رئاسيات أميركا: حسابات دقيقة للربح والخسارة

27 أكتوبر 2020
يحظى ترامب بدعمٍ واسع من شريحة الرجال البيض (سكوت أولسون/Getty)
+ الخط -

دخلت الولايات المتحدة، أمس الإثنين، الأسبوع الأخير من حملة الانتخابات الرئاسية، والتي يتنافس فيها كلّ من الرئيس دونالد ترامب، ونائب الرئيس السابق جو بايدن. وقبل 8 أيام من يوم الاقتراع، المقرر في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، صوّت حوالي 59 مليون أميركي في الاقتراع المبكر، عبر البريد وفي مراكز الاقتراع، بحسب "مشروع الانتخابات الأميركية" (جامعة فلوريدا)، ما يعني قرابة 42 في المائة من مجموع المصوتين في رئاسيات أميركا قبل 4 سنوات والمقدر عددهم بنحو 138 مليوناً، حين فاز ترامب على وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. وإذا ما استمرت هذه الوتيرة، توقع "المشروع" أن تشهد الولايات المتحدة أعلى نسبة تصويت منذ قرن. ويترقب المتابعون لهذا الاستحقاق، ليس فقط معرفة هوية الفائز، والتي ترتبط التكهنات حولها بحسابات دقيقة جداً، وبسباق متقارب في ولايات حاسمة، بل كيفية توزع الأصوات. وسيعني فوز بايدن أن الحزب الديمقراطي ربما يكون قد نجح في تأمين "الائتلاف الأزرق الكبير"، الذي يجمع كافة أطيافه. أما فوز ترامب، والذي لا يزال ممكناً، على الرغم من عدم ترجيح ذلك في استطلاعات الرأي، فيعني أن كتلته الصامتة ظهرت بكثافة في يوم الاقتراع، من دون تسجيل أي انقسامٍ في التيارات الداعمة له، من المتدينين والبيض غير المتعلمين ولوبيات اقتصادية وسياسية، فضلاً عن الجمهوريين الوسطيين. وسط ذلك كلّه، لا يزال فيروس كورونا يخيم على الحملة الانتخابية مع ارتفاع عدد الإصابات، والتي طرقت باب مكتب نائب الرئيس مايك بنس عبر إصابة اثنين من مساعديه، فيما يواصل ترامب الادعاء أن الفيروس في طريقه للاختفاء.

توقعات بتسجيل أعلى نسبة تصويت في الرئاسيات منذ قرن

ولا يزال فوز أي من المرشحين غير مضمونٍ بعد. لكن المعادلة لذلك ليست بحجم مفاجأة عام 2016، حين ربحت كلينتون التصويت الشعبي، ومالت استطلاعات الرأي لصالحها، فيما فاز ترامب بأصوات "الهيئة الناخبة". وعلى الرغم من تقدم بايدن في الاستطلاعات، إلا أن بإمكان ترامب البقاء في البيت الأبيض إذا ما تمكن من انتزاع ولايات محددة. وستخرج هذا الأسبوع استطلاعات جديدة، ينتظر أن تكشف مدى تأثير المناظرة الأخيرة التي جرت بين المتنافسين، وقدّم فيها الرئيس الجمهوري أداءً مقبولاً، على نوايا التصويت. في موازاة ذلك، سيشهد الأسبوع الأخير من الحملة نشاطاً لافتاً لكلا المرشحين، بعدما ظلّ بايدن معظم الأسبوع الماضي في ديلاوير، متكلاً على مساندة الرئيس السابق باراك أوباما له.

