انتهى، أمس الأحد، التفويض الاستثنائي لنقل المساعدات الدولية إلى سورية، المعمول به منذ عام 2014، بعد أن أجهضت روسيا المساعي الدولية لتمديد هذا التفويض لمدة عام آخر، لضمان تدفق هذه المساعدات عبر معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية لملايين المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال البلاد.
وتجاهلت روسيا جميع المناشدات السياسية وتلك التي أصدرتها منظمات إغاثية وحقوقية، للحيلولة دون الوصول إلى هذه النقطة وتعطيل دخول المساعدات، ولا سيما أن من شأن الوضع الجديد تعريض ملايين السوريين، تحديداً النازحين، لكارثة إنسانية متعددة الأوجه، ولا سيما أنهم يعتمدون على المساعدات لتأمين احتياجاتهم الصحية والغذائية.
ويبدو أنّ روسيا ستستغل هذا الأمر خلال الفترة المقبلة للضغط على أمل التوصل إلى اتفاق جديد بشأن الآلية، بعدما اشترطت طوال الفترة الماضية إدخال تعديلات عليها، تصبّ في مصلحة دمشق، قبل أن تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أحدث مشروع طرحته النرويج وإيرلندا، الجمعة الماضي.
ويشهد معبر باب الهوى منذ أمس الأول السبت توقفاً في حركة دخول وخروج البضائع، بسبب إغلاقه خلال فترة عيد الأضحى. وأظهرت جولة، لـ"العربي الجديد"، أمس الأحد على المعبر، اصطفاف عشرات الشاحنات التجارية الفارغة في الجانب السوري من المعبر، بانتظار فتحه للدخول إلى الأراضي التركية واستئناف النشاط التجاري، فيما غابت عن المشهد للمرة الأولى شاحنات المساعدات التي كانت تدخل بموجب قرار مجلس الأمن.
دخول آخر قافلة مساعدات
وقال محمد الحلاج، وهو مدير فريق "منسقو الاستجابة" الذي يرصد الحالة الإنسانية في الشمال الغربي من سورية، لـ"العربي الجديد"، إن يوم الجمعة الماضي شهد دخول آخر قافلة مساعدات أممية، مؤلفة من 44 شاحنة، عبر معبر باب الهوى مع انتهاء التفويض الأممي رقم 2585 لعام 2021.
محمد الحلاج: الشمال السوري يمكن أن يصمد لشهر كحد أقصى
وأشار إلى أنّ الشمال السوري يمكن أن يصمد مع انقطاع المساعدات الأممية "لمدة شهر كأقصى حد"، لافتاً إلى أنّه "في حال عدم التمديد لآلية إدخال المساعدات سترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير جداً"، مشيراً إلى أنّ بعض التجار سيسعون لتحقيق أرباح من هذا الأمر.
وبيّن أنه "لا يبدو أن هناك ملامح اتفاق، وخاصة أن الجانب الروسي يربط بين تجديد الآلية بملفات أخرى تخص النظام السوري، وخاصة ما يتعلق بالشبكة الكهربائية في مناطق هذا النظام".
وأظهرت مسودات اطلعت عليها "العربي الجديد" أنّه من ضمن التعديلات الإضافية التي أرادت روسيا إدخالها على نص المشروع الإيرلندي النرويجي كانت في الفقرة التي يشير فيها القرار إلى أن المساعدات الإنسانية والأنشطة المقرونة بها أوسع من مجرد تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان. وطلبت موسكو أن تضاف كلمة "الكهرباء" للخدمات الإضافية التي تشير إليها هذه الفقرة.
وجاء في الفقرة أنّ مجلس الأمن "يسلم بأن الأنشطة الإنسانية أوسع نطاقاً من مجرد تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان المتضررين، وأنها ينبغي أن تشمل تقديم الدعم للخدمات الأساسية من خلال مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة إلى توفير المياه، والكهرباء، وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى".
يذكر أن القرار 2585 الأخير حول المساعدات الإنسانية، الذي تبناه مجلس الأمن العام الماضي وانتهت مدته في العاشر من الشهر الحالي، لم يتضمّن مفردة "كهرباء".
ولم تفلح المشاورات في إقناع روسيا بالموافقة على مشروع التسوية الذي طرحته النرويج وإيرلندا، لتمديد الآلية لمدة ستة أشهر، حتى العاشر من يناير/كانون الثاني 2023 "مع تمديد لستة أشهر إضافية، حتى العاشر من يوليو/تموز 2023، إلا إذا قرر المجلس خلاف ذلك".
