دراسات الجدوى وأداء الحكومة المصرية: هل يشملها الحوار الوطني؟

05 نوفمبر 2022
كلف مشروع العاصمة الإدارية 59 مليار دولار (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

حالة من الجدل تصاعدت أخيراً في الأوساط السياسية المصرية، بشأن تجاهل دراسات الجدوى، سواء الاقتصادية أو الفنية، للكثير من المشاريع التي نفذت على مدار السنوات القليلة الماضية.

يأتي ذلك على ضوء التصريحات الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مشاركته في احتفال اتحاد الصناعات المصرية بمئويته، والتي كرر خلالها ما قاله عام 2018، حول عدم أهمية دراسات الجدوى في الكثير من المشاريع الاقتصادية، بالإضافة إلى الفشل الذريع الذي أصاب الكثير منها، بعد أن كلفت خزينة الدولة المصرية عشرات المليارات، مثل مشروع مدينة الأثاث بمدينة دمياط للأثاث باعتراف السيسي نفسه، في وقت يعاني فيه الاقتصاد أزمة سيولة حادة، اضطرت على إثرها الحكومة لتعويم العملة المحلية أكثر من مرة، كان آخرها نهاية الشهر الماضي.

وتصاعدت دعوات قوى سياسية، محسوبة على ما يطلق عليه تيار القوى المدنية، خاصة من الرموز المحسوبة على معسكر "30 يونيو"، الذين عادوا إلى علاقتهم بالنظام، ووافقوا على الانخراط في "الحوار الوطني"، الذي دعا له السيسي، لعقد مؤتمر خاص، حول هذا المحور بالذات، أو تضمين الحوار بنداً أساسياً حوله.

نائب مصري: يجب تشكيل لجنة من متخصصين وخبراء مشهود لهم بالكفاءة لإعادة دراسة جدوى المشاريع

وربما تستبق الدوائر السياسية المقربة من السلطة، هذه الدعوات، باستغلال مؤتمرات سياسية حزبية لجس النبض، وقياس ردود الأفعال في الشارع المصري، على قرارات سياسية تتعلق بمراجعة قرارات اقتصادية، وربما سياسية، وبحث إمكانية التراجع عنها. وفي هذا الإطار، فقد يلعب مجلس الشورى، الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، إذا جرى الاستقرار على تبنيه، في مستويات سياسية رفيعة.

دراسات الجدوى محور مناقشات المسؤولين

حالة الجدل المرتبطة بعدم إيمان صانع القرار المصري بأهمية دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية للمشروعات العملاقة، لا تقتصر على المتخصصين والخبراء فقط، فقد بات الأمر بمثابة محور ثابت في مناقشات المسؤولين في عدد من الأجهزة، التي تشرف بطبيعة عملها، على الكثير من المشاريع القومية التي يجري تنفيذها. وتكرر هذا بين مسؤولين تنفيذيين في وزارات الإسكان، والتنمية المحلية، والري.

عضو في مجلس النواب المصري تحدث، لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، قال إن الفترة المقبلة تتطلب دراسة متأنية ووافية، مضيفاً أن هناك حالة من الذهول أصابت الكثيرين بسبب حديث الرئيس مؤخراً عن دراسات الجدوى، واستعجاله لتنفيذ المشاريع. 

وأوضح أنه يجب أن يكون من ضمن مخرجات "الحوار الوطني" الجاري تشكيل لجنة من متخصصين وخبراء مشهود لهم بالكفاءة، تكون مهمتهم إعادة دراسة الجدوى الخاصة بالمشاريع الجاري تنفيذها في الوقت الراهن، وتأجيل تلك التي لن تحقق عوائد سريعة على الأقل في غضون خمس سنوات.

ووفقاً لمعلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فقد كانت هناك مناقشات موسعة بين المتخصصين بهيئة الإسكان، التي يتبع لها، قبل الشروع في تنفيذ الكثير من المشاريع الجارية المتعلقة بالإسكان. وكانت هناك ملاحظات بتأجيل بعض المشاريع لعدم جدوى تنفيذها في الوقت الراهن، وأنها ربما تكون مفيدة في مرحلة لاحقة، والمثال على هذا مشروع توسعة الطريق الدائري القديم، حيث كانت هناك أطروحات متعددة بشأن إعادة هيكلته، في ظل ارتفاع تكلفة المشروع بصورته التي تم تنفيذها، نظراً لحجم التعويضات التي صرفت لأصحاب العقارات التي أزيلت لصالح عملية التوسعة.

ورغم الملاحظات الفنية التي جرى تقديمها خلال اجتماعات ضمت ممثلي العديد من الجهات، جاء الرد بأن مستوى القيادة العليا في الدولة اطلع على التصور، ويريده بهذه الصورة في أسرع وقت ممكن. أما في وزارة التنمية المحلية، فقد شهد العامان الماضيان، إنفاقاً ربما يكون غير مدروس في عمليات تجميل بالقرى والمراكز، كان يمكن تأجيلها لمرحلة أخرى، وتلك العمليات على مستوى الجمهورية تكلفت مليارات الجنيهات، في وقت كانت هناك أولويات ملحة كان يمكن توجيه الإنفاق إليها، مثل عمليات الإنتاج والتصنيع.

