خيبة أمل في الجزائر لاستبعادها من عضوية "بريكس"

24 اغسطس 2023
خبراء يتحدثون عن مؤشرات وأسباب داخلية جزائرية حالت دون دعوة البلاد إلى الانضمام (Getty)
+ الخط -

أثار إعلان مجموعة "بريكس" لائحة الدول الجديدة المدعوة للالتحاق بالمجموعة خيبة أمل كبيرة في الجزائر، التي استبعدت من الانضمام إلى المجموعة في الوقت الحالي، لكن تقديرات جزائرية تعتبر أن التطور الأخير يفرض "فتح نقاش جدي واستغلال الفرصة للتحلي بواقعية سياسية أكبر في إصلاح الاقتصاد الوطني".  

وفوجئت النخب الجزائرية بقرار "بريكس" دعوة 6 دول، هي السعودية وايران والإمارات ومصر والأرجنتين وإثيوبيا، إلى الانضمام إلى عضوية المجموعة مطلع يناير/كانون الثاني 2024، واستبعاد الجزائر.

وفي أول تعليق رسمي على قرار بريكس، قال وزير المالية لعزيز فايد، في كلمة ألقاها في اليوم الأخير لقمة المجموعة: "لقد أخذت بلادي علما بالقرار الذي أعلن عنه اليوم (الخميس) قادة مجموعة بريكس، والقاضي بدعوة ست دول جديدة لعضوية المجموعة"، مضيفا أن الجزائر "تقدمت بترشحها للانضمام إلى المجموعة من منطلق إدراكها أن خيار التحالف والتكتل هو خيار سيادي واستراتيجي وتنموي".

وعلق فايد على تطلع قادة "بريكس" لفتح المجال في المستقبل القريب لدول أخرى بقوله: "إن قناعتنا تظل راسخة بأن الجزائر بتاريخها المجيد ورصيدها الثري في مختلف المجالات، بالإضافة إلى موقعها الجيوستراتيجي، تقدم لعضويتها مزايا جلية". وذكر بأنها تعول في ذلك على "اقتصادها المتنوع والنمو التصاعدي بفضل طاقة شبابية خلاقة وموارد، تخلق كلها فرصا للتعاون المثمر داخل المجموعة".

بدورها، أعربت قوى سياسية ونخب اقتصادية عن صدمتها من القرار، خاصة أن سقف التوقعات في الجزائر كان مرتفعاً جداً، فيما لم تتضح الدوافع وراء القرار ولا المعايير التي اعتُمدت لضم الدول الست المشار إليها، خاصة أن بعضها أقل إنتاجية في اقتصادها الداخلي وناتجها الخام، وأكثر مديونية، على غرار مصر والأرجنتين وإثيوبيا، رغم أن الرئيس عبد المجيد تبون كان قد صرح قبل مدة قصيرة بأن الجزائر تتوفر لديها كل الشروط التي تؤهلها للانضمام.

وعززت الزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس تبون إلى كل من روسيا، منتصف يونيو/ حزيران الماضي، والصين منتصف يوليو/ تموز الماضي، وهي كبرى دول "بريكس"، والعلاقات الممتازة بين الجزائر وجنوب أفريقيا، إضافة إلى مشاورات اللحظة الأخيرة التي كان أجراها وزير الخارجية أحمد عطاف قبل أسبوعين مع سفراء المجموعة في الجزائر، من مؤشرات إمكانية أن تكون الجزائر ضمن دول "بريكس"، قبل أن تتخذ قمة جوهانسبورغ قرارا أطاح الطموح الجزائري.

لكن عدداً من المراقبين قالوا إن السلطة السياسية استشعرت قبل مدة قصيرة وجود فرص ضئيلة للانضمام، وهو ما دفع وزير الخارجية الجزائري إلى تفضيل التوجه، في بداية يونيو/ حزيران الماضي، إلى نيويورك لحضور انتخابات عضوية مجلس الأمن على حضور اجتماع وزراء خارجية "بريكس" في كيب تاون بجنوب افريقيا، فضلاً عن قرار الرئيس تبون عدم السفر إلى جوهانسبورغ لحضور قمة "بريكس" والاكتفاء بإيفاد وزير المالية عزيز فايد.

