قدّم قائد الحرب الأميركية في العراق بعد سقوط حكم البعث واحتلاله، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) الأسبق ديفيد بترايوس نصائحه للمسؤولين الإسرائيليين، السياسيين والعسكريين، حول الحرب على غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، محذراً الإسرائيليين، في السياق ذاته، من تكرار الأخطاء نفسها التي وقع فيها الأميركيون خلال احتلالهم العراق.
ونشرت وكالة مهر للأنباء الإيرانية تسجيلاً وصفته بـ"سري للغاية"، يقدم فيه بترايوس نصائح عسكرية وسياسية للإسرائيليين، وقالت إنه خطاب ألقاه خلال اجتماع مغلق وسري بين النخب السياسية العسكرية الأميركية والإسرائيلية، من ضمنهم رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق أفيف كوخافي.
ونصائحه هذه التي يقدّمها بترايوس في ذلك الاجتماع "السرّي" بحسب وكالة "مهر"، التي لم تذكر تاريخ الاجتماع أو مكان انعقاده، تتقاطع مع تحليلاته ونصائحه التي يقدّمها في وسائل الإعلام الأميركية تعليقاً على الحرب الإسرائيلية الجارية حالياً على غزّة.
ويقول الجنرال الأميركي في التسجيل الذي نشرته الوكالة الإيرانية إنه لا يرى خياراً غير تدمير حركة "حماس"، مشدداً على ضرورة تدميرها عسكرياً، بحيث تصبح عاجزة وغير قادرة على تشكيل نفسها من جديد.
وأكد الجنرال المتقاعد بالجيش الأميركي، أن تدمير حماس ينبغي أن يجري بشكل تدريجي بدءاً من شمال غزة، ومن ثم التوسع إلى كامل غزة، لافتاً إلى أن المهمة أمام إسرائيل كبيرة ومعقدة للغاية.
ويرى بترايوس أن الفلسطينيين لن يتعاونوا مع الإسرائيليين ضد حماس، مشدداً على ضرورة أن يدركوا أنهم سيكونون أفضل بدون "حماس" وأن "الحركة هي التي جلبت عليهم هذه الكارثة".
وأشار إلى ضرورة التوضيح بأن إسرائيل ستحكم غزة بعد الحرب لفترة قصيرة، لافتاً إلى أهمية أن يعرف الجميع بأن إسرائيل لا تريد احتلال غزة مرة أخرى.
وتطرق بترايوس، في سياق حديثه، إلى تجربة الأميركيين في العراق، وكيف أخفقوا في التعامل مع "وضع ما بعد الحرب"، مشيراً إلى أن الأميركيين ركزوا على العمليات القتالية، وفي الوقت نفسه اتخذوا قرارات غبية، مثل تسريح العسكريين، وتعطيل المستويات الإدارية، وترك العراق من دون أي اتفاق للمصالحة، محذراً الإسرائيليين، في السياق ذاته، من تدارك تلك الأخطاء.
وأضاف "الناس يتساءلون كثيراً عن مستقبل الفلسطينيين في غزة؟ في رأيي، يجب أن نعترف أن إسرائيل ستحكم غزة لفترة قصيرة من الزمن، وأنه لا أحد يريد احتلالها مرة أخرى. أعلم أن هناك تحديات في هذا الأمر، لكنني لا أتوقع أن تظهر إلى الواجهة جهة (بديلة) موثوقة وقادرة، يجب أن نتذكر ذلك لأنه إذا أرسلتم قواتكم لقتل جيش حماس والجهاد، أو كما تتحدثون في أهدافكم حل فرعها السياسي، فمن سيدير (غزة)؟".
وتابع "ما أعرفه أن الإدارة لا تتعلق فقط بتوزيع المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، ولا تتعلق ببدء إعادة الإعمار، ولا تتعلق بإنشاء المدارس والأسواق والعيادات، بل يجب أن يُنظر إليها على أنها حملة لمكافحة التمرد، ولهذا السبب، عند تنفيذ عمليات الاستقرار، ينبغي اتخاذ تدابير قائمة على المعلومات، لضمان عدم تمكن الجهاد الإسلامي وحماس من إعادة بناء نفسيهما من ضمن عناصرهما التي ستتمكن من البقاء بدون شك".
"العربي الجديد" ينشر هنا النص الكامل لحديث بترايوس:
في رأيي أنه لا يوجد بديل غير تدمير حماس، وأنا أستخدم هذا المصطلح خاصة (تدمير) لأنه، كما يعلم (رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي) أفيف كوخافي أيضاً، هناك مصطلح في العقيدة العسكرية اسمه "التدرج"، كما تعرفون: بإمكانكم التعطيل، والحرمان، والهزيمة والتدمير؛ في رأيي (حماس) يجب تدميرها، والتدمير يعني في المصطلحات العسكرية أن تجعل العدو غير قادر على تحقيق مهمته من دون إعادة بناء نفسه. وضعوا في الاعتبار أن المهمة كبيرة للغاية؛ بالنسبة لليوم التالي (ما بعد الحرب) في عملية إدارة غزة.
وأعتقد أن الرؤية التي يجب أن يعلنها في نهاية المطاف رئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي وغيرهما من مساعديه، هو توضيح أنهم يعتزمون القيام بتدمير حماس والجهاد الإسلامي. وبعد ذلك عليهم أن يوضحوا سياق الأمر وأنه لا يوجد بديل لذلك. أنا متأكد من أن أفيف كوخافي سيوافق أيضاً على أن هذا العمل يجب أن يجري بشكل تدريجي ومنهجي، بدءاً من شمال مدينة غزة، ولكن في النهاية مع مرور الوقت يجب أن يجري ذلك في كامل أراضي غزة. إذا حدث التدمير حقاً في مكان ما، بالطبع سيتبقى هناك فلول من حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وستبحث عنهم إيران وتحاول تمكينهم من العودة مرة أخرى، ولذلك لا بد أن أشدد على ذلك خلال حديثي.
