ذكرى اقتحام الكونغرس... أربع سنوات من ليّ الحقائق

06 يناير 2025
أحد المقتحمين يحمل علم ترامب، 6 يناير 2021 (وين ماكنامي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في 6 يناير 2021، اقتحم أنصار ترامب مبنى الكونغرس احتجاجاً على نتائج انتخابات 2020، مما أدى إلى انقسام سياسي حاد ومحاولات فاشلة لإدانة ترامب تشريعياً.
- بعد أربع سنوات، ترشحت كامالا هاريس ضد ترامب في انتخابات 2024، وسط توترات ومحاكمات لترامب، وفاز ترامب في النهاية، مما يعكس استمرار الانقسام السياسي.
- جهود تخليد ذكرى الاقتحام تعثرت بسبب التأخير الجمهوري، بينما يقلل ترامب وأنصاره من حجم الأحداث، مما يعكس الانقسام المستمر حول تفسيرها وتأثيرها على الديمقراطية.

قبل أربع سنوات من اليوم، في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021، اقتحم أنصار الرئيس المنتهية ولايته في ذلك الحين دونالد ترامب الكونغرس الأميركي، في خطوة غير مسبوقة في التاريخ الأميركي طوال أكثر من 250 عاماً، اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، في إطار سعيهم لوقف التصديق على النتائج وفوز جو بايدن على منافسه ترامب، استجابة لمزاعم الأخير بأن الانتخابات "سُرقت". يوم اقتحام الكونغرس الأميركي، تصدرت وسائل الإعلام صور مجموعة من الأشخاص يلوّحون بأعلام تحمل اسم ترامب ويرتدون قبعات كتب عليها شعار حملته الانتخابية، حينها، "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، ويتجولون وينهبون داخل مبنى الكونغرس. أطلق عدد من المتظاهرين في ذلك اليوم دعوات لقتل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ونائب الرئيس مايك بنس، آنذاك، فيما شهدت الواقعة مقتل أربعة أشخاص من المشاركين بالاقتحام، وخمسة من عناصر الشرطة، توفوا متأثرين بإصابتهم، كما جرح 150 من عناصر شرطة مبنى الكابيتول.

طبعت حادثة اقتحام الكونغرس الحياة السياسية الأميركية على مدى الأشهر والسنوات اللاحقة، كان الانقسام تجاهها العنوان الأبرز. وعلى الرغم من أن من بين تداعياتها كانت محاكمة 1250 شخصاً متورطين بالاقتحام على مدى السنوات الماضية وجرى ربط بعضهم بمجموعات يمينية متطرفة، لكن محاولة الديمقراطيين، في فبراير/ شباط 2021، إدانة ترامب تشريعياً، بما يؤدي لحرمانه من الترشح للرئاسة أو العمل السياسي مستقبلاً، فشلت، إذ إن الإدانات الجمهورية لـ"التمرد" لم تترجم خطوات إجرائية ضد ترامب، ما أتاح له الترشح مجدداً في رئاسيات 2024، ليشهد اليوم، وبعد أربع سنوات، التصديق من داخل الكونغرس على فوزه بينما تستمر محاولاته، بدعم من المشرعين الجمهوريين، لطمس الشواهد على الاقتحام وتحويلها إلى ذكرى منسية برواية مغايرة لما حدث على قاعدة أن "التاريخ يكتبه المنتصرون".

هاريس ستترأس جلسة الكونغرس للتصديق على نتائج انتخابات 2024

وفي الاجتماع الأول للمجمع الانتخابي منذ أحداث 6 يناير 2021، وواحدة من آخر المهام التي ستنفذها قبل مغادرتها منصب نائب الرئيس، ستترأس كامالا هاريس، منافسة ترامب في الانتخابات الأخيرة، الكونغرس الأميركي لفرز أصوات المجمع الانتخابي والتصديق على النتائج بفوز منافسها دونالد ترامب، علماً أن الحملة الانتخابية للمرشحين الاثنين، لا سيما بعد دخول هاريس السباق عقب انسحاب بايدن لصالحها في يوليو/ تموز الماضي، شابها العديد من المشاهد التي لن ينساها الأميركيون، من قبيل محاكمات ترامب بجرائم فيدرالية وجنائية من بينهما محاولة قلب نتائج انتخابات 2020، مروراً بتبادل الانتقادات والاتهامات، وتعليقات ترامب المهينة والشعبوية بحق منافسته، وصولاً إلى خسارة هاريس، في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولايات رئيسية كانت من حصة الديمقراطيين. وسيتندر الجمهوريون كثيراً على هذه اللحظة التاريخية التي قد لا تتكرر كثيراً، خصوصاً في ظل حالة الانقسام داخل المجتمع والحياة الأميركيين، إلى جانب الشعبوية التي أحياها ترامب وصارت عصباً رئيسياً في السياسة على مدار السنوات الماضية.

طمس الشواهد على اقتحام الكونغرس

عقب عملية اقتحام الكونغرس الأميركي، أعلن مسؤولون أنه سيُحتفظ بالأبواب والنوافذ المحطمة للتذكير بالواقعة، إلا أنه اليوم وبعد أربع سنوات، تبدو تلك النوافذ والأبواب مستبدلة. كذلك أمر الكونغرس، في مارس/ آذار 2022، بوضع "لوحة تكريم تتضمن أسماء جميع ضباط مبنى الكابيتول وإدارة شرطة العاصمة وغيرها من وكالات إنفاذ القانون التي استجابت للعنف في مبنى الكونغرس في 6 يناير 2021"، وذلك كجزء من قانون التمويل الحكومي الشامل بقيمة 1.5 تريليون دولار الذي وافق عليه مجلس الشيوخ حينها. وكان من المقرر أن يتم الانتهاء من اللوحة بحلول مارس 2023، ووضعها بشكل دائم على الجهة الغربية للكونغرس، المكان الأشهر للاقتحام والاشتباكات، غير أنه حتى الآن لم يتم إعداد أي لوحة. وكانت شبكة إن بي سي نيوز الأميركية قد نقلت عن مصدرين ديمقراطيين وآخر جمهوري، في مايو/ أيار الماضي، أن الجمهوريين في مجلس النواب هم المسؤولون عن هذا التأخير.

تعد حادثة اقتحام الكونغرس واحداً من أهم الأحداث في التاريخ الأميركي

تعد حادثة اقتحام الكونغرس الأميركي واحداً من أهم الأحداث في التاريخ الأميركي، فهي المرة الأولى في التاريخ التي يقتحم فيها الآلاف الكونغرس، الذي يضم مجلسي الشيوخ والنواب ويطلق عليه اسم "بيت الأمة الأميركي" أو "بيت الشعب". يصف الديمقراطيون يوم السادس من يناير 2021 بـ"التمرّد"، وبأنه هز أسس الديمقراطية الأميركية، مقابل ما تعتبره الرواية الجمهورية، من خلال مواقفها، أن الواقعة "لم تحدث أبداً". فقد عبّر السيناتور الديمقراطي عن ولاية فيرمونت بيتر ويلش، بمناسبة الذكرى الرابعة لاقتحام الكونغرس، عن حزنه بسبب هذا الانقسام. ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، أول من أمس السبت، عنه قوله إن "الفائزين يكتبون التاريخ. ترامب فاز، وروايته هي أن التجمع كان سلمياً، رغم أنه من الواضح أن هذا غير صحيح تماماً"، مندداً برغبة ترامب بالعفو عن "مثيري الشغب".

صدرت أحكام بالسجن ضد أكثر من 460 شخصاً ضالعين بالاقتحام

في السنوات الثلاث التي تلت الهجوم على مبنى الكابيتول، اتهم المدعون الفيدراليون أكثر من 1265 شخصاً في جميع الولايات الخمسين تقريباً والعاصمة، وأصدروا أحكاماً بالسجن على أكثر من 460 شخصاً، وفقًا للأرقام الصادرة حديثاً من مكتب المدعي العام الأميركي في العاصمة، وفق "واشنطن بوست". ونقلت الصحيفة نفسها عن السيناتور الجمهوري السابق مايك براون، الذي انتخب أخيراً حاكماً لولاية إنديانا، قوله إن كثيرين في الحزب الجمهوري يعتقدون أن "وزارة العدل جرى استخدامها بشكل غير متناسب ضد بعض مثيري الشغب". وأضاف أن عدداً كبيراً من المشرعين الذين كانوا في المبنى أثناء اقتحامه يريدون حالياً المضي قدماً والابتعاد عن ذكرى هذا الحادث، مشيراً إلى أن هناك انقساماً بشأن هذه القضية وأن الحل هو مجرد المضي قدماً.

نجاة ترامب من الإدانة

كانت الإدانة الجمهورية لعملية اقتحام مبنى الكابيتول رائجة وشعبية عقب اقتحام الكونغرس الأميركي في العاصمة، بدءاً من زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، مروراً بزعيم الجمهوريين في مجلس النواب، بكيفين مكارثي، ومشرعين بارزين مثل السيناتور ليندسي غراهام. تحوّل الموقف تماماً إلى النقيض خلال محاولة الديمقراطيين في فبراير/ شباط 2021 إدانة ترامب تشريعياً، بما يؤدي لحرمانه من الترشح للرئاسة أو العمل السياسي مستقبلاً. وصوت حينها سبعة جمهوريين فقط لصالح الإدانة في مجلس الشيوخ بجانب 50 عضواً ديمقراطياً، ما أدى لفشل القرار الذي كان يحتاج إلى ثلثي أعضاء المجلس (67 صوتاً). خرج ترامب آنذاك عقب التصويت فائزاً، إذ لم يخسر فرص الترشح الرئاسي، فيما عارض معظم المسؤولين الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ إجراءات مساءلته، إما خوفاً من قاعدة ترامب أو رغبة في عدم منح الديمقراطيين انتصاراً على رئيس جمهوري.

وتلقى من انشق عن الصفوف انتقادات حادة، ثم لاقى معظمهم فيما بعد ما يمكن اعتباره حصاد وقوفهم بوجه الرجل الذي سيغير، لاحقاً، شكل وجوهر الحزب الجمهوري بشكل لم يسبق له مثيل طوال الأربعين عاماً الماضية. من بين هؤلاء مايك بنس، الذي انسحب من السباق الرئاسي في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأعلن لاحقاً أنه لن يؤيد ترامب في الانتخابات الرئاسية. وكان بنس قد رفض حين كان نائباً لترامب، وبصفته رئيساً لمجلس الشيوخ، تعليمات ترامب بإرجاء أو تعليق التصديق على نتيجة انتخابات 2020، في حين هتف بعض مثيري الشغب خلال اقتحامهم مقر الكونغرس "اشنقوا مايك بنس".

طوال حملته الانتخابية الرئاسية الأخيرة، واصل ترامب ترديد الادعاءات حول سلمية اقتحام الكونغرس، وحول نيته العفو عن معظم مقتحميه، بينما كان الديمقراطيون ينبهون إلى خطر عودة ترامب إلى البيت الأبيض، والذي توجه إلى مؤيديه في خطابه الشهير يوم 6 يناير 2021 محرضاً إياهم على رفض نتيجة فوز بايدن، بالقول "لنقاتل مثل الجحيم، وإذا لم نقاتل مثل الجحيم، فلن يكون لديك بلد بعد الآن". نُسيت تلك الواقعة إلى حد ما يوم الخامس من نوفمبر الماضي، إذ صوتت قاعدة ترامب الرئيسية له، وصوت الجمهوريون له، ومنحه مستقلون ومحايدون بطاقة الفوز غير عابئين بالصرخات التي تحذر من مخاطر عودته على الديمقراطية وعلى الأمن القومي. وحصل ترامب على 312 صوتاً في المجمع الانتخابي مقابل 226 صوتاً لهاريس، بنسبة نحو 50% مقابل 48%.

الانحياز لمقتحمي "الكابيتول"

يوماً بعد يوم وفي خضم محاكمات مشاركين في عملية الاقتحام، كان هؤلاء يلاقون مزيداً من التعاطف من قبل القاعدة الشعبية من الجمهوريين، التي وضعت كلمة "لكن" كثيراً في إطار حديثها عن ذلك اليوم من تاريخ أميركا. كان ترامب وأنصاره يرفعون شعارات تعتبر أن المتهمين ضحايا بشكل أو بآخر لمؤامرة ديمقراطية تستهدفه شخصياً، وسط ترديد بعض المشرعين كلماته بأن المتهمين "رهائن" يجب الإفراج عنهم. وبينما يواصل الجمهوريون حالياً التقليل من حجم شغب ذكرى ذلك اليوم، وترديد ادعاءات ترامب بأن ما يطلق عليه الديمقراطيون "تمرد ومذبحة" أمر مبالغ فيه، وأن مثيري الشغب هم الضحايا، ويجب الإفراج عنهم، يخطط ترامب للإفراج عن عدد من المتهمين والمدانين بجرائم، والبالغ عددهم 1250، دعا بعضهم إلى قتل بيلوسي وبنس، كما حمل بعضهم أسلحة، ومواد كيميائية، وأعلام الكونفيدرالية أثناء نهبهم مبنى الكابيتول ومطاردة المشرعين، جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء.

المساهمون