استمع إلى الملخص
- تعطيل مؤسسة الرئاسة اليمنية وتنازع الصلاحيات بين أعضاء المجلس أدى إلى غياب التنسيق والتنظيم، مما يعطل عمل أهم مؤسسة في الدولة.
- غياب اللائحة الداخلية للمجلس الرئاسي اليمني يزيد من حدة الخلافات بين الأعضاء، مما يهدد بتفاقم الصراع داخل معسكر الشرعية.
خرجت خلافات مجلس القيادة الرئاسي اليمني إلى العلن عقب إغلاق مكتب تابع للرئاسة جرى استحداثه من قبل رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي، والتي اتُهم عضو المجلس عبد الرحمن المحرمي بالوقوف خلف عملية الإغلاق، ليكشف ذلك عن انقسام المجلس إلى طرفين، وفق الداعمين الخارجيين له. وقال القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح، في تصريح صحافي، إن ما حدث هو إغلاق مبنى استُحدث من قبل مكتب رئيس المجلس الرئاسي اليمني "بصورة مخالفة لمبدأ التوافق الذي قام عليه مجلس القيادة"، مضيفاً أن هناك "توافقاً سابقاً بتشكيل لجنة لإعادة هيكلة مكاتب ودوائر مجلس القيادة، برئاسة عضو المجلس عبد الرحمن المحرمي، وعضوية مدير مكتب الرئاسة يحي الشعيبي وآخرين، واللجنة استغلت غياب المحرمي وقامت بتعيينات لموظفين من توجه واحد". وأوضح أنه "أنشئ طاقم أسندت إليه مهام مكاتب ودوائر مكتب الرئاسة، بعد أن استأجرت وبشكل سري مبنى خاصاً بعيداً عن قصر المعاشيق"، لافتاً إلى أن "عضو مجلس القيادة المحرمي، فور علمه بهذه المخالفة، وجّه بإيقافها، وإغلاق المكتب".
مصدر في الرئاسة: هناك تعطيل ممنهج لمؤسسة الرئاسة بدأ في عهد هادي
لكن وكالة "سبأ" التابعة للحكومة المعترف بها دولياً نقلت عن مصدر مسؤول في المجلس الرئاسي اليمني نفيه وقوف المحرمي خلف الحادث، واتهم مسلحين مجهولين بذلك. وعادت الوكالة لاحقاً لنشر تصريح لمصدر مسؤول في الرئاسة قال فيه إن "المجلس الرئاسي على اطلاع تام على واقعة إغلاق عمارة في مدينة خور مكسر مستأجرة لمكتب رئاسة الجمهورية في العاصمة المؤقتة عدن". وأوضح المصدر أنه "لا صحة لما جرى تداوله في وسائل الإعلام عن قيام مسلحين باقتحام المبنى، وأن مندوبين من مكتب المحرمي نزلوا إلى الموقع وجرى إبلاغ الموظفين بطريقة قانونية، وأن المندوبين طلبوا من الموظفين إغلاق المكتب، وأخذ إجازة حتى يجتمع مجلس القيادة وينظر في الموضوع".
تصاعد الخلافات داخل المجلس الرئاسي اليمني
وتصاعدت حدة الخلافات داخل المجلس الرئاسي اليمني عقب اتهام المجلس الانتقالي الجنوبي رشاد العليمي بإصدار قرارات خارج التوافق، آخرها إصداره قراراً بتعيين امرأة في منصب رئيس دائرة مدير مكتب رئاسة الجمهورية. الاتهامات رافقت العليمي باستحداث مكتب جديد تحت اسم "الوحدة الحسابية المصغرة للمنحة السعودية"، ويقع في خور مكسر بعدن، وكُلف بمهمة إدارة المنحة السعودية التي قدمتها الرياض العام الماضي بمبلغ 1.25 مليار دولار، وهو المكتب الذي جرى إغلاقه. وقالت مصادر في "الانتقالي"، لـ"العربي الجديد"، إن العليمي "خصص ربع مليار دولار من المنحة السعودية لصالح تسيير أعمال مجلس القيادة الرئاسي".
الخلافات المتصاعدة داخل المجلس الرئاسي اليمني جاءت بالتزامن مع تعطيل مؤسسة الرئاسة ممثلة بمكتب رئاسة الجمهورية، وتعطيل اللائحة المنظمة عملَ مجلس القيادة، في ظل انقسام مجلس القيادة إلى طرفين، أحدهما مدعوم من الإمارات، ويمثله أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي الثلاثة في مجلس الرئاسة عيدروس الزبيدي، وعبد الرحمن المحرمي، وفرج البحسني، بالإضافة إلى العميد طارق صالح، فيما الطرف الآخر مدعوم من السعودية ويمثله رئيس المجلس رشاد العليمي، والشيخ سلطان العرادة، وعبدالله العليمي، وعثمان مجلي.
