رئاسيات البرازيل: عودة لولا لهزيمة بولسونارو

12 مايو 2022
أطلق لولا حملته الرئاسية بشكل غير رسمي (رودريغو بايفا/Getty)
+ الخط -

بعد 12 عاماً على انتهاء ولايته الرئاسية الثانية، يعود الرئيس البرازيلي الأسبق (2003 -2010)، والزعيم اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إلى المشهد السياسي في البلاد، من بوابته العريضة، مرشحاً مفضلاً لدى الناخبين في الانتخابات الرئاسية المقررة في البرازيل في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، متقدماً بفارق مريح حتى الآن على الرئيس الحالي جايير بولسونارو في استطلاعات الرأي.

وفي الواقع، لم يغب اسم لولا عن واجهة الأخبار وعناوينها في البرازيل، منذ أن سلّم مقاليد السلطة لتلميذته في حزب العمّال البرازيلي، ديلما روسيف، وبعدها مع الحملة القضائية التي طاولته وقادت إلى سجنه ومنعته من الترشح للرئاسة في 2018، حين أظهرت أيضاً استطلاعات الرأي ترجيح فوزه بالرئاسة.

وقد يكون توق البرازيليين إلى العدالة الاجتماعية، هو ما يجعل للولا "عودة ثانية" دائماً، فيما يظلّ عهده مع بداية الألفية الثالثة عنواناً للازدهار الاقتصادي وترفع مستوى المعيشة للأكثر فقراً.

لولا دا سيلفا يطلق حملته الرئاسية

ومتحدياً قضايا الفساد التي أضرّت خلال السنوات السابقة بالهالة التي رسمها البرازيليون حوله، وأدخلته السجن من إبريل/نيسان 2018 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2019 (حكم بالسجن أكثر من 12 عاماً وبرأته المحكمة العليايطلق لولا حملته الرئاسية الثالثة لهذا العام، فيما تغمر أميركا اللاتينية موجة يسارية أو من يسار الوسط، استمدت زخمها خصوصاً من الغضب المتنامي جرّاء ما تبدّى من هشاشة شبكات الأمان الاجتماعية في نصف القارة الجنوبي خلال زمن كورونا، وهو ما يتهم بولسونارو بارتكاب "جرائم ضدّ الإنسانية" حوله.

رشّح لولا المحافظ جيرالدو ألكمين، نائباً له

ويمكن أن يؤدي فوز لولا إلى قيادته جبهة يسارية في حديقة الولايات المتحدة الخلفية، ستشكل صداعاً جدياً لواشنطن، وارتياحاً كبيراً لكل من الصين وروسيا.

وأطلق لولا، يوم السبت الماضي، حملته الرئاسية، بشكل غير رسمي، من مدينة ساو باولو، تحت شعار "إعادة بناء" البرازيل بعد الإدارة "غير المسؤولة والإجرامية" للرئيس بولسونارو، بحسب قوله في خطاب استمر 55 دقيقة وألقاه أمام الآلاف من أنصاره.

واعتبر لولا، الذي كان القضاء قد منعه من الترشح للرئاسة قبل خمس سنوات، أن الانتصار على بولسونارو، الذي كان قد فاز بانتخابات 2018 بأكثر من 10 نقاط مائوية على فرناندو حدّاد، مرشح حزب العمّال اليساري، ليس وحده هدف الانتخابات المقبلة، بل أيضاً حماية الديمقراطية البرازيلية، وإعادة البناء والتغيير في البلاد، وهو أمر رأى أنه "سيكون أكثر صعوبة من الانتخابات نفسها".

وأضاف الرئيس البرازيلي الأسبق: "نريد توحيد الديمقراطيين من جميع الأصول والألوان السياسية والطبقات الاجتماعية والمعتقدات الدينية"، متحدثاً عن ضرورة "بناء حركة تزداد اتساعاً من كل الأحزاب والمنظمات والأشخاص ذوي النيات الحسنة" من أجل "هزيمة التهديد الشمولي والكراهية والعنف والتمييز" الذي يثقل كاهل البرازيل، من دون ذكر بولسونارو بالاسم.

وتساءل المرشح اليساري والنقابي السابق: "ماذا نريد؟ برازيل الديمقراطية أم الاستبداد؟ الخيار لم يكن بهذه البساطة قَطّ". وشدّد على أن "البرازيل أكبر من أن تنحدر إلى مصاف دولة منبوذة"، مكرّراً أن هدفه "استعادة سيادة" البلاد في مواجهة "السياسة غير المسؤولة والإجرامية للحكومة" الحالية.

