أجزاء من أراضي البلدان التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي مخاوف كازاخستان والدول الأخرى، حيث توجد أقليات روسية وازنة، وتخشى هذه الدول تكرار سيناريوهات شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا وأوسيتيا الجنوبية.

ولا تعدّ هذه التصريحات جديدة، ففي عام 2014، وبعد ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا، نصح الكاتب والسياسي القومي الراحل، إدوارد ليمونوف، الكرملين بضم المقاطعات الشمالية من كازاخستان بعد انتهاء حكم الرئيس نور سلطان نازربايف، أول رئيس لكازاخستان بعد استقلالها. ففي إبريل/نيسان من ذلك العام، وفي مقالة بعنوان "روسيا المثالية"، كتب ليمونوف: "المدن الروسية التي باتت وراء الحدود (الروسية) في داخل كازاخستان تجذبنا، بدءاً من أورالسكا حتى أوست كاونغورسك (مدينتان في شمال كازاخستان) والتي يجب أن تصبح تابعة لروسيا وضمن حدودها".

بدوره، يكرر السياسي الشعبوي الروسي، فلاديمير جيرينوفسكي، عضو الدوما ورئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي، دعواته إلى ضمّ كل آسيا الوسطى. وقبل أيام، قال إنّ "الحل في بيلاروسيا يكمن في ضمها إلى روسيا". وهو يعد شخصاً غير مرغوب به في كازاخستان منذ 2014، إثر تصريحات قال فيها إنّ "جزءاً من أراضي كازاخستان يعدّ أراضي روسية، ويجب ضم كل آسيا الوسطى وتحويلها إلى مقاطعة آسيا الوسطى الروسية".

تقارير دولية
التحديثات الحية