خلافات التحالف الحاكم في باكستان: من الانتخابات للمحاكم العسكرية

19 يونيو 2023
يسعى شهباز شريف وحزبه لتأجيل الانتخابات (عامر قرشي/فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب موعد انتهاء فترة الحكومة الباكستانية قانونياً، وإجراء الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تتزايد الخلافات بين أعضاء التحالف الحاكم، تحديداً الحزبين الرئيسيين: حزب الرابطة الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، وحزب الشعب الباكستاني بزعامة الرئيس الباكستاني السابق أصف علي زرداري، الذي يتولى نجله بلاول بوتو منصب وزير الخارجية.

وخرجت تلك الخلافات إلى العلن في الأيام الأخيرة، وسط توقعات بأن التحالف الحاكم يسير نحو الانهيار مع اقتراب موعد الانتخابات.
وتتركز النقاط الخلافية بين الحزبين، بل بين جميع الأحزاب المشاركة في التحالف الحاكم، على موعد الانتخابات، وقضية المحاكم العسكرية، والميزانية للعام الجديد.

ففي حين يسعى شهباز شريف وحزبه إلى تأجيل الانتخابات، بذريعة الوضع الأمني والاقتصادي، يرفض حزب الشعب الباكستاني الفكرة، ويصر على أن تكون الانتخابات في موعدها.

محمد خان يوسفزاي: التحالف سينتهي، لأن الهدف المطلوب من تشكيله قد حصل وهو القضاء على حكومة عمران خان

قرار تأجيل الانتخابات يُتخذ في البرلمان، وإذا كان حزب الشعب الباكستاني لا يوافق على ذلك، حينها لن يوافق البرلمان على القرار. كما أن الرئيس الباكستاني الحالي عارف علوي يجب أن يوافق على القرار قانونياً، وهو من حزب رئيس الوزراء السابق عمران خان (حركة الإنصاف)، وبالتالي تلك هي عقبة ثانية.

في السياق، قال القيادي البارز في حزب الشعب الباكستاني عضو مجلس الشيوخ رضا رباني، وهو من المقربين من زعيم الحزب أصف علي زرداري، في كلمة له أمام اجتماع مجلس الشيوخ في الـ14 من الشهر الحالي، إن الديمقراطية لا بد أن تسير إلى الأمام وعرقلتها ليست في صالح أحد، من هنا يجب أن تجري في موعدها المحدد.

وطالب جميع الأحزاب المشاركة في التحالف الحاكم ألا تسعى لتأجيل الانتخابات، مشدداً على أن البرلمان لا بد وأن يُحل في الموعد المحدد، وأن تتولى حكومة تصريف الأعمال الأمور إلى حين إجراء الانتخابات في أكتوبر المقبل.

الكلمة الأخيرة للجنة الانتخابات

لكن على الضفة الأخرى، قال وزير الداخلية الباكستاني رانا ثناء الله خان، في تصريح صحافي في العاشر من الشهر الحالي، إن الانتخابات قد تؤجل، لكن القرار ستتخذه لجنة الانتخابات الوطنية بالنظر إلى الوضع الأمني والمعيشي في البلاد، مضيفاً: "لا ندري إن كانت الحكومة قادرة على منح الميزانية الكافية لإجراء الانتخابات، والخيارات كلها مفتوحة، ولجنة الانتخابات ستكون لها الكلمة الأخيرة".

كذلك قال زعيم التحالف الحاكم المولوي فضل الرحمن، وهو زعيم جمعية علماء الإسلام، كبرى الأحزاب الدينية في البلاد، في مؤتمر صحافي في 12 الشهر الحالي بعد عقد اجتماع مجلس شورى الجمعية في إسلام أباد، إن قضية الانتخابات سيتم البت فيها بالنظر إلى الوضع المعيشي والاقتصادي والأمني في البلاد، وأن أي قرار بهذا الشأن لا بد أن يعتمده البرلمان.

وأشار إلى أن التحالف الحاكم كان سياسياً من أجل إخراج البلاد من المأزق السياسي والمعيشي، وليس من أجل خوض الانتخابات، وإذا أجريت الانتخابات في موعدها المحدد حينها كل حزب سيتخذ قراره، وسيضع خطته المستقبلية، من دون أن يستبعد التعاون بين أحزاب التحالف.

