خطاب الرئيس الصيني واستراتيجية بايدن.. أسئلة جديدة حول مستقبل الأزمة

17 أكتوبر 2022
بايدن قال إنه "لن يسمح" للصين بالحلول مكان أميركا في شرق آسيا (Getty)
+ الخط -

كلمة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، التي افتتح بها مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم، أمس الأحد، بدت بالمنظار الأميركي أقرب إلى بيان تعبئة، استعداداً لمواجهة قادمة مع "الخارج"، ضمناً الولايات المتحدة، دون أن يسميها.

توقف المراقبون عند نبرة خطابه الحازمة والواثقة، وكذا إصراره على التمسك بـ"السياسات المتشددة"، كما وحديثه من موقع القابض على مفتاح القيادة، المتوقع أن يجددها له الحزب للمرة الثالثة لخمس سنوات أخرى، في نهاية المؤتمر أواخر هذا الأسبوع.

تشير بعض التفسيرات إلى أن شي أراد برسالته الرد على "التنمّر" الأميركي في موضوع تايوان خلال الصيف الماضي، والذي تمثل في زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، مع وفد نيابي إلى الجزيرة، رغم تحذير بكين واعتراضها على الزيارة التي لم تشهد الجزيرة نظيراً لها، إلا مرة واحدة في تسعينيات القرن الماضي.

ربما أراد شي أيضاً الرد على الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي توعد بالتدخل العسكري المباشر في حال تعرضت تايوان لاجتياح صيني، ومن المعروف أنه كرر هذا الموقف مرتين بالرغم من مسارعة البيت الأبيض إلى الاستدراك والتأكيد مراراً على عدم حصول تغيير في سياسة واشنطن تجاه "صين واحدة"، كما أن الولايات المتحدة ملتزمة فقط بتسليح الجزيرة للدفاع عن نفسها وليس الدفاع عنها.

بالإضافة إلى هذا وذاك، بدا الرئيس الصيني في خطابه وكأنه يرد أيضاً على وثيقة "استراتيجية الأمن القومي"، التي أصدرتها إدارة بايدن الأسبوع الماضي، والتي احتلت فيها الصين موقع الصدارة، بل كانت محورها الرئيسي، بينما كانت بقية الوثيقة تشير إلى "تحديث" استراتيجيات الإدارات السابقة بما يتلاءم مع المستجدات، على غرار الموقف من حرب أوكرانيا، كما تطرقت إلى تطوير وتجديد الأسلحة (وفي ذلك شيء من سباق التسلح الذي أطلقه الرئيس ريغان في ثمانينيات القرن الماضي)، بالإضافة إلى تحديات العقد "الحاسمة"، وإلى أهمية "الإبداع التكنولوجي" اللازم لتطوير الماكينة الأمنية.

لكن كلام الرئيس الصيني لم يقتصر على هذه الردود فقط. فهو يعكس الاستراتيجية الصينية الآخذة في التبلور منذ فترة، والتي تراكمت تعبيراتها الأمنية – العسكرية مع تراكم فائض القيمة الاقتصادية، إلى جانب الإحداثيات والإنجازات التكنولوجية التي حققتها الصين، تجلى ذلك في ترجمة ما تعتبره بكين خطوات سيادية، من إطباق السيطرة على هونغ كونغ، وبناء الجزر الاصطناعية في بحر جنوب الصين، وكذا بدء عمليات الاختراق الجوي والبحري لتايوان، في حركة بدت كأنها محاولة جس نبض.

وثمة اعتقاد بأن بكين تعمل على أساس أن بسط نفوذها السيادي والإقليمي محكوم بالاصطدام في نهاية المطاف مع الولايات المتحدة.

واشنطن، من جانبها، لم تخف عدم ارتياحها، إذ إن بايدن قال وكرر منذ مجيئه، أنه "لن يسمح" للصين بالحلول مكان أميركا في شرق آسيا، ومثل هذا التعهد ورد في استراتيجيته الأخيرة، ويبدو أن الصين أخذت هذا الكلام على محمل الجد، خاصة أن واشنطن في طريقها للتفرغ لمنافستها مع بكين بعد انتهاء حرب أوكرانيا المحكومة بسعي بوتين في النهاية إلى حل سياسي، بعد أن يثبت له أن استنفار الاحتياط لن يؤدي إلى تغيير ميداني مع الربيع القادم، وأن اللجوء إلى النووي غير وارد "لكلفته العالية"، بحسب مجلة "فورين أفيرز"، في مقالة لرئيس تحريرها.

بالرغم من حرب روسيا على أوكرانيا، فقد بقيت الصين أولوية واشنطن الخارجية، طالما استمر صعودها، الذي أعرب عنه الرئيس شي بوضوح، يوم السبت، من خلال التطرق إلى طموحه في نقل الصين إلى منزلة "القوة العظمى" خلال ولايته الثالثة، وهذا وعد يتعذر تحقيقه إلا إذا عادت تايوان إلى الأرض الأم، ومن هنا، جاءت إشارة الرئيس الصيني إلى "رياح عاتية، وأمواج بحر عاصف محفوفة بالمخاطر"، قائلاً إن على الصين "في السنوات القادمة التحضير لاجتياز اختبارها"، على حدّ تعبيره.

في المجمل، فإن سيناريو هذه المواجهة بصورة أو بأخرى كان مطروحاً، ونُشرت كتب وكتابات بشأنها، حتى قبل التوتر الأخير بين بكين وواشنطن، فمثلاً تنبأ الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريدس، بحصول المواجهة في عام 2034، وفق حساباته العسكرية.