برنامج رئاسي لحماية ديمقراطية البرازيل

وكان لولا، الذي غادر السلطة في عام 2010 بتأييد شعبي غير مسبوق وصل إلى حدود 87 في المائة، قد سلّط الضوء في مقابلة مع مجلة "تايم" نشرت الأسبوع الماضي، على برنامجه الرئاسي، بعدما تمكن من بناء تحالف سياسي حزبي قوي، لمواجهة الرئيس الحالي الشعبوي في استحقاق أكتوبر المقبل. ووعد لولا بإعادة البرازيل إلى أيامها "الجميلة" في عهده، بعدما شاهد خلال الأعوام السابقة "تفكيك وتهاوي جميع السياسات التي وضعها لمصلحة الفقراء".

وقال لولا إن البرازيليين يفتقدون تلك الأيام، ولذلك فهم "يريدون أن أعود إلى السلطة". مع العلم أن الكاتب البرازيلي فراي بيتو، الذي سبق أن عمل مستشاراً للولا، كان قد فنّد "الهيكل الطبقي" الذي اعتمده لولا خلال فترة حكمه، مشيراً إلى تخصيص 90 في المائة من الميزانية لما سمّاه "الرأس المال الكبير - المصارف وملاك الأراضي" مقابل تخصيص 10 بالمائة للأسر الأشد فقراً، وهي النسبة التي كانت بمثابة تحول كبير للفقراء أسست لبناء شعبية لولا بينهم.

اعتبر لولا أن الانتصار على بولسونارو، ليس وحده هدف الانتخابات المقبلة، بل أيضاً حماية الديمقراطية البرازيلية

ويأتي التأييد الشعبي المرتفع لترشح لولا، بعد سنوات من عهد بولسونارو، كانت فيها البرازيل من أكثر الدول التي عرفت أسوأ إدارة لأزمة كورونا، مع وفاة أكثر من نصف مليون مواطن جراء الوباء. ودعا مجلس الشيوخ في الكونغرس البرازيلي، العام الماضي، إلى محاسبة بولسونارو على ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، بسبب "أخطاء" إدارة الأزمة الصحية، وعرقلته حصول بلاده باكراً على اللقاحات.

ويحظى لولا بتقدم مريح على الرئيس الحالي في استطلاعات الرأي، حيث يتصدر نيات الناخبين بفارق يصل في بعض الاستطلاعات إلى 20 نقطة مائوية (بحدود 45 مقابل 25 في المائة). سياسياً، اختار لولا حاكم ساو باولو السابق، جيرالدو ألكمين، من يمين الوسط (وخصمه في رئاسيات 2006)، مرشحاً كنائب له بحال فوزه، في محاولة لطمأنة النخب الاقتصادية في البلاد.

وإلى ذلك، يسعى لولا لبناء تحالف حزبي من 7 أحزاب من اليسار ويسار الوسط، للفوز بالسباق، مدركاً أيضاً أن المعركة تتخطى الرئاسيات للفوز بالأغلبية في الكونغرس البرازيلي، لتنفيذ أجندته. وكان الحديث قد خرج إلى العلن عن إمكانية حصول تحالف استثنائي وغير مسبوق بين لولا وألكمين منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما عدّ ورقة ضامنة للرئيس الأسبق للفوز.

لكن ذلك يشكل أيضاً سيفاً ذا حديّن بالنسبة إلى لولا، الذي كان أيضاً قد بنى على بعض سياسات سلفه عام 2003، فرناندو أنريكه كادروسو، لدى وصوله للحكم، ومنها استكمال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وإذ يحن البرازيليون إلى "أمجاد" برنامج "بولسا فاميليا" الاجتماعي، الذي انتشل أكثر من 12 مليون مواطن من الفقر المدقع، وحسّن المستوى المعيشي للأكثر فقراً، وفرض نظاماً من العدالة الاجتماعية غير مسبوق في البلاد، مستفيداً أيضاً من تعطش الصين آنذاك إلى المواد الأولية من السوق البرازيلية، يدرك لولا اليوم حجم التحديات التي تواجهه داخلياً وخارجياً، اقتصادياً وسياسياً، في بلد وصل فيه الاستقطاب السياسي إلى مستوى غير مسبوق، وحيث يشهد العالم أزمة تضخم تجعل من الصعوبة على أي رئيس تحفيز الاستثمارات وتحريك القطاع الاقتصادي.
(العربي الجديد)

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون