خذلان من غزة إلى السودان

16 اغسطس 2024
مهجرون سودانيون في خيم بمدينة كسلا، 12 أغسطس2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **أطفال غزة يعانون من التجويع وفقدان الأهل، مما يعكس خذلاناً عربياً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تتفرج الدول العربية على معاناة الفلسطينيين.**
- **السودان يعاني من تهجير 12 مليون مواطن وأزمات غذائية وصحية، وسط غياب السياسات العربية المشتركة، مما يزيد من معاناة الشعب السوداني.**
- **الدول العربية تتجاهل الأزمات في غزة والسودان، مما يولد إحباطاً ونقمة بين الشباب العربي، ويعكس ضعف السياسات الرسمية في مواجهة التحديات.**

مشاهد طوابير أطفال قطاع غزة في مواجهة سلاح التجويع يحملون أواني وحاويات مياه أثقل من أجسادهم، وآخرين صامتين من الصدمة، يبكون على رحيل والدين، تختزل، مع غيرها، حالة خذلان عربي يتفرج على دول غير عربية قطعت علاقتها بدولة الاحتلال الإسرائيلي. وحتى إن سلّم المرء بكذبة العجز أمام مشاهد العار في القطاع والضفة الغربية المحتلة واقتحام القدس المحتلة، أخيراً، بذرائع كارثية بحد ذاتها، يبقى السودان نموذجاً لاستمراء النظام الرسمي انتكاساته في كل القضايا العربية، على عكس الشوارع التي تعتبرها قضايا مشتركة، مُطالبة حكوماتها بغضب مكتوم بالتدخّل فيها، ولو من منطلق المصالح الوطنية. وبالتالي، بعد عام ونصف عام من الواقع السوداني الدامي، وبتهجير نحو 12 مليون مواطن (من حوالي 25 مليوناً)، وسط مأساة أوبئة وجوع حاد لدى نصف سكان البلاد، بحسب برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، بداية الشهر الحالي، تبقى صورة غياب السياسات العربية المشتركة هي نفسها، سواء في السودان واليمن وسورية وليبيا أو في فلسطين، وبقية أزماتها.

ملايين السودانيين لم يعد لديهم مصدر رزق لمواجهة تحديات البقاء، مثل ما هم الـ400 ألف مهجر في مخيم زمزم شمالي دارفور. بعض دول العالم العربي تتصرف كمن ينأى بنفسه عن الأشقاء، أو ينخرط في تأجيج الصراع بقلوب متحجرة، وذلك، مع الكثير غيره، يحيل سياسات بعض تلك الدول إلى ما لا يليق لا بحجمها ولا بقيمتها ولا مكانتها ومصالحها. فالفرجة ونشر ثقافة عض الشفاه عجزاً يولدان إحباطاً متراكماً لانفجار نقمة عند الشباب العربي.

التذرع في قطاع غزة بمنع إسرائيل إدخال المساعدات، حتى قبل احتلال جيشها معبر رفح ومحور فيلادلفيا، على الحدود مع مصر، دفع بالبعض نحو إلقاء بعض الطرود من الجو، وتمثيلية ميناء عائم أميركي، عوض التصدي الحقيقي لأسباب المأساة وممارسة التهجير سلاحَ حرب لإرهاق المجتمع الغزي. أما في السودان، فليس ثمة احتلال صهيوني حليف للبعض العربي للتذرّع به، فماذا يمنع العرب عن مد جسور جوية وبرية وبحرية لوقف تجويع شقيق طيب وكريم؟ إنّ رمي معضلة السودان إلى مبعوث دولي وأميركي يزيد من صفرية السياسات الرسمية العربية، ومن حيرة وحنق الشارع العربي من أنظمة تقدم صورة عن بلاده وكأنها غير راشدة، بل وكأنها بحاجة إلى فرض "الانتداب" عليها مجدداً، ريثما تنضج على جميع المستويات.