يمثل رفض قيادة حركة "حماس" للدعوة التي وجهتها المؤسسة الأمنية المصرية لها لزيارة القاهرة، للتباحث بشأن الأوضاع في قطاع غزة، مؤشراً على التحولات التي فرضها حراك مسيرات العودة الكبرى على بيئة العلاقة بين القطاع ونظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
فحتى بدء هذا الحراك، كانت "حماس" تبدي حساسية كبيرة إزاء العلاقة مع القاهرة، بسبب طابع الأوراق التي تملكها في القطاع، خصوصاً تحكمها بمعبر رفح، الذي يعد بوابة غزة الوحيدة للعالم، إلى جانب احتكار مصر دور الوسيط بين الحركة وإسرائيل. وهذا ما جعل قيادات "حماس" تستثمر الكثير من الجهد والوقت في محاولة تحسين العلاقة مع النظام المصري، حتى في ظل إدراكهم لطابع الدور الذي يلعبه النظام في محاصرة القطاع، وتراكم المؤشرات على بلورته سياساته تجاه غزة بناء على تنسيق مسبق مع تل أبيب، كما أقر بذلك أخيراً، وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الذي أكد أن مصر تفتح معبر رفح فقط بعد التنسيق مع حكومته.
ويعود التحول في موقف "حماس" إلى إدراك قيادتها أن الهدف من الدعوة لزيارة القاهرة هو حرص النظام المصري على الضغط مجدداً على الحركة من أجل إقناعها بالعمل على احتواء حراك مسيرات العودة الكبرى، خصوصاً قبيل 15 مايو/أيار المقبل، وهو اليوم الذي يفترض أن يحاول فيه الغزيون اجتياز الخط الحدودي الفاصل بين إسرائيل والقطاع. والشراكة الاستراتيجية بين حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل ونظام السيسي تدفع الأخير للتجند، محاولاً احتواء حراك العودة والعمل على عدم تحقق سيناريو الرعب الذي تخشاه تل أبيب، والمتمثل في انتقال الحراك إلى الضفة الغربية، خصوصاً مع قرب موعد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهو الحدث الذي تخشى القيادة الإسرائيلية أن يسهم في إشعال الأوضاع الأمنية في الضفة والقدس. وفي الوقت الذي توفرت فيه العديد من المؤشرات على رهان إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على مصر في محاولة توفير بيئة تساعد على طرح الخطة التي بلورتها الإدارة لحل الصراع، والتي يطلق عليها "صفقة القرن"، فإن مواصلة حراك مسيرات العودة يقلص فرص التعاطي الفلسطيني مع هذه الصفقة، سيما أن الحراك يشدد على التشبث بحق العودة للاجئين، وهو الحق الذي تطالب الخطة الأميركية الفلسطينيين بالتنازل عنه.
و"حماس"، التي تعي أن الأولويات الإسرائيلية هي التي تحرك القاهرة، تدرك أيضاً أن المخاطرة بالاستجابة للطلب المصري تعني نزع زمام المبادرة منها مجدداً، بعد أن سمح حراك مسيرات العودة للحركة باستعادته، بعد أن ظل قطاع غزة مجالاً لتأثير إسرائيل وقرارات رئيس السلطة، محمود عباس، وسياسات القوى الإقليمية. وهناك ما يدلل على أن سياسة القاهرة حيال قطاع غزة، والقائمة على المزاوجة بين العصا والجزرة، قد فشلت في دفع "حماس" لتغيير موقفها الرافض للتعاون مع أي دعوة لاحتواء حراك مسيرات العودة. فقد حرصت إسرائيل أخيراً على تسريب خبر مفاده أنها حملت مدير الاستخبارات العامة المصرية، عباس كامل، أثناء زيارته تل أبيب رسالة تهديد إلى "حماس" في حال تواصل حراك مسيرات العودة. وقد سارع قادة الحركة للرد على هذه الرسالة من خلال عدم إبداء أي مظهر من مظاهر التأثر بها. بل على العكس، فقد حرص كل من رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، وقائدها في القطاع، يحيى السنوار، على إطلاق رسائل غير مباشرة للنظام المصري من خلال الإعلان، في أكثر من مناسبة، أنه لا تراجع عن مواصلة حراك مسيرات العودة، متعهداً بالعمل على مواصلته حتى بعد 15 مايو.
إلى جانب ذلك، فقد سربت دوائر مقربة من "حماس" أن الحركة رفضت عرضاً مصرياً بإعادة فتح معبر رفح بشكل دائم مقابل احتواء مسيرات العودة. وتعي قيادة "حماس" أن فرص وفاء النظام المصري بتعهداته، بعد احتواء مسيرات العودة، تقترب من الصفر، ما يجعلها مصممة على عدم التعاون مع الذين يطالبون بإنهاء هذا الحراك. لقد أدركت "حماس" أن حراك مسيرات العودة قد وسع من هامش المناورة المتاح أمامها، وحسن من قدرتها على التعاطي مع الضغوط الدولية والإقليمية، ما سيجعلها متشبثة بتواصله.