أحاطت الجزائر الزيارة التي استهلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس الأحد، باهتمام سياسي وإعلامي بالغ. وحظي عباس في أول زيارة له إلى الجزائر منذ نحو سبع سنوات بتقليد بروتوكولي لافت بإطلاق 21 طلقة مدفعية، خصوصا أن الزيارة تسبق موعد انعقاد القمة العربية التي تحتضنها الجزائر في مارس/ آذار المقبل، وتأتي في ظل التمدد اللافت للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمحمود عباس، استدعت الرئاسة الجزائرية جميع سفراء الدول المعتمدين لديها لتحية الرئيس الفلسطيني، وهو إجراء استثنائي وخطوة رمزية أرادت السلطات الجزائرية من خلالها على ما يبدو التأكيد على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، بغض النظر عن الموقف من السلطة التي يقودها عباس نفسه.
وتعيد أجواء الاحتفاء هذه مظاهر غابت منذ عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حيث عرفت الفترة ما بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2012 خلافات وفتوراً في العلاقة بين الجزائر والسلطة الفلسطينية، غاب فيها عباس عن الجزائر لأكثر من سبع سنوات (منذ ديسمبر/ كانون الأول 2014)، وانحازت فيها السلطات الجزائرية ووجهت دعمها عبر الأطر المدنية لغزة وقوى المقاومة.
مركزية القضية الفلسطينية
وبعد التغيير الذي حمله الحراك الشعبي على مستوى القيادة السياسية في الجزائر، تحاول الأخيرة طي صفحة الماضي وإعادة بناء علاقات جيدة مع السلطة الفلسطينية.
وتقبل الجزائر على احتضان القمة العربية في ظرف متسم بتوترات عربية عربية حادة، وفي ظل تعاظم مسارات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة، ما يستدعي وضع النقاط على الحروف في القمة المقبلة بشأن القضية الفلسطينية.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، عشية الزيارة، إن القيادة السياسية في الجزائر "تريد التنسيق مع دولة فلسطين لأن تكون القضية الفلسطينية الأولى والمركزية على جدول القمة، وهم يريدون أن يسمعوا من فلسطين ماذا تريد من القمة".
وأشار إلى أن عباس سيبحث مع تبون بشأن ملف قمة الاتحاد الأفريقي التي ستنعقد في شهر فبراير/ شباط المقبل، وستشهد تصويت أعضاء الاتحاد على ملف انضمام إسرائيل الى الاتحاد بصفة مراقب، فيما تقود الجزائر تحركا لمنع ذلك.
وأضاف المالكي "سيكون لدينا متسع من الوقت خلال هذه الزيارة خلال لقاءات الرئيس ولقائي مع نظيري الجزائري (رمطان) لعمامرة لمناقشة ما هو العمل الواجب القيام به وعلى الوجه المطلوب، لكي نتمكن من منع إسرائيل من الانضمام إلى الاتحاد".
ومع أن الرهان على القمة العربية المقبلة لبناء جهد وموقف عربي مشترك إزاء تطورات القضية الفلسطينية يبدو أمرا صعبا ومتجاوزا بالنظر إلى تغير عميق وجذري في مواقف المؤسسات الرسمية لعدد من الدول العربية إزاء دولة الاحتلال نفسها، فإن عددا من المراقبين في الجزائر يحتفظون مع ذلك بحد أدنى من الأمل.
تراجع الاهتمام
ويدرج هؤلاء زيارة عباس ضمن الظرفية السياسية والإقليمية الراهنة، وارتباطها بالدرجة الأولى بالقمة العربية المزمع عقدها في الجزائر، ويراد لها أن تقر مخرجات وقرارات هامة حول القضية الفلسطينية.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر إدريس عطية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر تريد أن تعيد القضية الفلسطينية إلى موقعها المركزي وإلى أعلى سلم الاهتمام العربي في القمة العربية المقبلة، خصوصا بعد تراجع موقعها في الاهتمامات العربية الرسمية بعد ثورات الربيع العربي".
وأضاف أن الجزائر تبحث بشأن "كيفيات التعامل مع مسارات التطبيع الجديدة التي يمكن وصفها بالفاجرة، لكونها مختلفة تماما عن مسارات التطبيع السابقة مع مصر والأردن، والتي كانت هادئة وبقيت في مستوى سياسي"، لافتا أيضاً إلى "مسعى جزائري بدأ يبرز في الفترة الأخيرة، يسعى إلى ربط القضية الفلسطينية مع قضية الصحراء الغربية، واعتبار أنهما يعيشان الوضع الاحتلالي نفسه".
وتعتقد بعض القراءات السياسية أن الجزائر تريد توجيه رسالة إلى الرباط بأن السلطة الفلسطينية متضامنة مع الجزائر ضد مسارات التطبيع المغربي الإسرائيلي الأخير.
وقال رئيس "جمعية الجزائريين الدولية" إدريس ربوح إن "القضية الفلسطينية هي رافعة للدبلوماسية الجزائرية، والجزائر أصبحت في مواجهة مباشرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولهذا ستُفعّل كل التحالفات الممكنة في فلسطين ولبنان وسورية وإيران والكويت للدفاع عن مصالحها داخليا وخارجيا ودعم القضية الفلسطينية".
وأضاف في تصريح له أن "محمود عباس جزء مهم من التمثيل الفلسطيني، وإذا تبع هذه الخطوة انفتاح على المقاومة ورفع مستوى التعامل الحالي، فسيحقق مكاسب نوعية لصراع الجزائر مع الكيان الصهيوني".
وأشار إلى أن زيارة عباس إلى الجزائر جاءت في مقابل "زيارة إسماعيل هنية إلى المغرب بعد توقيع اتفاق التطبيع، والتي خلطت التقدم في مستوى تعامل الجزائر مع قوى المقاومة، لكن التطورات الأخيرة وتثمين المقاومة لمواقف الجزائر وكذلك رغبة الجزائر في تنويع أدوات الصراع ستسهل الأمور في هذا السياق".
وزار رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إسماعيل هنية، المغرب في يونيو/ حزيران الماضي، وصرح آنذاك بأن "علاقة المغرب بالقضية الفلسطينية ليست قضية آنية ولا مصلحية ولا طارئة، وإنما علاقة شرعية ودينية ووطنية وأخوية، وبكل الامتدادات والارتدادات التي يمكن أن تقع".
وكانت المملكة المغربية قد أعلنت، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بعد توقفها عام 2000، والعمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، وذلك ضمن اتفاق جرى توقيعه برعاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وتوازياً مع ذلك، أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن موقفه الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير، وأن عمل بلاده من أجل ترسيخ مغربية الصحراء لن يكون أبداً، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة.