- مروان حبش يكشف عن محاولات حافظ الأسد للتفاوض مع القيادة للحفاظ على موقعه، مستعيناً بضباط مؤيدين ومواجهاً خلافات داخلية، مع تصحيح معلومات خاطئة ذكرت في مذكرات أخرى.
- النص يستعرض الصراعات والمناورات السياسية داخل الحزب البعثي والحكومة بعد الانقلاب، مع التركيز على مصير القيادات المعتقلة وتعقيدات العلاقات الشخصية والسياسية في عهد حافظ الأسد.
كشف عضو القطرية والوزير السوري الأسبق مروان حبش الذي اعتقله نظام الرئيس حافظ الأسد قرابة ربع قرن، عما حدث صباح يوم 14-11- 1970 بعد قيام وزير الدفاع حافظ الأسد باعتقال اللواء صلاح جديد وعدد من اعضاء القيادة القطرية، ولكنه أفرج عنهم باستثناء جديد ورفيقيه محمد عيد عشاوي وفوزي رضا، ثم عاد لاعتقالهم بعد فترة لينضموا إلى القيادة البعثية التي قادت حركة 13 شباط عام 1966 في سجن المزة، ليقضي معظمهم بين 22 عاماً و24 عاماً في السجن.
مفاوضات حافظ الأسد مع القيادة
قال حبش إن "الفريق الأسد أرسل مجموعة من الضباط المؤيدين للانقلاب من بينهم العميد أحمد خليفاوي والعميد عبد الغني ابراهيم والعميد ناجي جميل والعقيد ممدوح عبارة والعقيد عدنان دباغ والعقيد علي ظاظا والرائد علي المدني، إلى منزل الرئيس الأتاسي وأنه كان موجوداً في هذه الجلسة، ونقلوا إليه رغبة الأسد في أن يبقى رئيساً للدولة وأميناً عاماً للحزب، وأن يستمر اعضاء القيادة في عملهم، وكان الأسد قد امتدحهم في خطابه بالمؤتمر بالقول: "أؤكد أن رفاقنا في قيادة الحزب، كما أرى وأشعر من خيرة المناضلين، فالمفروض أن ينتخبهم المؤتمر"، وأن الخلاف محصور باللواء صلاح جديد الذي يمكن البحث عن حل لمشكلته.
ردّ الدكتور الأتاسي بوجوب إطلاق سراح اللواء صلاح جديد ورفيقيه فوزي رضا ومحمد عيد عشاوي، وأن يقبل الفريق الأسد قرار المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي، بتغيير قيادة الجيش، مع إمكانية ألا يطبق القرار فوراً، وتدرس القيادة موعد تنفيذه".
يغفل طلاس رد الأتاسي وترد شهادته بالشكل التالي في الجزء الثاني من (مرآة حياتي): "اخترت ثمانية عشر ضابطاً، كان أقدمهم اللواء عبد الرحمن خليفاوي... وحرصت على أن يكون المتحدث باسمهم العقيد ممدوح عبارة، وهو من مدينة حمص ليكون لوقع كلامه مصداقية ابن البلد"، ثم أرسلت "المهندس لطفي الخاص مدير المشاريع الكبرى، وهو زميل الدكتور الأتاسي ورفيق صباه، وكلّفته بنفس المهمة ثلاث مرات متتالية، ولكنه أخفق أيضا ولم يأت بجواب مفيد". يضيف حبش: "علاقتي بالعماد مصطفى طلاس ودودة وطيبة للغاية قبل انقلاب 1970، وأيضا بعد إطلاق سراحي من المعتقل، وكانت لقاءاتنا شبه يومية تقريباً، وزرته عندما كنت في باريس عام 2018".
ويتابع حبش: "وقت جلسة التصويت على اقتراح تغيير قيادة الجيش كنت أجلس إلى جانب الفريق الأسد وعلى يميني محمد حيدر، وعلى يسار الفريق حافظ كان اللواء مصطفى طلاس، ولم أسمع أن الأسد قد قال لطلاس أن يتركا المؤتمر بدلاً من الاستماع إلى هذه التفاهات، مؤكداً أنهما بقيا لنهاية المؤتمر الذي انتهى بالتصويت على قرار تغيير قيادة الجيش، وليس إقالة الأسد وطلاس بالاسم".
تخيّلات طلاس
ووضّح حبش بشأن ما ذكره طلاس في الجزء الثاني من (مرآة حياتي) عن ظروف تكليفه برئاسة الأركان خلفاً للواء أحمد سويداني عام 1968 إذ أورد طلاس ما يلي:
"جرت عملية التصويت فحصلت على 27 صوتاً من أصل 29" و"علمت، في ما بعد، أن الرفيق صلاح جديد أوعز إلى الرفيقين محمد سعيد طالب ومروان حبش ألا يصوتا إلى جانب الاقتراح، لأنه كان يعلم أنني في أي صراع على السلطة سأكون إلى جانب اللواء الأسد".
يعلق حبش: "إنني ومحمد سعيد طالب كنا من أكثر الرفاق تزكية للرفيق طلاس، فالرفيق طالب كان محافظاً لحمص، وكان يعرف الرفيق طلاس خلال قيادته للواء الخامس المدرع وكانت علاقتهما جيدة، وأنا كنت على علاقة ممتازة جداً معه".
وبحسب حبش لم يكن من الوارد أن تحصل ترفيعات استثنائية في الرتب العسكرية بالجيش بعد هزيمة حزيران، وطلبت القيادة من الأسد أن يستمزج اللواء عواد باغ نائب رئيس الأركان ليكون رئيسا للأركان، وأبلغنا الفريق الأسد في الجلسة التالية بأن باغ اعتذر عن المنصب، فطلبت قيادة الحزب من الأسد أن يقترح اسم الذي يرغب في التعاون معه، فأجاب: "إنني أتعاون مع أي رفيق تسميه القيادة" وعندها طلبت قيادة الحزب من المكتب العسكري أن يقدم لائحة بأقدم الضباط البعثيين، وكانت أسماء الرفيق مصطفى طلاس والرفيق شفيق عبده والرفيق علي نعيسة والرفيق صلاح نعيسة وغيرهم من الأسماء حسب قدمهم. "كنت ممن زكّى اسم طلاس، لأنه لا يثير حساسية بين الرفاق العسكريين، لكونه عضوا في القيادة القطرية التي انتخبت 1965، إلى جانب كونه مهتماً بالحرب الشعبية، وله كتاب في ذلك".
ويؤكد حبش أن الأسد بعد انقلابه كان بودّه أن يتعاون أعضاء القيادة معه، باستثناء عضوين منهم، وكان أكثر من يود التعاون معهم، الدكتور يوسف زعين ومصطفى رستم ومحمد سعيد طالب ومروان حبش و"أرسل لي ولمحمد سعيد طالب الرفيق مصطفى طلاس، كما أرسل قبل 16-11 عبد الله الأحمر ووفيق عرنوس، ونقلا لي رغبة الرفيق الأسد بالتعاون معه، واستلام المنصب الذي أريده فاعتذرت".
ويصحح حبش: إن الرفيق الدكتور الأتاسي لم يكن معتصماً في منزله أثناء انعقاد المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي، وإنما "لم يستطع حضور جلساته الأخيرة بسبب إجرائه عملية جراحية، وأن موقفه من تصرفات رفعت الأسد سبقت المؤتمر بشهر ونصف الشهر تقريبا".
ويشير عضو القيادة القطرية والوزير الأسبق إلى خطأ ورد في خطاب حافظ الأسد في المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي، كنا اعتمدنا كتاب البينونة الكبرى لمحمد حيدر والذي أورد الخطاب كاملا في نهاية كتابه، أن الأسد صحح لوزير الإعلام محمد الزعبي بعد حركة 23 شباط، بأنه ليس وزيراً للدفاع، وإنما مكلف بتسيير وزارة الدفاع، والتصحيح بأن من كان وزيراً للإعلام بعد الحركة مباشرة وأثناء إذاعة أسماء الحكومة، هو جميل شيا، بينما استلم محمد الزعبي الوزارة في الشهر العاشر من عام 1966، وعلى المذيع إذاعة مرسوم تشكيل الوزارة كما ورد إليه.
كما يعلق على دور عبد الله الأحمد الذي غدا الاسم الأخير في القيادة القطرية المؤقتة التي شكلها الأسد بعد الانقلاب "لم يكن للأحمد دور قيادي في الحزب وقتها، كان عضو قيادة فرع دمشق ورئيس نقابة عمال دمشق، وكان موقفه ضد حافظ الأسد حتى العظم".
خطف أعضاء القيادة القومية
انتقل أعضاء القيادة القومية عند انتهاء المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي إلى بيروت، ومنهم فؤاد شاكر وسلمان عبد الله وعلي عقيل ومحمد عواضة ومالك الأمين وحاكم الفايز.