لا جدوى من بقاء التحالف

لكن المحلل السياسي محمد خان يوسفزاي قال، لـ"العربي الجديد"، إن هذا التحالف سينتهي، لأن الهدف المطلوب من تشكيله قد حصل وهو القضاء على حكومة عمران خان، وبالتالي لا جدوى من بقاء هذا التحالف.

وأضاف أن الشعب سئم منه، بالتالي اللاعبون من وراء الكواليس (في إشارة إلى المؤسسة العسكرية) يعملون على خيار بديل، وهو انهيار التحالف، وتجدد الصراع من جديد بين الأحزاب المتحالفة، تحديداً حزب الرابطة جناح نواز شريف وحزب الشعب، اللذين حكما البلاد لعقود طويلة، وتاريخ الصراع بينهما قديم وطويل، وسيعودان إلى ما كانا عليه.

وأشار يوسفزاي إلى أن المؤشرات على أرض الواقع تشير إلى أن المؤسسة العسكرية قد توصلت إلى حل مع حزب الشعب، وجاء الآن دور الحزب من جديد لكي يحكم البلاد بالشراكة مع الأحزاب الأخرى المقربة من المؤسسة العسكرية، مثل جمعية علماء الإسلام التي يتزعمها الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن، أما حزب الرابطة الذي يقوده شهباز شريف فهو من أكبر الخاسرين، فالوضع المعيشي المتدهور وغلاء الأسعار وتدهور العملة، رغم أنه حصل تحت مظلة حكومة التحالف من أجل الديمقراطية، إلا أن كل ما حصل كانت مسؤوليته المباشرة تقع على عاتق حزب شهباز شريف.

ومن بين النقاط الخلافية قضية المحاكم العسكرية، فحزب الرابطة جناح نواز شريف يصر على أن مثول الضالعين في أحداث التاسع من شهر مايو/أيار الماضي أمام المحاكم العسكرية لا بد منه. لكن حزب الشعب يصر على أن مثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية ليس في صالح العمل السياسي، وله نتائج غير مرغوبة فيها على المدى البعيد.

في الشأن قال رضا رباني، خلال كلمته أمام مجلس الشيوخ، إن مثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية أمر خطير للغاية، مشدداً على أنه لا بد من التعامل بصرامة مع مدبري أعمال الشغب في 9 مايو والضالعين فيها، ولكن مع تجنب محاكمة المدنيين بموجب قانون الجيش، وأمام المحاكم العسكرية.

وتابع: لقد جربنا ذلك في السابق، وكانت نتائجه وخيمة، ومن هنا لابد أن نركن إلى المحاكم المدنية وتطبيق القانون. وأشار إلى أنه على الرغم من أن هذه القوانين العسكرية ليست خارجة عن نطاق الدستور، لكن على المدى البعيد هذا ليس في صالح البلاد، وليس في صالح الأحزاب السياسية.

في المقابل، قال وزير القانون عزام نذير ترار، في اجتماع للمحامين في إسلام أباد في 14 الشهر الحالي، إن مثول الضالعين في أحداث 9 مايو لا بد وأن يكون أمام المحاكم العسكرية، مضيفاً أنه المسار الأنسب، وقد قرر البرلمان ذلك، كما أن مجلس الأمن الوطني شدد على ضرورة مثول هؤلاء أمام المحاكم العسكرية، وهو ليس شيئا خارجا عن القانون، بل هو موجود في الكثير من الدول.

شهباز شريف وحزبه تحت ضغط العسكر

في هذا السياق، قال المحلل السياسي نصر الله عزيز لـ"العربي الجديد" إن رئيس الوزراء شهباز شريف وحزبه تحت ضغط كبير من قبل المؤسسة العسكرية، لأنه المسؤول المباشر في الحكومة؛ بالتالي هي لا تستطيع أن تخرج عن نطاق مطالب المؤسسة العسكرية، لا سيما أن الأخيرة قامت بإزاحة خان وأوصلت شهباز وحزبه والتحالف الحاكم إلى سدة الحكم.