كذلك، قُرِن التمديد بـ"تقرير أساسي" يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة حول شفافية شحنات المساعدات، والتقدم الذي أحرز على صعيد تأمين مساعدة من دمشق عبر خطوط الجبهة، إضافة إلى التقدم الذي سجل على صعيد "مشاريع إعادة تأهيل سريعة على صلة بالحاجات الإنسانية".
وأصرت روسيا في مشروعها على أن يقتصر التمديد "لستة أشهر حتى العاشر من يناير 2023" مع إمكان "التمديد لستة أشهر إضافية، حتى العاشر من يوليو 2023، الأمر الذي يتطلب قراراً منفصلاً"، وهو ما رُفض، إذ صوتت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضد المشروع، فيما امتنع الأعضاء العشرة غير الدائمين عن التصويت. وحظي النص بتأييد عضوين فقط، هما روسيا والصين.
وباستخدامها حق النقض الجديد، تكون موسكو قد استخدمت "الفيتو" لمدة 17 مرة منذ اندلاع الحرب في سورية في 2011. وكان مجلس الأمن الدولي قد اعتمد آلية إدخال المساعدات إلى سورية في عام 2014 عبر 4 معابر، قبل أن ينتهي المطاف بمعبر واحد في عام 2020، هو باب الهوى، إضافة إلى دخول المساعدات عبر خطوط التماس.
وتحاول موسكو حصر إدخال المساعدات إلى سورية بالنظام، وهو ما يرفضه المجتمع الدولي لإدراكه أن هذا النظام سيستخدم المساعدات لتحقيق أغراض سياسية، وخاصة أن آلية إدخالها إلى الشمال السوري عبر خطوط التماس أثبتت فشلها خلال التفويض السابق.
وما زال أعضاء مجلس الأمن الدولي يحاولون التوصل إلى "حلول مرضية" لجميع الأطراف، كيلا يقع الشمال السوري بأزمات معيشية هائلة، وخاصة أن أكثر من 4 ملايين مدني يعتمدون على هذه المساعدات. وقد يقترح الأعضاء غير الدائمين في المجلس، في محاولة لإيجاد حل وسط، تمديداً جديداً لمدة تسعة أشهر. لكن لم يجرِ التوصل إلى أي اتفاق جديد حتى صباح أمس الأحد.
يشار إلى أنه كانت قد دخلت 14 قافلة مساعدات دولية من مناطق النظام إلى الشمال السوري خلال فترة التفويض السابقة من خلال معبر داخلي في ريف إدلب، اعتبرها ناشطون أنها غير كافية، ولا تقارن بالقوافل التي تدخل عبر معبر باب الهوى.
ووفقاً للحلاج، فإنّ من المعيب أن يخضع الملف الإنساني في سورية للمقايضات السياسية. وأعرب عن اعتقاده بأن مجلس الأمن الدولي سيصدر قراراً بتمديد الآلية "لأن النظام بحاجة ماسة لهذه المساعدات". ولفت الحلاج إلى أن العديد من المشاريع في الشمال السوري مرتبطة بآلية إدخال المساعدات.
وأشار إلى أنه "ليس فقط السلة الغذائية هي التي تتأثر بعدم التمديد للقرار"، موضحاً أنه على سبيل المثال، سيتأثر في حال فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار قرار التمديد مشروع استجرار المياه من نهر الفرات إلى مدن وبلدات في ريف حلب الشمالي، وهو أهم بكثير من موضوع السلة الغذائية، إضافة إلى ملفي الصحة والتعليم.
وفي السياق، فصّل فريق "منسقو الاستجابة"، في تقرير نشر أمس الأحد، تبعات توقف العمل بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود. وأوضح أن ذلك يعني:
أولاً: حرمان أكثر من مليوني نسمة المساعدات الغذائية.
ثانياً: حرمان أكثر من 2.65 مليون نسمة الحصول على المياه النظيفة أو الصالحة للشرب.
ثالثاً: انقطاع دعم مادة الخبز في أكثر من 650 مخيماً، وحرمان أكثر من مليون نسمة الحصول على الخبز بشكل يومي، وخاصةً مع انقطاع مادة الخبز المدعوم منذ عدة أشهر.
مازن علوش: هناك 4.5 ملايين مدني يستفيدون من المساعدات
رابعاً: تقليص عدد المستشفيات والنقاط الطبية الفعالة في الوقت الحالي إلى أقل من النصف في المرحلة الأولى، وأكثر من 80 في المائة ستغلق في المرحلة الثانية، مع العلم أنه يوجد أكثر من 18 منشأة توقف الدعم عنها في الوقت الحالي.
خامساً: انخفاض دعم المخيمات إلى أقل من 20 في المائة، وعجز المنظمات الإنسانية عن تقديم الدعم لإصلاح الأضرار ضمن المخيمات، إضافة إلى زيادة التركيبة السكانية ضمن المخيمات كارتفاع معدل الولادات، وموجات نزوح جديدة من السكان إلى المخيمات للتخلص من الأعباء المادية.
مقدمة لمجاعة في الشمال السوري
وأوضح مازن علوش، وهو مدير العلاقات العامة في معبر باب الهوى والمتحدث باسم إدارة المعبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عدم التجديد للقرار الدولي الخاص بإدخال المساعدات "مقدمة لمجاعة في الشمال السوري".
وأشار إلى أنّ أمس الأحد "لم يشهد دخول أي قوافل مساعدات للنازحين في الشمال الغربي من سورية بسبب الفيتو الروسي"، مضيفاً: حتى اللحظة لم تتضح الآلية البديلة في حال استمرار موسكو برفضها التمديد للتفويض الحالي لدخول المساعدات الأممية.
وبيّن أنّ المنظمات العاملة في الشمال السوري "لديها خطط إسعافية، لكنها لا تكفي حاجة الملايين لأكثر من شهر" مضيفاً: ننتظر تصرفاً دولياً من خارج مجلس الأمن في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع الجانب الروسي.
وأوضح علوش أن "هناك نحو 4.5 ملايين مدني يستفيدون من المساعدات الأممية، بينهم 1.5 مليون نازح ينتشرون في 400 مخيم في الشمال السوري". وتابع: "النظام يسرق المساعدات الدولية، ويعطيها للمليشيات الطائفية التي تقتل السوريين، وهناك أدلة على أن المساعدات التي تدخل مناطق النظام لا يستفيد منها المدنيون".
وأوضح علوش أنه "دخلت عبر معبر باب الهوى منذ منتصف العام الماضي 7900 شاحنة، محملة بـ180 ألف طن من المساعدات، 80 في المائة منها مساعدات غذائية والباقي مساعدات لوجستية تتضمن خيماً ومستلزماتها".
وقال أبو محمّد، أحد النازحين الذين يعيشون في مخيم شمال إدلب لوكالة "فرانس برس"، إنه "إذا تم تحويل المساعدات عن طريق (مناطق) النظام، فنحن عملياً سنكون وقعنا في الحصار". وأضاف أبو محمّد، (45 سنة) وهو أب لأربعة أولاد: "يريدون تجويعنا وتركيعنا".
وأكدت النازحة السورية أم عبد الله أن هذا الوضع سيسبب موت الناس الفقراء جوعاً. وقالت، لوكالة الأناضول، إن "الجيران يساعد بعضهم البعض، درجة الحرارة هنا مرتفعة جداً، ونجد صعوبة في تأمين ماء للاستحمام. نتمنى من الله أن يعود المهجرون إلى منازلهم".
أما النازحة سمية أحمد، التي أشارت إلى أنّ قوات النظام احتلت منازلهم، فقد أشارت إلى أن "السلة الغذائية الشهرية والخبز الذي نأخذه يأتي من هذا المعبر" في إشارة إلى باب الهوى.
وحذر محمد عبد الكريم من أنّ إغلاق المعبر سيسبب شللاً في القطاع الصحي في المنطقة، مبيناً أن 90 في المائة من سكان المنطقة لا يملكون ثمن علبة دواء. وقال: "نحن ضد إغلاق المعبر. إنّ إغلاقه سيسبب حتماً أزمة إنسانية. المساعدات هي التي تبقي الناس هنا على قيد الحياة".
وأشار إلى أنّ نظام بشار الأسد وروسيا يسعيان لمنع نقل المساعدات من تركيا للسيطرة عليها، لكنه حذر من أنه "إذا أُقرّ نقل المساعدات من جانب النظام، فإنّ الذي سيصلنا هو 10 في المائة فقط من المساعدات".
من جهته، قال محمد نجار، وهو مدير منظمة "سداد" الإنسانية العاملة في الشمال السوري في حديث مع "العربي الجديد"، إن توقف آلية إدخال المساعدات عبر الحدود للشمال السوري يعني أننا سنكون أمام أزمة إنسانية كبيرة. وحول البدائل لتجنب الكارثة، أشار نجار إلى أنّ "من الممكن إيصال المساعدات مباشرةً من المانحين الدوليين للمنظمات الدولية والمحلية التي تتمتع بمعايير محددة".
وكان الائتلاف الوطني السوري المعارض قد دعا، في بيان أمس الأول السبت، إلى تحويل التصويت لنقل المساعدات الأممية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لـ "تجاوز التعطيل الروسي المتكرر في هذا الملف، وإيجاد آلية بديلة لإدخال المساعدات إلى سورية عبر الحدود، لتفادي حدوث كوارث إنسانية بحق ملايين السوريين الذين يعيشون أوضاعاً صعبة ومعقدة للغاية".