وقال السيسي، أخيراً، إن "هناك مشروعات تخص منتجات أو مستلزمات إنتاج لا تحتاج إلى دراسات جدوى. سنحتاج لعمل دراسة جدوى لموضوع مهم، لماذا؟ خاصة أننا طرحنا قائمة مشروعات عن منتجات ومستلزمات إنتاج تستوردها مصر من الخارج منذ سنوات. والقائمة لدى وزارتي الصناعة والمالية، وتضم 150 منتجاً". 

وأضاف أن "إعداد دراسة جدوى يكون لمشروع غير محسوب، أو لا أعلم أبعاده جيداً، أو السوق الخاصة به، حتى أعرف فرص النجاح المحتملة له قبل تنفيذه". 

وتابع: "لكن المشروعات المتعلقة بمستلزمات الإنتاج، والمنتجات اللازمة للسوق المصرية، لا تحتاج إلى دراسة جدوى. وتوجد أنشطة واضحة جداً، مثل الخامات الدوائية، والمعدات التي نستوردها من أجل إتمام مبادرة (حياة كريمة) لتطوير الريف. ومشروعات المبادرة ستتكلف تريليون جنيه (الدولار يساوي نحو 26 جنيهاً) تقريباً. وأقول للمستثمر لا تقلق، لأننا نحتاج إلى المنتج الذي ستصنعه".

مشاريع لم تأت بالعائد المنتظر منها

وفتح اعتراف السيسي بشأن فشل أحد المشاريع، وهو مدينة دمياط للأثاث، الباب للإشارة إلى الكثير من المشاريع التي تم تنفيذها، وكلفت خزينة الدولة مبالغ ضخمة، ولم تأت بالعائد المنتظر منها. وكلف مشروع مدينة دمياط للأثاث، في دمياط الجديدة، نحو 3.6 مليارات جنيه مصري، إذ أكد صناع الأثاث في المحافظة، التي تحظى بسمعة عالمية في هذا المجال، عدم قدرتهم على الانتقال للورش والمصانع الجديدة، لأسباب متعددة، أهمها عدم مراعاته لطبيعة تلك الحرفة والعاملين.

الجدل صاحب أيضاً مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، الذي تكلف حتى الآن نحو 59 مليار دولار، وكذلك مشروع تبطين الترع، والذي أكد خبراء أن الجدوى الفعلية له لا تتوافق مع حجم الإنفاق الضخم عليه. وقبل هذه المشاريع كان الجدل الأكبر حول تفريعة قناة السويس الجديدة التي افتتحت عام 2015، خاصة بعد تصريح متلفز للسيسي، في 2016، بأن مشروع قناة السويس كان بهدف رفع الروح المعنوية للشعب المصري.

وتكلفة المشروع بلغت 100 مليار جنيه، منها 64 مليار جنيه قيمة القرض الذي حصلت عليه الحكومة من المدخرين عبر طرح شهادات استثمار، و38 مليار جنيه تكلفة الأعباء المترتبة على القرض، من أسعار فائدة وغيرها. الإنفاق الضخم الذي صاحب مشروع تفريعة قناة السويس، رافقه وعود من الكثير من المسؤولين، الذين كان في مقدمتهم رئيس هيئة القناة وقتها الفريق مهاب مميش الذي وعد بتحقيق المشروع إيرادات تصل إلى مائة مليار دولار سنوياً، وهو ما لم يتحقق.

مطالبات بتأجيل مشاريع جارٍ تنفيذها

ودفع الجدل بعض الخبراء أخيراً للمطالبة بوقف بعض المشاريع الجاري تنفيذها. وقال جودة عبد الخالق، الباحث الاقتصادي ووزير التموين الأسبق، إن المطالبات بوقف المشروعات القومية الكبرى منطقي، لأن مصر تمر بظروف صعبة. 


أكد خبراء أن الجدوى الفعلية لمشروع تبطين الترع لا تتوافق مع حجم الإنفاق الضخم عليه

وأشار إلى أن هذا الأمر يرجع لسببين، الأول خارجي يتعلق بجائحة كورونا وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، وما تلاها من الحرب الروسية الأوكرانية، والثاني داخلي، بسبب السياسات التي طُبقت ونتج عنها تراكم سريع للديون، وأثرت على الوضع المالي للدولة، فأصبح هناك أرقام يجب التوقف عندها.

وأشار عبد الخالق، العضو في مجلس أمناء الحوار الوطني، خلال لقاء نظمته تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ونشرت مخرجاته على حسابها الرسمي بموقع "فيسبوك" أخيراً، إلى أنه في موازنة 2022 ــ 2023 بلغت مدفوعات الفوائد على القروض 650 مليار جنيه، فيما بلغت أقساط الدين العام 967 مليار جنيه. 

وأضاف أنه في ظل المعطيات الحالية نحتاج إلى المزيد من ضبط النفس في عملية الإنفاق وترتيب الأولويات، فهناك جزء من المشروعات القومية التي تنفذ مطلوبة ومفيدة، وجزء آخر يمكن تأجيله.

المساهمون