وبرأي رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان، فإن القمة التي اختتمت في جوهانسبورغ خلفت شعوراً بالخيبة من أن تكون الجزائر جزءاً من "نخبة البلدان التي ستبني عالماً متعدد الأقطاب"، لكنه اعتبر في تقدير موقف، تلقى "العربي الجديد" نسخة منه، أن "الاستثمار الدبلوماسي والسياسي والإعلامي للجزائر ورئيسها للانضمام إلى مجموعة "بريكس" لم يستطع أن يعالج نقاط الضعف الهيكلية للاقتصاد الجزائري"، مشيراً إلى أن التطور الأخير يستدعي "مناقشة هادئة للأسباب التي دفعت شركاءنا إلى عدم قبول رغبتنا في الانضمام إليهم". وقال: "يجب استخدام هذه المغامرة الفاشلة لمجموعة (بريكس) للانفتاح على الواقع واستجواب أنفسنا والحد من الشعبوية والاختيار الكارثي للمسؤولين التنفيذيين".

وطالب جيلالي سفيان بأن يكون الفشل في الاندماج في المجموعة "فرصة لجعل الجميع يواجهون مسؤولياتهم، سواء في السلطة أو المعارضة. كما يجب فتح نقاش وطني حقيقي من دون أفكار مسبقة ولا حسابات انتخابية، لأن مستقبل البلاد أصبح على المحك".

وتعتبر تقديرات أُخرى أن حسابات "بريكس" ليست واضحة على مستوى المعايير والشروط الموضوعية، وأن هناك اعتبارات أُخرى تتحكم في اختيارها شركاءها الجدد، سواء من الناحية الاقتصادية أو العوامل الديمغرافية كأسواق جديدة تعزز التجارة البينية.

وفي هذا السياق، قال الباحث في الاقتصاد والجيوبولتيك سيف الدين قداش، لـ"العربي الجديد"، إنه "ينبغي الانتباه إلى أن غالبية الدول المقبولة إما لديها قدرات مالية كبرى، مثل السعودية والإمارات، أو ذات تعداد سكاني يصل إلى 100 مليون أو يتجاوزه، وهذا يعني أن "بريكس" تبحث عن ممولين قادرين على دعم المجموعة بالمال أو أسواق لتصريف منتجاتها، أو نقل بعض مصانعها لتعزيز حضورها الاقتصادي".

عوامل داخلية حالت دون انضمام الجزائر إلى "بريكس"؟

 لكن قداش يشير إلى أن هناك عوامل داخلية في الجزائر عرقلت الانضمام، وقال: "مما لا شك فيه أن الوضع الذي تركه النظام السابق من انغلاق اقتصادي وضعف المؤشرات التنموية والاقتصادية وتخلف النظام المالي، فضلاً عن توقف عجلة الإصلاحات خلال أزمة كوفيد-19 والتحولات التي فرضتها الأزمة الأوكرانية- الروسية، جعلت أهمية الجزائر الاقتصادية للتنظيم الواعد ليست ذات أولوية على ما يبدو في الفترة الحالية، رغم زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى أهم قطبين فيه روسيا والصين".

وأشار الباحث ذاته إلى أن "الجزائر بحاجة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات والتخلص من رتابة الجهاز البيروقراطي، الذي لا يزال يشكل عائقاً أمام تحول اقتصادي فعلي، خاصة في مجال الانفتاح على الاستثمار الأجنبي، وتسهيل المشاريع الاقتصادية للمستثمرين في الداخل، ورفع مؤشراتها في القطاع الصناعي والزراعي لتطوير مستوى النمو الذي لا يزال ضعيفاً، إذا كانت ترغب في الشراكة مع (بريكس) التي لديها مستوى نمو عال، وأغلبها يحقق الاكتفاء الذاتي في الزراعة والصناعة ويصدر، كما لديها قطاع خدمات قوي وفعال، وهو ما تحتاج الجزائر لتقويته".

ويلفت الخبير إلى أن "الجزائر بحاجة إلى دينامية اقتصادية أكبر من ناحية تطبيق الإصلاحات والتصدي لمطالب الجبهة الاجتماعية، وإطلاق مشاريع الإنشاءات (السكن والأشغال العمومية)، علماً أن دخول (بريكس) يحتاج إلى عمل أكبر وتطوير مؤشرات الاقتصاد والانكفاء على الذات لغاية تحسن المؤشرات، ثم الانضمام إلى منظمات تنافسية يمكن أن تفيد أو تضر بالاقتصاد، والعبرة باتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي".

المساهمون