إصدار قرارات منفردة
تعطيل مؤسسة الرئاسة تسبّب بوجود العديد من الاختلالات التي ترافق عمل المجلس الرئاسي اليمني الذي يتنازع صلاحياته أعضاؤه الثمانية. ووصل الخلاف إلى حد إصدار أعضاء المجلس قرارات منفردة من اختصاص رئيس الجمهورية، منها إصدار قرارات بتعيين قادة الألوية العسكرية، كما هو حاصل مع القرارات التي يصدرها عيدروس الزبيدي. وفي الساحل الغربي الذي يسيطر عليه عضو مجلس الرئاسة العميد طارق صالح، تُخالَف البروتوكولات المتعارف عليها، حيث تُفتتح مشاريع مدعومة من الإمارات، وتُرفع فيها الأعلام الإماراتية واليمنية مع صور قيادات دولة الإمارات وصور طارق صالح، وتغييب صورة رشاد العليمي، الذي تعبّر صورته عن رمزية الدولة اليمنية.
عمار علي أحمد: المجلس يعمل حتى الآن من دون لائحة داخلية تنظّم عمله وصلاحيات رئيسه وأعضائه
قناة الجمهورية التابعة لطارق صالح والتي تبث من المخا نشرت قبل أيام خبراً مفاده أن مجلس القيادة الرئاسي عقد اجتماعاً تحت إشراف طارق صالح، على الرغم من ترؤس العليمي الاجتماع. مصدر في الرئاسة اليمنية قال، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تعطيلاً ممنهجاً لمؤسسة الرئاسة بدأ في عهد الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، واستمر في ظل مجلس القيادة الرئاسي، حيث سُرّح موظفو مكتب رئاسة الجمهورية، وأُبقي على مجموعة أشخاص فقط يمارسون الأعمال بشكل غير مؤسسي، وهذا الأمر ساهم في تعطيل أهم مؤسسة في الدولة تُعد صانعة القرار الرئاسي عبر دوائرها المختلفة".
وأضاف المصدر أن "العليمي قام بإلغاء دوائر المكتب، واستحداث دوائر جديدة جرى تعيين أشخاص على رأسها من دون أن يمارسوا أي أعمال، ويكتفون بقبض مستحقات مالية كبيرة، وجرى تعيينهم بناء على مبدأ المحسوبية والعلاقات الشخصية مع صاحب القرار". ولفت إلى أن هذا الوضع ترافق مع تعيين مدير مكتب لرئيس المجلس الرئاسي اليمني وكذا تعيين مديري مكاتب لأعضاء المجلس، بالتوازي مع تعيين مدير لمكتب رئاسة الجمهورية، حيث جرى تنازع الصلاحيات، وأصبح كل عضو في المجلس الرئاسي يصدر قرارات خاصة صادرة عن مكتبه، بما فيها تعيين قادة ألوية عسكرية، وهو أمر مخالف للدستور والقانون، وساهم أيضاَ في تنازع صلاحيات مجلس القيادة الذي جرى أيضاً تعطيل لائحة العمل الخاصة به والتي رافقت عملية تشكيله.
لا لائحة داخلية لعمل المجلس
وتعليقاً على ذلك، قال الصحافي عمار علي أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن المجلس الرئاسي اليمني يعمل حتى الآن من دون لائحة داخلية تنظّم عمله وصلاحيات رئيسه وأعضائه، بحسب ما نص عليه إعلان نقل السلطة من هادي إلى المجلس. ولفت إلى أنه "تم إعداد هذه اللائحة من قبل الفريق القانوني الذي نص عليه إعلان نقل السلطة، وقُدمت للمجلس أواخر مايو/أيار 2022 لكنها رفضت بسبب الاعتراضات عليها، خصوصاً من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يملك ثلاثة أعضاء في مجلس القيادة".
وتابع: "بدلاً من أن تُحتوى هذه الاعتراضات جرى تجاهل اللائحة، ومضى المجلس الرئاسي يعمل من دون أي شيء ينظّم العمل بين أعضائه ورئيسه، وهو ما راكم الخلافات داخل المجلس، ويمكن أن نستشهد بالرواية الرسمية للمصدر الرئاسي في وكالة "سبأ" الرسمية حول ملابسات إغلاق المكتب التابع للرئاسة، حيث قال إن مندوبين تابعين لعضو المجلس المحرمي طلبوا من الموظفين إغلاق المكتب، وهو اعتراف واضح بوجود خلاف بين أعضاء المجلس على إنشاء هذا المكتب".
واعتبر أن "تراكم هذه الخلافات وظهورها اليوم للعلن هي نتيجة متوقعة للاتفاق الأخير، الذي أسميه بالاتفاق المذل الذي أجبر عليه المجلس الرئاسي اليمني من قبل الرياض لوقف التصعيد ضد جماعة الحوثيين. فكما نعلم أن الشرعية منذ بداية الحرب هي غطاء يضم أحزاباً وقوى ومشاريع مختلفة ومتباينة، ولا يوحدها إلا العداء لجماعة الحوثي. ووجود معركة ضد الجماعة هو العامل الوحيد الذي يجمد هذه التناقضات داخل الشرعية ويؤجل صراع المشاريع داخلها". وتوقع علي أحمد "صوراً أخرى من هذا الخلاف خلال المرحلة المقبلة، إذا لم يتفق رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي اليمني على وضع لائحة تنظم عملهم، وعلى وجود رؤية واضحة لعمل المجلس وللحكومة، تقوم على القاسم المشترك بين قوى الشرعية وهو مواجهة الانقلاب الحوثي، وتطبيع الأوضاع في المناطق المحررة، فمن دون ذلك، البديل هو الصراع داخل معسكر الشرعية".