رجال العشائر يساعدون الولايات المتحدة في استهداف زعماء "داعش"

13 سبتمبر 2022
من موقع اغتيال القوات الأميركية زعيم تنظيم الدولة ماهر العقال (Getty)
+ الخط -

عندما استهدف الجيش الأميركي زعيم تنظيم "داعش" ماهر العقال بضربة طائرة مُسيرة بشمالي سورية في شهر يوليو/تموز، كانت هناك فرصة ضئيلة لعدم إصابة الهدف، إلا أنّ نيّة بعض العشائر بالثأر من التنظيم كانت من الأسباب الحاسمة في تحديد الهدف بدقة.

قال أحد الأشخاص الذين تعقبوا العقال إنه مع استمرار تعطش عشيرة "الشعيطات" للثأر بعد ثماني سنوات من قيام التنظيم المتشدد بذبح المئات من أبنائها، قام رجال من العشيرة بزراعة جهاز تتبع على الدراجة النارية التي كان يركبها العقال عندما قُتل.

وقال رجل العشيرة، الذي أكد ضابط مخابرات غربي بالمنطقة روايته، إن أقارب من العشيرة كانوا على اتصال بأسرة زعيم تنظيم "داعش" ويراقبونه سراً منذ شهور في شمالي سورية.

وقال الشخص، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، لـ"رويترز" عبر الهاتف من سورية: "انتقمت بالدم لأبناء عشيرتي الذين صلبهم داعش وأعدمهم وقطع رؤوسهم بلا رحمة، هدأت النار في قلوبنا".

وفي واحدة من أشد الأعمال الوحشية دموية، قتل تنظيم "داعش" أكثر من 900 من أفراد قبيلة "الشعيطات" في ثلاث بلدات بمنطقة دير الزور، شرقي سورية، عام 2014، عندما تمردوا على حكم التنظيم المتشدد.

وبينما يمثل تنظيم "داعش" التنظيم الذي حكم أكثر من ثلث سورية والعراق في خلافة أُعلنت من جانب واحد عام 2014، ما زال مئات المقاتلين في مناطق مقفرة لا تخضع لسيطرة كاملة من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ولا للجيش السوري المدعوم من روسيا وجماعات مسلحة تدعمها إيران.

وقالت ثلاثة مصادر استخبارية غربية وستة مصادر عشائرية إن رجال العشائر العربية في سورية الذين يسعون للثأر أصبحوا الآن جزءاً من شبكة متنامية من "الجواسيس" العشائرية، تلعب دوراً مهماً في حملة الجيش الأميركي لزيادة إضعاف التنظيم.

وقال ياسر الكسّاب، أحد زعماء العشائر من بلدة غرانيج في منطقة دير الزور، إن "شبكات المخبرين هذه تعمل مع الأميركيين الذين يزرعونها في كل مكان"، وأضاف: "مخبرون من العشيرة نفسها يرشدون عن أبناء عمومتهم في داعش".

ورداً على سؤال حول دور المخبرين العشائريين في سورية، قال مسؤول عسكري أميركي إن الاستهداف استند بالكامل تقريباً إلى معلومات استخبارية بشرية في العملية التي استهدفت العقال.

وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث علناً عن الأمر: "هذا أمر يتطلب شبكة عميقة في المنطقة".

شبكة عميقة

أطلع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضابط المخابرات الغربية، الذي أكد رواية اغتيال العقال والفترة الطويلة لتعقب رجال العشائر قبل الضربة، على الدعم العشائري لأنشطة مكافحة التمرد.

وقال الجيش الأميركي، الذي ينشر نحو 900 جندي في شمال شرقي سورية، إن العقال كان أحد خمسة من كبار قادة الجماعة، وكان مسؤولاً عن تطوير شبكات "داعش" خارج العراق وسورية.

وقالت القيادة المركزية الأميركية في ذلك الوقت إن الضربة ضد العقال جاءت بعد تخطيط مكثف.

وقالت مصادر مخابرات غربية وإقليمية وثلاث شخصيات عشائرية بارزة، إنه مع مقتل أو اعتقال العديد من قادة "داعش" الأجانب، أصبح السوريون أكثر أهمية في قيادة التنظيم، ما جعل المتشددين أكثر عرضة للاختراق من جانب أقاربهم السوريين الراغبين في تصفية الحسابات.

وبينما تقول أربعة مصادر مطلعة على عملية جمع المعلومات الاستخبارية إن الأموال تُدفع في بعض الأحيان مقابل المعلومات، فإن العديد من المخبرين مدفوعون بالثأر من الفظائع التي ارتكبتها الجماعة في ذروة قوتها.

وتم تجنيد بعض المخبرين من جانب وسطاء عشائريين كانوا بالفعل جزءاً من الشبكة.

وقال الكسّاب، زعيم عشيرة الشعيطات، إن آخرين كانوا يساهمون بشكل مباشر عبر خط هاتفي أنشأه التحالف لتلقي المعلومات.

وأكد الضابط العسكري الأميركي أن المبلغين تلقوا أموالاً لكنه لم يخض في تفاصيل.

فيما قالت خمسة مصادر عشائرية إن الشبكات القبلية التي تمولها الولايات المتحدة اخترقت الخلايا النائمة لتنظيم "داعش" وجمعت بيانات عن مجندين جدد، من بينهم رجال عشائر في بعض الحالات، وأكد ضباط المخابرات الغربيون الثلاثة ومسؤول أمني إقليمي رواياتهم.

وينتمي العديد من "المُخبرين" إلى عشيرة الشعيطات، وهي فرع من أكبر قبيلة في سورية، العكيدات (العقيدات)، التي قاتلت مع القوات المدعومة من الولايات المتحدة لطرد تنظيم "داعش" من أجزاء بشمال شرقي سورية وانتزعت السيطرة معها على مدينة الرقة بعد معركة طويلة في عام 2017.

وقال الخبير في شؤون الجماعات الجهادية والعلاقات العشائرية سامر الأحمد: "يريدون الثأر، لذا يلجأون إلى التعاون مع أقاربهم لتسريب المعلومات وإعطاء مواقع زعماء داعش، يستخدمون العلاقات القبلية في ملاحقة عناصر التنظيم الذين تورطوا في قتل أقاربهم".

مخابرات بشرية

قال أحد ضباط المخابرات الغربية إن معلومات المخابرات البشرية، على عكس المعلومات التي يتم جمعها من أجهزة مثل الهواتف المحمولة، أصبحت الآن حاسمة لأن المتشددين يتجنبون بشكل متزايد وسائل الاتصال المعرضة للمراقبة.

وأضاف الضابط المطلع على بعض الجهود السرية: "معظم العناصر الجديدة لا تستخدم الهواتف المحمولة أو الأجهزة التي كانت وراء الضربات السابقة للجهاديين الأجانب".

فيما قال المسؤول العسكري الأميركي إن معلومات المخابرات البشرية مثل هذه كانت "حاسمة" في حملة قتل واعتقال كبار المتشددين في سورية منذ بداية العام، ولعبت دوراً رئيساً في قضية العقال.

وأضاف المسؤول: "في كثير من الأحيان، تكمل معلومات المخابرات البشرية الأشكال الأخرى من المعلومات، المعلومات التي تلتقطها من هناك أو من الإشارات الصوتية ويمكن استكمالها. في هذه الحال، تقود المخابرات البشرية بالفعل عملية جمع المعلومات".

وقال اثنان من أقارب العقال إنه كان يختبئ في مكان مكشوف بشمالي سورية، ويقضي معظم وقته في الأراضي التي يسيطر عليها مسلحون من العرب السُنة المدعومين من تركيا ويبتعد في الغالب عن مناطق قريبة من مسقط رأسه حيث يمكن التعرف إليه.

ومثّل مقتله إحدى الضربات الموجعة العديدة التي تعرض لها تنظيم الدولة الإسلامية في سورية هذا العام.

ففي شهر فبراير/شباط، لقي زعيم الجماعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي حتفه خلال غارة للقوات الأميركية الخاصة في شمالي سورية، بينما اعتقلت القوات الأميركية في يونيو/حزيران قيادياً بارزاً آخر هو أحمد الكردي.

وكان العقال والكردي والمسلحون الآخرون الذين تم استهدافهم قد عادوا إلى حياتهم الطبيعية واختلطوا بين قاطني منطقة مكتظة بالسكان على طول الحدود التركية، بعيداً عن المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة.

هجمات الكر والفر

فيما شجّع أحمد أسعد الحسوني الضربات الأميركية الناجحة، وهو شخصية بارزة في عشيرة "الشعيطات" ولا يزال يبحث عن رفات اثنين من أبنائه الأربعة الذين قطع تنظيم "داعش" رؤوسهم في 2014.

وقال الحسوني: "ذبحوا أبنائي وأحرقوا قلوبنا. والله لن أنام حتى يموت آخر مجرم".

وقال سكان إنه على الرغم من افتقار تنظيم "داعش" بشكل متزايد إلى القدرة على شن هجمات كبيرة، فإن وجوده يتزايد في المناطق النائية بدير الزور، حيث تتداعى سيطرة قوات "سورية الديمقراطية" التي يقودها الأكراد.

وقالت خمسة مصادر عشائرية إن رجالاً ملثمين أقاموا نقاط تفتيش ليلاً، ما زرع الخوف في القرى القريبة من مدينة البصيرة على نهر الفرات.

وقال الزعيم العشائري، الشيخ بشير دندل، إن هجمات الكر والفر على نقاط التفتيش التابعة لقوات "سورية الديمقراطية" زادت في الأشهر الأخيرة، كما تسبب المسلحون في خسائر فادحة في صفوف الجماعات المسلحة الموالية لإيران حول تدمر.

فيما كان الخوف من عودة ظهور تنظيم "داعش" هو الذي دفع عبد الله عمر البالغ من العمر 32 عاماً إلى الإبلاغ عن أقاربه.

وقال عمر، الذي يتحدر من بلدة أبو حمام على ضفاف نهر الفرات، جنوبي البصيرة: "أبلغت التحالف عن حوالي خمسة أشخاص، بينهم اثنان من أبناء عشيرتي اكتشفنا أنهما كانا مع داعش يديران نقاط تفتيش ويحرقان المنازل".

(رويترز)

المساهمون