نصر الله عزيز: المؤسسة العسكرية لا يمكن لها حكم البلاد بشكل مباشر، وبالتالي لا بد أن تلعب من وراء الكواليس

ورأى أن زعيم حزب الشعب أصف زرداري كان متنبهاً إلى القضية، لذا كان يرفض تولي أي مناصب في الحكومة بعد الإطاحة بحكومة عمران خان في إبريل/نيسان الماضي، لكن بعد إصرار التحالف الحاكم تولى بعض الحقائب الوزارية مثل الخارجية (يتولى ابنه بلاول بوتو) وغيرها، وهي ليست مسؤولة بشكل مباشر عن الوضع المعيشي ولا ما حصل في حق خان وحزبه وأنصاره، وهو ما أثار حفيظة الشعب.

وأضاف أن حزب الشعب لا يريد الخوض في أي خطوة قد تؤدي إلى إثارة حفيظة الشعب، ومنه قضية المحاكم العسكرية، كما أن سياسات الحزب راسخة وعميقة على مدى التاريخ مقارنة بسياسات حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف.

وأوضح عزيز أن المؤسسة العسكرية لا يمكن لها حكم البلاد بشكل مباشر، بالتالي هي لا بد أن تلعب من وراء الكواليس، كما أن الصراع بين الأحزاب السياسية في صالحها، وهي توصل أحد الأحزاب إلى الحكم في المستقبل، والأنسب هو حزب الشعب، لأن حزب عمران خان قد ولى زمنه.

وأضاف أنه على الرغم من شعبية خان الواسعة، إلا أن حزبه قد تمزق إلى حد ما بسبب الصراع مع المؤسسة العسكرية، وتعافيه يحتاج إلى فترة من الزمن، أما حزب الرابطة جناح نواز شريف فقد خسر الكثير من شعبيته لأسباب عديدة، أهمها: تدهور النظام المعيشي في البلاد وتدهور العملة، بالإضافة إلى طريقة تعامله مع حزب عمران خان، حيث جعلته المؤسسة العسكرية بندقية لها تستخدمها في وجه حزب خان، وبالتالي هناك فجوة بينه وبين الشعب. واعتبر أن الخيار الأفضل لدى المؤسسة العسكرية في المستقبل هو حزب الشعب مع الأحزاب الدينية والقومية، وهم سيصلون إلى سدة الحكم في اعتقادي، وبدعم من المؤسسة العسكرية.

وكان من مظاهر الخلافات بين الحزبين ما حصل في 15 الشهر الحالي عندما قدمت الحكومة ميزانية العام الجديد أمام البرلمان، إذ أثار نواب حزب الشعب ضجة في البرلمان، وانتقدوا بشدة الحكومة ووزارة المالية، وكانت النقاط الأساسية التي تحدثوا حولها، عدم تقديم أي شيء للمواطن العادي في الميزانية، وعدم توزيع الأموال بشكل مناسب على الأقاليم.

في الشأن، قالت النائبة في البرلمان عن حزب الشعب نصيبه جنا، في كلمة لها تعليقاً على مسودة الميزانية، إن هذه الميزانية لا يوجد فيها أي شيء للمواطن الفقير، معتبرة أن الحكومة فاشلة بكل المعنى، الغلاء مرتفع، والاحتياجات الأولية خارجة عن قدرة المواطن الباكستاني، ولا تتوفر الكهرباء ولا الغاز ولا الطعام، متهمة الحكومة بأن أداءها أسوأ من أداء حكومة عمران خان.

كلام نصيبه جنا ونواب آخرين من حزب الشعب كان مثيراً للاستغراب، إلا أن ما أثار الاستغراب أكثر هو عدم تعليق أي نائب من الحزب الحاكم ولا أي وزير. وتشير تصريحات ومواقف المسؤولين في حزب الشعب أنه يريد الخروج من التحالف الحاكم، وقد تتحول الأمور إلى صراع بينه وبين حزب الرابطة جناح نواز شريف، كما كان قبل صعود نجم حزب عمران خان، ما جعل الجميع يجتمعون تحت تحالف واحد من أجل الإطاحة به.