بعد التهميش الأميركي.. دعوات لتزخيم دور ألمانيا من أجل "أوروبا ذات سيادة"

11 يناير 2022
يدعو محللون ألمانيا لدعم مبادرة فرنسا حول أوروبا ذات سيادة (Getty)
+ الخط -

مع تصاعد الصراع في شرق أوكرانيا، تداول الجانبان الأميركي والروسي، أمس الإثنين، في جنيف، ملامح نظام أمني لأوروبا، وذلك بعد أن أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للأوروبيين أنه لا يعتبرهم ممثلين في ما سيتم مناقشته، بخصوص إعادة تحديد مناطق النفوذ بين روسيا والغرب، معتمداً بذلك على الطرف الأميركي.

ويبقى القليل من العزاء للاتحاد الأوروبي، في أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، سعت لجعل الحوار بين القوتين الأميركية والروسية متعددة الأطراف، خلال اجتماع مجلس حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي سينعقد، غداً الأربعاء، في بروكسل، ومع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الخميس، في فيينا.

وبخصوص ذلك، يؤكد الباحث السياسي، ماركوس كايم، في حديث لصحيفة "دي تسايت" الألمانية، اليوم الثلاثاء، أنّ "على المرء أن يتعلم أشياء جديدة حول السياسة الخارجية لإدارة بايدن، وهي التي وافقت على المحادثات من دون الأوروبيين، وهذا كان بمثابة تنازل لروسيا، وأعطت عن غير قصد لمخاوفها وزناً سياسياً وشرعية، وهو ما يقلق الحلفاء في الناتو الذين توجسوا من تخلي الولايات المتحدة عنهم لصالح أولويات أخرى".

ويرسل اجتماع جنيف "رسالة قاتلة"؛ لأنّ الروس والأميركيين يتفاوضون حول أحجار الزاوية في هيكل الأمن الأوروبي المستقبلي، ويتم استشارة الأوروبيين بشكل هامشي فقط من قبل الولايات المتحدة، و"هذا يذكّرنا، بحسب كايم، بهيكل العلاقة الأمنية عبر الأطلسي، خلال الصراع بين الشرق والغرب، ويتناقض مع إعلان بايدن، في بداية فترة ولايته، بأنه سيعتمد على التعددية"، مشدداً على أنه "إذا ما أراد الأوروبيون أن ينظر إليهم على أنهم قوة جيوسياسية، لا لعبة للقوى العظمى المتنافسة، فعليهم تمثيل مصالحهم بشكل أكثر قوة، ورفع الصوت قد يكون بداية من حلف الناتو".

وأخيراً تذهب صحيفة "دي تسايت" الألمانية، إلى أنّ السياسة الروسية الخارجية "ليست مفاجئة هذه الأيام، والرئيس بوتين يرى نفسه زعيماً لقوة عالمية على قدم المساواة مع الرئيس بايدن، ولا تلعب دول أوروبا أي دور في خططه الخاصة بالقوة العظمى".

ولا ينطبق الأمر، وفق الصحيفة، على الاتحاد الأوروبي فحسب، بل ينطبق أيضاً على حلف الأطلسي. وهنا تبرز الصحيفة أنّ زعيم الكرملين كان قد ناقش بالفعل مطالب روسيا بإنهاء توسع "الناتو" مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في نية لجذب تركيا إلى جانبه، وجعل الإجماع في "الناتو" أكثر صعوبة.

وتشير الصحيفة إلى أنه "يبدو واضحاً أنّ هذه المحادثات سيكون لها معنى رمزي فقط، لأنه، وفي السياسة الأمنية، لا ثقل كافياً للاتحاد الأوروبي، وهو أضعف من أن يسمع".

أما صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية، فذهبت إلى أنه على ائتلاف "إشارات المرور" الحكومي الألماني، أن يثبت جدية أهدافه السياسية الخاصة بأوروبا، خلال رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي، ودعم مبادرتها من أجل "أوروبا ذات سيادة"، لا سيما أنّ اتفاقية التحالف نصّت على الالتزام بسياسة أوروبية طموحة، وعلى مسؤولية ألمانيا تجاه أوروبا والعالم.

كما أنّ التحالف تعهد بضمان أن يتم تحديد المصالح الألمانية في ضوء المصالح الأوروبية، وأن يستتبع ذلك بأفعال تنصف الحقائق والاحتياجات السياسية لأوروبا، وتقديم دعم أكبر للقوات المسلحة الألمانية، وتعزيز التكتل الأوروبي من أجل وضعه ضمن إطار يسمح له باستخدام استراتيجية مزدوجة للتعاون والدفاع، ليصبح أكثر قدرة وفعالية وذا مصداقية.

وتابعت الصحيفة، أنه "إذا انسحبت الولايات المتحدة من مشاركتها الدفاعية في ظل الإدارة الحالية من أوروبا، فيجب أن يكون هناك دفاع أوروبي أقوى، وأن تكون أوروبا أكثر سيادية عسكرياً، من أجل أن يكون الاتحاد الأوروبي أكثر استقراراً وقدرة من الناحية الاستراتيجية"، وهذا ما يتطلب وفق الصحيفة، "تعاونا بين الجيوش الوطنية فيما يتعلق بالتدريب والمهارات والعمليات وتعزيز المعدات، لتصبح هياكل القيادة المشتركة هدفاً مرحّباً به".

وشددت الصحيفة على مسؤولية المانيا الكبيرة، لكونها أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي، ولذلك "عليها تشكيل المستقبل مع جميع الشركاء الأوروبيين أو أولئك الذين على استعداد للقيام بذلك".

وتبرز مختلف تعليقات الصحف الألمانية، أنّ معظم المقترحات الروسية تعكس نهضة تفكير القوى العظمى ذات الدوافع الجيوسياسية، بينما يبدو أنّ الأوروبيين قد نسوا الاستنتاجات التي تم التوصل إليها في عهد دونالد ترامب، إذ لا يمكن لأوروبا الاعتماد ببساطة على قيادة الولايات المتحدة، بل يجب العمل بجدية أكثر، وبطريقة أكثر شمولاً واستقلالية من ذي قبل، من أجل مصالحها الأمنية، رغم الأصوات والمصالح المتعددة والمختلفة لدى أعضائها.

كما تحذر هذه التعليقات، من أنّه بدون التنسيق المناسب لمواقف السياسة الخارجية، هناك خطر المزيد من تهميش السياسة الأمنية في أوروبا، سيما وأنه بات معروفاً أنّ موسكو تطالب بمعاهدة تضمن إعادة "الناتو" لبنيته التحتية العسكرية في أوروبا الشرقية عام 1997، والذي تم فيه إبرام قانون التأسيس بين الحلف وروسيا.

المساهمون