استمع إلى الملخص
- عُيّن كأول رئيس أركان للجيش الجزائري، وشارك في انقلاب 1965 ضد بن بلة. توترت علاقته مع بومدين، مما أدى إلى محاولة انقلابية فاشلة وفراره إلى الخارج.
- عاد إلى الجزائر في الثمانينيات، ونشر مذكراته في 2013، وتوفي عن 95 عامًا، تاركًا إرثًا مثيرًا للجدل.
عشية احتفال الجزائر بعيد ثورة التحرير في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، غيّب الموت العقيد الطاهر الزبيري، أول رئيس أركان للجيش الجزائري بعد الاستقلال، الذي شارك وقاد انقلابين ضد الرئيسين أحمد بن بلة عام 1965 وهواري بومدين عام 1967، والذي توفي أمس الأربعاء عن عمر يناهز 95 سنة، بعد مرض عضال ألمّ به في الفترة الأخيرة من حياته، وخلّف مذكرات كانت قد صدرت قبل سنوات، وأثارت جدلاً واسعاً في حينها.
التحق الطاهر الزبيري الذي ينحدر من منطقة سوق أهراس شرقي الجزائر، بالحركة الوطنية مبكراً، كحزب انتصار الحريات الديمقراطية، وأهّله ذلك ليكون ضمن الملتحقين الأوائل بالثورة الجزائرية، قبل أن يعتقله الاحتلال الفرنسي إثر معركة ضارية في تبسة شرقي البلاد عام 1955، وكان من بين المخططين لعملية الهروب الكبير من سجن الكدية الحصين بقسنطينة شرقي الجزائر، برفقة القائد البارز في الثورة مصطفى بن بولعيد، قبل أن يعود إلى صفوف الثوار، ويتدرج في قيادة الثورة ليصبح قائد المنطقة الأولى التي تضم عدداً من مناطق شرقي الجزائر.
كان للزبيري دور بارز عشية الاستقلال، كقائد لجيش التحرير في المنطقة الأولى، وفي فترة الخلاف بين الجيش والحكومة المؤقتة التي كان يفترض أن تؤول إليها السلطة وإدارة البلاد في المرحلة الأولى للاستقلال حتى ترتيب النظام السياسي، انحاز الزبيري، وبخلاف قيادات مناطق أخرى، إلى صف الجيش بقيادة هواري بومدين الذي عينه الرئيس أحمد بن بلة وزيراً للدفاع. وقال في مذكراته: "قررت مباشرة التحالف مع بومدين وبن بلة لأني رأيت أن ذلك في مصلحة الجزائر وفي صالح حماية وحدتها وعدم تمزيقها".
مع بروز الخلافات بين الرئيس بن بلة ووزير الدفاع بومدين، قرر بن بلة تعيين الطاهر الزبيري رئيساً لأركان الجيش عام 1963، وهي المرة الأولى التي يتم فيها استحداث هذا المنصب في هكيلية الجيش (تم ترسيم المنصب عام 1964)، لكن ذلك لم يكن كافياً لينحاز الزبيري إلى صف بن بلة، خاصة بعد زيارة الأخير إلى موسكو، حيث تحدث إلى الزبيري بشكل أثار حفيظته، ما دفعه إلى الانضمام إلى مجموعة بومدين التي قررت في 19 يونيو/ حزيران 1965، القيام بانقلاب على بن بلة، كان الزبيري رأس الحربة فيه.
بالنسبة للزبيري، يؤكد في مذكراته أن بومدين أقنعه بأن بن بلة يقود البلاد بشكل فردي، وأنه يتعين عليهم الإطاحة به قبل أن يطيح بن بلة بقيادة الجيش، وتم الاتفاق على العودة سريعاً إلى الشرعية والحكم الجمهوري، لكن بومدين الذي نصب نفسه رئيساً لمجلس الثورة بعد ذلك الانقلاب، استمر على نفس النهج، وأطاح بالزبيري من رئاسة الأركان في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1967، ما دفع الزبيري إلى التفكير في الإطاحة ببومدين في انقلاب آخر بعد شهر فقط من تنحيته من منصبه. أدى إدماج بومدين واستعانته بما يُعرف بـ"ضباط فرنسا"، وهم مجموعة من الضباط الذين كانوا في الجيش الفرنسي وانضموا قبيل الاستقلال إلى الثورة، بشكل ما زال يثير الشكوك التاريخية عن ظروف انضمامهم حتى الآن، قال عنهم الزبيري في مذكراته: "كنت أرفض من حيث المبدأ أن يتولى أولئك الضباط مناصب قيادية حساسة في الجيش"، أدى إلى فشل المحاولة الانقلابية على بومدين التي تمت في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1967، وفر الزبيري إلى تونس عبر البر، حيث سلّم نفسه في الحدود إلى السلطات التونسية، والتي سارعت إلى منحه وثيقة سفر، ومبلغاً من المال، وسمحت له بالسفر الى سويسرا لتجنب مطالبة الرئيس بومدين لها بتسليمه.
وفي 10 يوليو/ تموز 1969، تمت محاكمة الطاهر الزبيري غيابياً، إضافة إلى المجموعة التي شاركت معه بمحاولة الانقلاب، وبلغ عددهم 180 شخصاً، من قبل المحكمة الثورية بوهران، وكان يرأسها العقيد محمد بن حمد عبد الغاني، حيث أصدرت المحكمة حكما بالإعدام على الزبيري وخمسة من كبار قادة المحاولة الانقلابية، لكن بومدين، أصدر قراراً بإلغاء حكم الإعدام بحقهم، بحكم ماضيهم الثوري، وكُيّفت الأحكام بالسجن، قبل أن يصدر الرئيس الشاذلي بن جديد الذي خلف بومدين، عفواً رئاسياً سمح للعقيد الزبيري بالعودة إلى البلاد بداية الثمانينيات.
انزوى الزبيري على نفسه في المرحلة التالية، ولم تكن له أنشطة تذكر، بعد دخول البلاد عهد التعددية السياسية. وعام 2004، عيّنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عضواً في مجلس الأمة، الغرفة العليا للبرلمان، وتم توسيمه عام 2018 بوسام الأثير، وهو أعلى وسام في الجمهورية. وقبل ذلك، كان قد أصدر عام 2013 مذكراته التي كشف فيها الكثير من التفاصيل المتعلقة بأحداث مهمة خلال ثورة التحرير وفي الفترة الأولى للاستقلال، وتدبيره لمحاولة الانقلاب عام 1967، وأسباب خلافاته مع الرئيسين بن بلة وبومدين، وقضايا متعددة أخرى ساهم في تقديم إضاءة مهمة عليها.