وصل الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي إلى روسيا، اليوم الأربعاء، في زيارة بدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في توقيت حساس يحمل أبعاداً ودلالات ورسائل متعددة الاتجاهات، منها ما يرتبط بوجهة السياسة الخارجية الإيرانية خلال المرحلة المقبلة، ومنها ما يتصل بملفات ساخنة راهناً، مثل مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي المترنح.
ويترأس رئيسي وفداً سياسياً واقتصادياً رفيع المستوى، وسيمكث في موسكو يومين، قائلاً اليوم إن زيارته تشكل "منعطفاً" بالعلاقات الثنائية، التي اعتبر أنها "تجلب الأمن للمنطقة وتمنع الأحادية بالعالم".
ووفق الكرملين، سيبحث الرئيسان الإيراني والروسي، اليوم الأربعاء، "جميع القضايا المرتبطة بالتعاون الثنائي، والتي تشمل تنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة، فضلاً عن مواضيع دولية وتنفيذ الاتفاق النووي".
مجالات تعاون متعددة
زيارة رئيسي إلى روسيا تكتسب "أهمية تاريخية"، كما يقول الخبير الإيراني المحافظ مصطفى خوش جشم، مؤكداً أن البلدين "لديهما فرص ومجالات واسعة للتعاون على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية، ثنائياً وإقليمياً في الشرق الأوسط والقوقاز".
يضيف خوش جشم، المقرب من الخارجية الإيرانية لـ"العربي الجديد"، أن "المتوقع أن تتوّج الزيارة بإبرام اتفاقيات اقتصادية كبيرة"، مشيراً إلى أن "الزيارة تشكل بداية لقفزة في توسيع العلاقات".
الزيارة "التاريخية" إلى روسيا تأتي في صلب توجهات رئيسي، لـ"تعزيز العلاقات مع الشرق بشكل شامل"، منذ توليه السلطة التنفيذية، حسب خوش جشم، الذي أوضح أن ذلك مدفوع بـ"التجربة غير الناجحة للسيد (حسن) روحاني" الرئيس الإيراني السابق "في حل الخلافات مع الغرب".
ويوضح الخبير المقرّب من الخارجية الإيرانية أن "إصرار الغرب بقيادة أميركا على معاداة إيران وعدم التعاون معها، رفع وزن الشرق بشكل خاص في السياسة الخارجية الإيرانية"، مشيراً إلى أن "إيران تدرك أن موقعها الجيوسياسي الخاص يمكّنها من لعب دور فريد في النظام العالمي الجديد طور التشكل، بعدما أصبح مركز القوة العالمية ينتقل من الغرب إلى الشرق".
زيارة مختلف عليها داخلياً
وأطلقت الزيارة منذ طرحها في الإعلام الإيراني جدلاً واسعاً، لم ينتهِ بعد. يعود هذا الجدل بالأساس إلى ثنائية العلاقات مع الغرب والشرق في الشارع الإيراني، والخلاف في الرؤية بين مدرستي الإصلاحية والمحافظة في السياسة الخارجية، فضلاً عن تراكم الحقد التاريخي في اللاوعي الإيراني تجاه روسيا بسبب حروب تاريخية مع روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي، وتدخلاتهما في الشأن الإيراني.
وتسلّط القوى المحافظة والحكومة والإعلام الرسمي الضوء على الزيارة باعتبارها "زيارة تاريخية"، لكن المتحفظين عليها يقللون من أهميتها، مع حديث البعض عن أن "التوجه نحو الشرق" يناقض شعار "لا شرقية ولا غربية" الذي رفعته الثورة الإسلامية الإيرانية.
ودفعت الانتقادات، مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي إلى القول في مقابلة مع صحيفة "كيهان"، إن "من الخطأ القول إن العلاقة مع الصين وروسيا تتعارض مع سياسة لا شرقية ولا غربية. فروسيا اليوم ليست روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي الشيوعي".
كما هاجم السفير الإيراني لدى روسيا كاظم جلالي، الثلاثاء، في مقابله مع صحيفة "إيران" الرسمية، مشبّهي روسيا اليوم بروسيا القيصرية، عازياً التشبيه إلى "حرب نفسية أميركية وبريطانية" ضد العلاقات.
في السياق، يقول رئيس تحرير موقع "الدبلوماسية الإيرانية" علي موسوي خلخالي، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك من لديهم نظرة سلبية ومنتقدة تجاه روسيا، ويرون أن تقارب إيران مع الغرب أكثر أهمية من تقاربها مع روسيا والشرق".
لكن زيارة رئيسي إلى موسكو "ليست تاريخية ولا يمكن أيضاً اعتبارها قليلة الأهمية، لأن روسيا أهم دولة صديقة لإيران بين القوى العالمية"، كما يقول خلخالي، الذي يؤكد أنه "إذا ما تم إبرام صفقات مهمة خلال الزيارة مثل صفقات سلاح، فحينئذ يمكن القول إن الزيارة تاريخية"، غير أنه يستبعد أن يحدث ذلك.
ويعتبر رئيس تحرير موقع "الدبلوماسية الإيرانية" كلمة رئيسي في الدوما الروسي "تاريخية، إذ لم يسبق أن ألقى أي من الرؤساء الإيرانيين كلمة في مجلس النواب الروسي"، لافتاً إلى أن ذلك "مؤشر على عمق العلاقات، لكن ما يهم هو ما اذا كانت للزيارة مكاسب عملية، وإن لم يكن كذلك، فإن الزيارة هي من أجل الزيارة".
عقبات عدة
ثمة عقبات أمام توطيد العلاقات بين إيران وروسيا، فيقول الخبير الإيراني علي موسوي خلخالي لـ"العربي الجديد" إن علاقات إيران مع روسيا "لن تتوسع بشكل صحيح وحقيقي، ما لم تنحلّ المشكلات في العلاقات الإيرانية مع الغرب أو لم تتراجع إلى ما هو الأدنى".
ويضيف خلخالي أن "إيران لا يمكنها العمل ضد حلفاء روسيا في مناطق أخرى ثم تنتظر أن تكون لها علاقات صداقة مع روسيا"، مشيراً إلى أن العلاقات الاقتصادية بين إيران وروسيا "لا ترتقي إلى مستوى العلاقات السياسية".
ويوضح أن "لا فرص اقتصادية كبيرة بين البلدين"، لافتاً إلى أنهما "منافسان في كثير من المجالات الاقتصادية خاصة في قطاعي النفط والغاز، حيث ترى روسيا في إيران منافسا، لذلك لا ترتضي تصدير إيران الغاز إلى أوروبا أو عودة إيران إلى سوق النفط بعد أن استحوذت عليه روسيا على خلفية العقوبات على إيران".
إلى ذلك أيضاً، "فالفارق الأيديولوجي بين إيران وروسيا لا يسمح بتطوير العلاقات أكثر من مستوى معين، فليست إيران في العقيدة الروسية حليفاً استراتيجياً، ولا روسيا في المنظومة السياسية الإيرانية بلد صديق دائم".
مفاوضات فيينا
زيارة الرئيس الإيراني إلى روسيا تأتي في خضم مفاوضات فيينا غير المباشرة بين طهران وواشنطن لإحياء الاتفاق النووي، وبلوغها "أصعب مراحلها لمناقشة القضايا الأكثر أهمية وجوهرية"، حسب مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، وهو ما يثير تساؤلات عن ارتباط الزيارة بهذه المفاوضات.
وفي معرض ردّه على سؤال لـ"العربي الجديد" بهذا الشأن، يقول الخبير الإيراني في القضايا الدولية هادي خسروشاهين، إن زيارة رئيسي إلى موسكو، وزيارة وزير خارجيته إلى الصين قبل أيام، وبدء دخول اتفاقية التعاون الشامل لمدة 25 عاماً بين طهران وبكين حيز التنفيذ، "محاولة إيرانية لاستخدام أوراقها للضغط على الولايات المتحدة للحصول على المزيد من التنازلات خلال مفاوضات فيينا".
ويضيف خسروشاهين أن "إيران معنية بأن توجه من خلال هذه الزيارات، رسائل بأنه في حال فشل المفاوضات، فإنها تمتلك أوراقاً وأدوات ضغط"، مشيراً إلى أن "هناك رأيا قائلا إن تطبيق الاتفاقية مع الصين يضمن لإيران بيع مليون إلى مليون و200 ألف برميل من النفط يومياً".