في رأيي، ينبغي التوضيح كيف سيجري تنفيذ هذا الإجراء مع التركيز على "Purity of Arms"، وهي المصطلحات الإسرائيلية لاتفاقيات جنيف، وقوانين الحرب البرية. ولا بد من التأكيد على أن الكثير من الناس أصبحوا قلقين للغاية بشأن المدنيين الفلسطينيين. يجب أن نظهر للجميع أنه خلال المعارك والحروب فإن الجنود الإسرائيليين يبذلون جهداً كبيراً لحماية المدنيين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأعداء من الممكن أن يعملوا أي شيء على سبيل المثال: لا يرتدون الزي العسكري ويختبئون بين المدنيين وينفذون عمليات انتحارية، أو من الممكن أن تكون هناك عبوات ناسفة، أو مفخخات، وسوف يجري تفجير الغرف، والمباني، إلخ... يجب أن يتم التعامل مع ذلك بشكل منهجي ويجب أخذ الحيطة والحذر، والتأكيد على هذه المسألة بشكل واضح.
وكما يعلم أفيف كوخافي أيضاً، إذا قمت بتطهير مبنى واحد وانتقلت إلى المبنى التالي دون نشر عدد من القوات في الموقع السابق، فإن العدو سوف يتسلل من ورائكم ويحرف المعركة بمقدار 360 درجة، لذلك أؤكد مرة أخرى أن هذا العمل يجب أن يجري بشكل منهجي للغاية وصبر في مناطق مختلفة؛ ويجب أن أذكّر أيضاً بأنه في أقرب وقت ممكن، عندما يتم تأمين أمن منطقة بشكل معقول، يجب البدء في إعادة الإعمار، ويجب إظهار النية بالبدء بالتعويض عن الدمار والأضرار، وهو ما يقود إلى أمر آخر مهم، وهو الإيضاح كيف ستكون الحياة بالنسبة لسكان غزة. وفيما يتعلق بسكان الضفة الغربية، فإنهم يتضررون من القضايا السياسية الداخلية، وعلى إسرائيل أن تجعل الأوضاع مثالية بعض الشيء. واسمحوا لي أن أقول مرة أخرى إنه عندما قمنا بعملياتنا للتخلص من القاعدة في العراق، وبعد ذلك تنظيم داعش، طلبنا من العرب السنة مساعدتنا في هذا الأمر، لكننا بالطبع لا نتوقع أن يساعدنا الفلسطينيون ضد حماس، لكن على الأقل يمكن أن نطلب منهم عدم مساعدة حماس والابتعاد عنها، وأن نوضح لهم أن الحياة ربما ستكون أفضل بدون حماس، وأن حماس هي التي جلبت عليكم هذه الكارثة، ومن هذا القبيل.
وأؤكد مرة أخرى أن الناس يتساءلون كثيراً عن مستقبل الفلسطينيين في غزة؟ في رأيي، يجب أن نعترف أن إسرائيل ستحكم غزة لفترة قصيرة من الزمن، وأنه لا أحد يريد احتلالها مرة أخرى. أعلم أن هناك تحديات في هذا الأمر، لكنني لا أتوقع أن تظهر إلى الواجهة جهة (بديلة) موثوقة وقادرة، يجب أن نتذكر ذلك لأنه إذا أرسلتم قواتكم لقتل جيش حماس والجهاد، أو كما تتحدثون في أهدافكم حل فرعها السياسي، فمن سيدير (غزة)؟ ما أعرفه أن الإدارة لا تتعلق فقط بتوزيع المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، ولا تتعلق ببدء إعادة الإعمار، ولا تتعلق بإنشاء المدارس والأسواق والعيادات، بل يجب أن يُنظر إليها على أنها حملة لمكافحة التمرد، ولهذا السبب، عند تنفيذ عمليات الاستقرار، ينبغي اتخاذ تدابير قائمة على المعلومات لضمان عدم تمكن الجهاد الإسلامي وحماس من إعادة بناء نفسيهما، من ضمن عناصرهما التي ستتمكن من البقاء بدون شك.
وبطبيعة الحال، لا بد من أن تكون كل العناصر (سابقة الذكر) واضحة، حتى يكون القادة الإسرائيليون على إدراك بالحقائق، وأستطيع القول بكل صراحة إننا خلال حرب العراق لم نول الاهتمام الكافي ولم نكتشف تلك المشاكل، وفي مراحل تخطيطنا لمرحلة ما بعد الحرب، كان هناك قصور بشكل عام. ولهذا السبب، اتُّخذت قرارات غبية وغير بناءة حقا، ما أدى إلى اصطفاف مئات الآلاف ضد "العراق الجديد" بدلاً من دعمه. على سبيل المثال، قمنا بطرد العسكريين من دون أن نخبرهم كيف سوف يتمكنون من إعالة أسرهم، وعطلنا المستويات الإدارية، وأصبحنا في حاجة إلى عشرات الآلاف من الناس لإدارة البلاد، وتركنا العراق من دون أي اتفاق للمصالحة.
في وقت الهجوم على العراق، لم ننتبه ولم نكتشف المشاكل. وفي مراحل تخطيطنا لفترة ما بعد مرحلة الاضطراب، كان هناك قصور بشكل عام لأننا كنا نركز على العمليات القتالية بشكل أساسي؛ هذه رؤيتي الشخصية، كمسؤول (حينها) كان موجوداً ويعمل في الميدان.