للمرة الثانية، تثير تصريحات كبار المسؤولين في الجزائر غموضا حول القمة العربية المقبلة، المقررة في البلاد شهر مارس/آذار المقبل.
وآخر التصريحات في هذا السياق أدلى به الرئيس عبد المجيد تبون أمس الأربعاء، والذي طرح "اشتراطات" تخص "سقف الأهداف السياسية" المتوقعة من عقد القمة، بعد تصريح سابق لوزير الخارجية رمطان لعمامرة قال فيه إن "هناك أطرافا عربية تتحرك لنقل القمة من الجزائر".
وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مؤتمر صحافي مشترك عقده الأربعاء مع الرئيس التونسي قيس سعيد، إن القمة العربية المقررة في الجزائر "إما أن تكون قمة جامعة، وإما أن تكون هناك نظرة أخرى. نسعى لأن تكون قمة جامعة ولا تكرس الخلافات، ولأن تسهم قمة الجزائر في حلّ بعض الخلافات بين الدول العربية، وأن تقبل الدول العربية بعضها البعض كحد أدنى".
وبرأي تبون، فإن الخلافات الحاصلة بين الدول العربية "ممكنة الحل"، مضيفا: "معرفتنا لما يجري في الوطن العربي تؤكد أنه لا توجد خلافات عميقة بين الدول العربية تحول دون حل الخلافات بينها، ما يوجد فقط هو بعض عدم التفهم للسياسات الداخلية لبعض الدول".
واستطرد في هذا السياق ذاته قائلًا: "يجب أن نتدارك الأخطاء السابقة. لا توجد دولة لها الحق في أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.. إذا كانت أي دولة تريد مساعدة دولة عربية أخرى فليكن، وإلا فإن الشأن الداخلي لكل دولة يبقى أمرا يخص أبناءها".
وأضاف: "نحن في الجزائر، وبرغم العلاقات الكبرى والقرابة مع تونس الشقيقة، لم ولن نسمح لأنفسنا بأن نتدخل في الشؤون الداخلية لها، ويجب أن نتبنى العلاقات العربية على أساس هذه الفلسفة. هناك دول عربية أقامت أفراحا لأن دولا عربية تمزقت، فهل هذا معقول؟".
وأكد الرئيس الجزائري: "يجب أن يستيقن العرب بمقولة أكلت يوم أكل الثور الأبيض؛ كل الدول العربية مبرمجة للتقسيم، ولذلك يجب أن نعيد التكاتف العربي"، وشدد على ما أسماها "مساعي الجزائر لإعادة سورية إلى الجامعة العربية (..) نحن نسعى لتحقيق شمل العرب وإدماج سورية في الصف العربي وفي الجامعة العربية، الشعب السوري ليس له أي ذنب".
وفي السياقات السياسية، يطرح تصريح تبون على هذا النحو أسئلة واستفسارات عدة حول ما إذا كان الرئيس الجزائري يعبر عن "سقف طموح سياسي" يتمثل بإنجاز مصالحات عربية عربية، خاصة أن تحولات لافتة حدثت في الفترة الأخيرة بين دول عربية والنظام السوري، أم أنه يطرح اشتراطات تخص مخرجات القمة التي تحدث في الغالب تفاهمات حولها، خاصة ما يتعلق باشتراط الجزائر فرض نقاش حول مسار التطبيع الجاري، وكذا حضور سورية بكامل عضويتها في القمة، وأن هذه الاشتراطات قد تؤدي في حال رفضها إلى تخلي الجزائر عن احتضان القمة.
وما يعزز هذا الاتجاه، تصريح لم يلفت الانتباه بشكل كبير، في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لوزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، أدلى به لصحيفة "القدس العربي"، حيث قال إن "هناك من يعمل على تقويض القمة القادمة، فإن فشلوا سيعملون على أن يكون التمثيل هزيلا. لم تعد هناك أقنعة، الكل عاد إلى معسكره الذي يعمل من خلاله. ولكننا سنعمل على جمع العرب حول قواسم مشتركة نتفق عليها".
ويقرأ الكاتب وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، في هذه التصريحات "إعلانا جزائريا واضحا عن السقف المتوقع من القمة"، ويقول، في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن الجزائر كانت واضحة من البداية عند الإعلان عن موعد القمة العربية بأن الموضوع الرئيس، وهو توحيد البيت العربي وجمع الشمل، وإذا لم تتحقق هذه الغاية فإن القمة تفرغ من قيمتها، وهذا ما لا تريده الجزائر، التي تسعى أيضا من خلال القمة إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة وأولويات العمل العربي المشترك".
وأضاف بوقاعدة أن "السلطة الجزائرية تستشعر وتتوقع على الأقل وجود محاولات فعلية لإضعاف القمة، وهو ما تفسره تصريحات وزير الخارجية لعمامرة، كما من المؤكد أن هناك دولا عربية لم تعدّل موقفها من الملف السوري بعد"، وتسعى لعدم عودة النظام السوري.