وعلى هذا الأساس، توجه ترامب، أمس الإثنين، إلى ولاية بنسلفانيا، وهي من الولايات المتأرجحة، والتي سيكون لها دور في حسم نتيجة الانتخابات، ويعمل المرشحان بهمّة على استمالة الناخبين فيها. وخطب ترامب في لقاءات جماهيرية في 3 مدن بالولاية، على أن يقوم طوال الأسبوع الحالي برحلات إلى ميشيغن وويسكونسن ونبراسكا وأريزونا ونيفادا. من جهته، يزور بايدن، اليوم، ولاية جورجيا، معولاً على التغيُر الديمغرافي الذي طرأ خلال السنوات الأخيرة عليها، والارتفاع الذي شهدته في التصويت المبكر، لكسب أصواتها الـ16 في "الهيئة الناخبة". وسيتوقف المرشح الديمقراطي في جورجيا، في بلدة وورم سبرينغز (400 نسمة)، التي تمثل بعداً وطنياً، إذ تضم ما عرف بـ"البيت الأبيض الصغير"، الذي انعزل فيه الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت، للعلاج من شلل الأطفال، وتوفي فيه. وطورّ روزفلت، الذي تولى الرئاسة خلال مرحلة الكساد الكبير، برنامجه الخاص لإنعاش الاقتصاد، وأفكاراً أخرى مرتبطة ببرامج "الصفقة الجديدة" (نيو ديل) في هذه البلدة، التي من المقرر أن يلقي بايدن فيها خطاباً لـ"توحيد الأمة لمواجهة الأزمات التي تعصف بها". كما سيزور بايدن مدينة أتلانتا، عاصمة هذه الولاية، التي كان ترامب قد فاز فيها عام 2016، كما أن ناخبيها لم يؤيدوا مرشحاً ديمقراطياً منذ 1992. ويظهر هذا التوغل في الولاية الجنوبية، سعي بايدن لتوسيع نطاق شعبية حزبه في وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي أن السباق فيها متقارب. من جهته، يشارك أوباما في الدعاية الانتخابية لصالح نائبه السابق جو بايدن في أورلاندو بولاية فلوريدا.
وعلى الرغم من احتفاظ بايدن بالصدارة في استطلاعات الرأي الوطنية، لا تزال تلك التي تجري على صعيد الولايات الأساسية تعكس منافسة محمومة. ويبدو ذلك جلياً في ولايات مثل فلوريدا وأريزونا وكارولينا الشمالية. ويدور سؤال عما إذا كان بإمكان بايدن إعادة إنتاج "التحالف الديمقراطي الكبير"، لأن خسارة ترامب المحتملة تعني أن ائتلافاً انتخابياً كبيراً قد احتشد ضده، وقد يكون بايدن في موقع أول ديمقراطي يتمكن خلال جيل بأكمله (من 20 إلى 30 سنة)، من حصد أصوات غالبية كبار السن، وسكان الضواحي، والمستقلين، والبيض من حملة الشهادات الجامعية. وإذا ما تمكن هذا الائتلاف من التشكل، وهو ما سيظهره توزع الأصوات لاحقاً، سيكون المسبب له هو ترامب، وليس شعبية بايدن، على أن تستمر تأثيراته السلبية على الحزب الجمهوري إلى ما بعد هذه الانتخابات. ويحصد الديمقراطيون حتى الآن تقدماً وسط النساء والناخبين الشباب والأقليات، وبإمكان تطلعاتهم السياسية أن تلقى دفعاً قوياً إذا ما تمكنوا من تثبيت قوتهم وأفضليتهم لدى كبار السن، الذين يبدو أنهم من المشاركين الأساسيين في التصويت المبكر بسبب خشيتهم من كورونا. في المقابل، يخشى من تراجع حظوظ بايدن في بنسلفانيا الحاسمة، إثر تصريحات له خلال المناظرة أظهرت تباعداً بينه وبين قطاع النفط، لكنه عاد وأوضح لاحقاً أنه يدعم الانتقال من مرحلة المساعدات الفيدرالية لقطاع النفط، وليس الابتعاد عن هذا القطاع، كما يروج منافسوه.

شرّعت ولايات عدة التصويت المبكر، أو سهّلت إجراءاته

إلى ذلك، أظهرت دراسة مستقلّة، نُشرت أول من أمس الأحد، أنّ نسبة الاقتراع المُبكر أو عبر البريد في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، باتت أعلى ممّا كانت عليه قبل 4 سنوات، وقال "مشروع الانتخابات الأميركيّة" إنّه، حتّى يوم الأحد، كان هناك أكثر من 59 مليون ناخب قد أدلوا بأصواتهم، مقارنة بـ57 مليون ناخب صوّتوا بالاقتراع المُبكر أو عبر البريد في عام 2016. وهذه الزيادة سببها مخاوف هؤلاء من الإدلاء بأصواتهم شخصيّاً في غمرة أزمة كورونا، أو بسبب القلق من إمكان حصول صدام انتخابي بين ترامب وبايدن. وأحرزَ الديمقراطيّون، الذين يحضّون على التصويت المُبكر، تقدماً في عدد الأصوات المدلى بها حتّى الآن (13.1 مليون ديمقراطي أدلوا بأصواتهم حتى الآن، مقارنة بـ7.4 ملايين جمهوري في الولايات التي تحتفظ ببيانات حزبية للناخبين). لكن من غير الواضح ما إذا كان ممكناً اعتبار ذلك مؤشّراً إلى ما قد تكون عليه النتيجة النهائية، إذ يتوقع أن يُدلي كثير من الناخبين الجمهوريين بأصواتهم في يوم الاقتراع. كذلك من المتوقع أن يدلي أكثر من 150 مليون أميركي بأصواتهم، في النهاية، ما يتخطى أعلى معدل تصويت رئاسي في الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن. وكانت المنافسة بين الجمهوري ويليام هوارد تافت والديمقراطي ويليام جينيغز برايان قد سجلت نسبة تصويت بلغت 65.7 في المائة في 1908.
ويتخطى أكثر من 257 مليون أميركي سن الـ18، وبحسب مايكل دوغلاس، الأستاذ في جامعة فلوريدا، ومدير "مشروع الانتخابات الأميركية"، فإن حوالي 240 مليون مواطن أميركي يحق لهم التصويت هذا العام. وكما نقل عنه موقع "يو أس آي توداي"، فإن من الممكن أن يصوت 85 مليون أميركي قبل يوم الاقتراع، على أن يسجل تصويت 150 مليوناً بالإجمال، أي مع انتهاء التصويت مساء 3 نوفمبر، ما يعني تصويتاً يقدر بـ62 في المائة. وكانت قد سجلت أعلى نسبة تصويت خلال نصف قرن حين تنافس كل من أوباما وجون ماكين في العام 2008 (61.65 في المائة). وحصدت منافسة ترامب - كلينتون نسبة 60.1 في المائة.
وفيما كانت الخشية قبل أشهر في الولايات المتحدة من عدم القدرة على إجراء الانتخابات في موعدها بسبب ظروف الوباء، فإن حدة الاستقطاب بين الفريقين المتنافسين أدت إلى ارتفاع وتيرة التصويت المبكر، وإلى إمكانية التنبؤ بمعدل عالٍ للتصويت هذا العام. لكن عاملاً رئيسياً أيضاً لعب دوره في هذا الإطار، ألا وهو أن عدداً كبيراً من الولايات قد غيرت قوانينها منذ 4 سنوات، مشرعة التصويت المبكر، أو متبنية قوانين جديدة تسهله، ما دفع الناخبين للاستفادة من ذلك، وتحديداً التصويت عبر البريد.
وتبقى ورقة ترامب الأساسية هي الدعم الذي يحظى به لدى الناخبين البيض غير المتعلمين. وبحسب آخر إحصاء لجامعة "كوينيبياك"، فإن ترامب يتقدم على بايدن في نسبة التأييد التي يحظى بها لدى الرجال البيض (57 في المائة مقابل 36). ولا يزال الرئيس قادراً على الفوز إذا تمكن من الحفاظ على "منطقة الصدأ"، وتحديداً فلوريدا وأريزونا، بالإضافة إلى ضرورة فوزه في كارولينا الشمالية، وواحدة من الولايات الكبرى في ما يعرف بـ"الجدار الأزرق" الديمقراطي، والتي فاز فيها في 2016، أي بنسلفانيا أو ميتشيغن أو ويسكونسن. كما أنه من المتوقع أن يغدق الأموال خلال الأسبوع الحالي، في ولايتي نيوهامشير ومينيسوتا. أما طريق بايدن إلى الفوز فأسهل، إذ إنه إذا فاز بفلوريدا وحدها، فيعني ذلك أن ترامب قد خسر، كما أن حظوظ الديمقراطيين سوف ترتفع كثيراً إذا استطاع مرشحهم انتزاع كارولينا الشمالية أو أريزونا أو جورجيا. كما أنه يتقدم في أوهايو وأيوا، اللتين خسرهما الحزب الأزرق في 2016. كما أنه لا يزال بإمكان بايدن إلحاق الهزيمة بمنافسه، حتى لو خسر هذه الولايات الست، بالفوز بميشيغن وويسكونس وبنسلفانيا.

المساهمون