لا يزال التوتر السياسي والأمني مرتفعاً في الصومال، منذ تعليق الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو الإثنين الماضي، مهام رئيس الحكومة الفيدرالية محمد حسين روبلي، على خلفية "شبهات فساد"، وسط الخلافات بينهما حول آلية تنظيم الانتخابات البرلمانية. ومع تطور التوتر إلى حشر الجيش في أتون الخلاف بين الرجلين، برز الموقف الأميركي من الأزمة، الداعم لروبلي.
وتفسّر جرعة الدعم الأميركية القوية لرئيس الحكومة الصومالية، الذي يحظى حراكه لتنظيم الانتخابات بتأييد من قبل شرائح سياسية وازنة في الداخل، من بوابة الاهتمام الذي توليه واشنطن لأمن منطقة القرن الأفريقي، إذ تغرق إثيوبيا من جهتها في حرب دموية بين القوات الفيدرالية و"جبهة تحرير تيغراي".
حذّرت واشنطن من أنها مستعدة للتحرك ضد من يعرقلون مسار الصومال نحو السلام
وتعتبر واشنطن أن روبلي يتمتع بشرعية إدارة الملف الانتخابي، فيما أوراق الرئيس الصومالي في تراجع مستمر، بحسب متابعين.
وشهدت العاصمة الصومالية، مقديشو أمس الأربعاء، هدوءاً نسبياً بعد يومين من التوترات، مع بدء وساطة محلية لرأب الصدع بين الرئيسين، وهو ما خَّفض حدة التصريحات والبيانات الاستفزازية بينهما.
وكان روبلي قد اعتبر خطوة فرماجو بتعليق مهامه غير دستورية وبمثابة محاولة انقلاب، الهدف منها إخراج الانتخابات الجارية في البلاد عن مسارها. وأمر روبلي قوات الأمن بالبدء في تلقي الأوامر منه، وليس من الرئيس.
وجاء تصاعد الخلاف بين الرجلين بعد دعوة روبلي الأسبوع الماضي رؤساء الولايات الفيدرالية واتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية إلى حضور مؤتمر تشاوري في مقديشو، لبحث مستجدات الانتخابات البرلمانية التي تثير جدلاً واسعاً في البلاد، بسبب انتقادات لها تتعلق بآلية تنظيمها بعد تسجيل خروقات وشبهات تزوير طاولت مقاعد انتخابية عدة في ولايتي جلمدغ وجنوب غربي الصومال. وحظيت دعوته روبلي، بقبول واسع من الشركاء السياسيين في البلاد، إلى جانب المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة وبريطانيا.
دعم أميركي لرئيس الوزراء الصومالي
وتحدث روبلي هاتفياً أمس الأربعاء، مع مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي في، بشأن الوضع السياسي في البلاد وملفي الأمن والانتخابات، بحسب ما أكد المتحدث باسم الحومة الصومالية محمد إبراهيم معلمو.
وكانت السفارة الأميركية في مقديشو قد دعت إثر قرار فرماجو إيقاف روبلي عن العمل، إلى تخفيف تصعيد التوتر في الصومال. وكتبت السفارة على "تويتر": "نحث زعماء الصومال بشدة على اتخاذ خطوات فورية لتخفيف حدة تصعيد التوتر والإحجام عن الأفعال الاستفزازية وتجنب العنف". وعادت السفارة لتضيف في تغريدة ثانية، أن "اجتماع المؤتمر التشاوري الوطني ضروري جداً لتسريع وتحسين المسار الانتخابي والوصول بالانتخابات إلى خاتمة سريعة وذات مصداقية".
وتبع هذا الموقف على الفور موقف أميركي أكثر حدّة، إذ حذّر مكتب وزارة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، في تغريدة على "تويتر"، الإثنين الماضي، من أن واشنطن مستعدة للتحرك ضد من يعرقلون مسار الصومال نحو السلام.
واعتبر المكتب أن محاولة وقف روبلي عن العمل مثيرة للقلق، وأكد أن الولايات المتحدة تدعم جهود رئيس الحكومة الصومالية لإجراء انتخابات "سريعة وذات مصداقية". وقال إن "جميع الأفرقاء عليهم تجنب الأفعال والتصريحات التصعيدية".
وأول من أمس الثلاثاء، تشاور وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، عبر الهاتف، حول الأزمة الصومالية. وقال المتحدث باسم الوزارة الأميركية، نيد برايس، إن المباحثات تركزت على "المسائل الإقليمية الأمنية ذات الاهتمام المشترك، بما فيها الوضع في الصومال وإثيوبيا". وأضاف أن "بلينكن أشار إلى معارضة الولايات المتحدة لمحاولة توقيف رئيس الوزراء في الصومال عن العمل، واتفق مع الرئيس الكيني على أنه يتوجب على جميع الأطراف في هذا البلد تجنب الخطوات والبيانات التصعيدية".
كما شدّد بلينكن على "أهمية إنجاز قادة البلاد الفيدراليين والوطنيين الانتخابات البرلمانية والرئاسية فوراً، ومن دون أي شوائب من شأنها أن تعرض مصداقية النتائج للتشكيك"، بحسب برايس.
وأكد بيان للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، على "تويتر"، تأييد البعثة "للشركاء الدوليين ووزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يوسيد)، في دعوتهم إلى تخفيف التصعيد السياسي في الصومال. على القوات الصومالية أن تركز على الأخطار الأمنية المتأتية من الجماعات الإرهابية الذين يستهدفون المدنيين الأبرياء".
وكان شركاء الصومال الدوليون، بمن فيهم بعثة حفظ السلام الأفريقية في الصومال (أميصوم)، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بالإضافة إلى بلجيكا وكندا ومصر وإثيوبيا والسودان ودول أخرى، قد أعربوا في بيان مشترك الإثنين الماضي، عن قلقهم من الأحداث الأخيرة في الصومال، مشدداً على ضرورة اجتماع المجلس الوطني التشاوري سريعاً لإتمام الانتخابات.
شرعية روبلي: الانتخابات والأمن
ويتساءل مراقبون عن الأسباب التي تقف وراء دعم الولايات المتحدة وبريطانيا لقرارات رئيس الحكومة الصومالية بشأن تنظيم مؤتمر تشاوري حول الانتخابات، والموقف الأميركي الداعم لروبلي في الخلاف بينه وبين فرماجو، معلقين على أفق مسار التسوية لاحتواء التوترات السياسية بين الرئيسين، وإمكانية تحول الصراع السياسي إلى أزمة أمنية تهدد الاستقرار الأمني والسياسي النسبي في البلاد.
وفي هذا السياق، يرى الصحافي والأكاديمي الصومالي، أويس حسين عدو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة تولي أهمية كبيرة لأمن منطقة القرن الأفريقي، وتؤمن بأن الخلافات بين رموز السلطة في الصومال، من شأنها أن تؤدي إلى انفلات أمني في المنطقة، ما يعرقل الجهود الأميركية في إعادة الاستقرار إلى الصومال وبناء جيشه، ويمنح فرصة لحركة الشباب التي تسعى إلى إطاحة الحكومة الصومالية". وبرأي الباحث، فإن الولايات المتحدة "تخشى أن يتكرر السيناريو الأفغاني في الصومال، إذا طال أمد الأزمة".
عبد الله راغي: الانقسام بين رؤساء الولايات الفيدرالية قد يفشل المؤتمر التشاوري الوطني
أما سبب انحياز واشنطن ودعمها لرئيس الوزراء الصومالي على حساب الرئيس، فهو، بحسب أويس حسين عدو، أن "أوراق فرماجو السياسية كانت في تراجع مستمر منذ نهاية فترة حكمه في فبراير/شباط الماضي، ومعظم حكّام الولايات أيدوا جهود رئيس الوزراء بتسريع عملية تنظيم الانتخابات، ورفضوا طلب الرئيس لعقد مؤتمر تشاوري للتباحث حول من ستوكل إليه مهمة تنفيذ ملف الانتخابات".
من جهته، يلفت مدير "البيت الديمقراطي" (مركز أبحاث صومالي) عبد الله راغي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الانحياز الأميركي لروبلي "يأتي في سياق تمتع الأخير بشرعية تولّيه مسؤولية إدارة ملف الانتخابات والأمن والتي استلمها من فرماجو وأقرّها البرلمان الصومالي في إبريل/نيسان الماضي، في وقت انقضت فيه مدة ولاية فرماجو الرئاسية مطلع العام الحالي".
كما تأتي شرعية روبلي، بحسب راغي، "بسبب الاتفاقيات التي أبرمت بين الحكومة الفيدرالية ورؤساء الولايات الفيدرالية الخمس في المؤتمر التشاوري الأخير في مايو/أيار الماضي في مقديشو".
ويعتبر مدير "البيت الديمقراطي"، أن المجتمع الدولي ليس بالكامل في صف رئيس الحكومة الفيدرالية، بقدر ما يريد تسريع عملية تنظيم الانتخابات، والتي تعتبر المخرج الوحيد لإنهاء الفراغ الدستوري والخلافات السياسية المتكررة في الصومال.
ويعرب راغي عن تخوفه من فشل المؤتمر التشاوري المنوي عقده في مقديشو لبحث آليات جديدة لإجراء الانتخابات البرلمانية. ويرى في هذا الخصوص أن هناك ملامح لانعقاد المؤتمر بعد حضور رؤساء ولايات فيدرالية عدة إلى مقديشو بهدف المشاركة فيه، لكن الانقسام بين رؤساء الولايات الفيدرالية (رئيس ولاية بونتلاد سعيد عبد الله دني، رئيس جوبالاند أحمد مدوبي، رئيس إقليم هرشبيلي علي جودلاوي، رئيس إقليم جنوب غربي الصومال عبد العزيز محمد حسن، رئيس جلمدغ أحمد قورقور) بين مؤيد ومعارض لكل من الرئيسين فرماجو وروبلي، يصعب إنجاح هذا المؤتمر في ظل هذه التوترات والانقسامات السياسية في البلاد.
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية ونائب مدير "المركز الصومالي للأجندة العامة" (مركز بحثي مستقل) فرحان يوسف، أن سبب انحياز واشنطن لرئيس الوزراء يعود للوجود الأميركي في منطقة القرن الأفريقي، كما أن الولايات المتحدة مساهم كبير في دعم عملية بعثة حفظ السلام الأفريقية في الصومال (أميصوم)، وتشارك قواتها في بعض العمليات القتالية ضد تنظيمي "الشباب" و"داعش".
ويلفت يوسف إلى أن "واشنطن لا تريد تفويت أي فرصة للحد من التوترات السياسية، في مقابل تنامي نفوذ خصومها وعودة نشاط الجماعات الراديكالية التي تهدد المصالح الأميركية الأمنية والجيوستراتيجية في المنطقة.