عاد علي عقيل إلى عدن وحضرموت عام 1971 وأسس المركز اليمني للثقافة والآثار والمتاحف، وألف عدة كتب، وتوفي في مدينته تريم عام 1987 وقد سجلت سيرته في كتاب (تريم بوابة الفكر القومي العربي: علي عقيل بن يحيى رائداً) لصالح أبو بكر، وصدر عام 2020.
قامت المخابرات السورية بخطف عضو القيادة القومية سلمان عبد الله (عراقي) من بيروت، وخرج سلمان من سجن المزة قبل إطلاق سراح من بقي من القيادة القطرية، وذهب إلى العراق حيث استقبله صدام حسين بحفاوة كبيرة، لكونه كان مسؤولاً حزبياً عن الفرقة الحزبية التي كان صدام حسين عضواً فيها.
كما خطفت المخابرات السورية بالتعاون مع المخابرات اللبنانية عضو القيادة القومية حاكم الفايز (أردني)، من لبنان في حين تركوا في المنزل نفسه عضو القيادة القومية (عراقي) فؤاد شاكر، ظنّاً منهم أنه مات، نظراً لكمية المخدر الكبيرة التي وضعت في فنجان قهوته. غادر فؤاد شاكر إلى الجزائر ثم إلى المملكة المتحدة وعاد إلى العراق عام 1977 حيث توفي عام 2001. وكان من قام بتخديرهما ماجد محسن شقيق زهير محسن قائد الصاعقة، تنظيم البعث الفلسطيني المسلح، وكان يقوم بخدمتهما وتبين انه عميل للمخابرات السورية.
أثناء تنفيذ الاختطاف وصل عضو القيادة القومية مالك الأمين (لبناني) وشاهده قائد المجموعة المكلفة بعملية الخطف غالب كيال (من اللاذقية وكان يعمل في فرع الأمن الداخلي) الذي كان على سطح البناية للمراقبة، فحاول إطلاق نار من مسدسه، ولكن الأمين كان أسرع منه، فأرداه قتيلاً بطلقات من مسدس كان يحمله. والكيال جنّده وزير الداخلية محمد رباح الطويل عنصراً في أمن الدولة، وكان من قبل طالباً في ألمانيا، وسُجن هناك لسنوات عدة لسوابقه الإجرامية.
غادر مالك الأمين لبنان إلى الجزائر عام 1975 وعاد إلى بلده عام 1996 إلى أن مات عام 2012، وسجل بعضاً من سيرته الأدبية في كتاب (مالك الأمين: أوراق مناضل في شعره ونثره) صدر عن دار النهضة العربية.
مصاهرات وعداوات نظام حافظ الأسد
اعتقل نظام حافظ الأسد في حزيران/ يونيو 1971 ضافي الجمعاني، عضو القيادة القومية وأمين سر القيادة القطرية للتنظيم الأردني الفلسطيني الموحد، وهو أيضا قائد قوات الصاعقة، مع رفيقيه بالقيادة القطرية الأردنية الفلسطينية (يوسف البرجي وحسن الخطيب)، إثر عقد مؤتمر قطري للتنظيم الأردني الفلسطيني الموحد في مدينة درعا، واتخذ المؤتمر قراراً بعدم التعاون مع جماعة انقلاب 1970. وسجل ضافي الجمعاني مذكراته في كتاب "من الحزب إلى السجن 1948-1994"، الصادر عن دار رياض الريس، وأفرج عنه في 30/10/1994.
تزوج موسى ابن صافي الجمعاني (الذي أصبح وزيراً في إحدى الحكومات الأردنية)، من أمل، ابنة اللواء جديد، وأنجبا ابنين سمّى أحدهما ضافي والآخر صلاح.
كما اعتقل الأسد في دمشق مجلي النصراوين، الذي سجّل مسيرته في الحزب والسجن، في كتاب "مذكرات مجلي النصراوين: على دروب البعث - 22 سنة في السجون السورية"، الصادر عن دار الأهلية في عمان. لم يكن عضوا القيادة القومية الجمعاني والنصرواين عن التنظيم الفلسطيني الأردني على وئام ولم يخفيا ذلك في مذاكرتهما، بل أشارا إلى اتهامات متبادلة تصل إلى حدود التخوين.
نتابع في الحلقة الأخيرة تفاصيل ذلك.