حماسة غربية لوساطة الصين في الحرب الأوكرانية: البديل مفقود

07 مارس 2022
شكوك غربية حول مدى علم شي مسبقاً بخطط موسكو (Getty)
+ الخط -

تتوالى التصريحات الغربية الموجهة إلى الصين، والتي تبدو وكأنها تتضمن دعوة ضمنية لها من أجل أداء دور الوساطة لوقف الحرب التي تشنّها روسيا على أوكرانيا، سواء أكان ذلك اليوم، أو في أي مفاوضات مستقبلية بين الطرفين. ويجري ذلك فيما يُنظر إلى بكين على أنها حليف مهم لموسكو، فيما يرى مراقبون أن أي دور للوساطة قد تؤديه الصين، سيكون مرتبطاً أيضاً بتشابك مصالحها بين موسكو والغرب.

ويتعلق السؤال الأساسي بمدى رغبة الصين فعلياً، في أداء دور الوسيط بين كييف وموسكو، وما إذا كانت بالفعل تمتلك الأوراق التي تؤهلها للقيام بهذا الدور بنجاح، لا سيما في ظلّ تشعب علاقاتها ومصالحها.

الصين وحرب أوكرانيا: دعوات غربية للتوسط

وأشارت نائبة وزير الخارجية الأوكراني، أمينة جبار، أول من أمس السبت، في تصريحات صحافية، إلى أن كييف تجري حواراً مع الصين ودول كثيرة بهدف الوساطة لإنهاء الحرب. وقالت المسؤولة الأوكرانية: "نحن في حوار مع دول كثيرة، بما في ذلك الصين"، لافتة إلى أن "قادة ودولاً أعلنوا استعدادهم للوساطة مثل تركيا والسعودية وإسرائيل، بالإضافة إلى شركاء آخرين".

دعت الصين الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي وروسيا إلى الانخراط في حوار متكافئ

وفي آخر الرسائل الغربية في هذا الإطار، دعا نائب رئيس الوزراء البريطاني دومينيك راب، أمس الأحد، الصين والهند إلى المساعدة على زيادة الضغط الدبلوماسي على روسيا، قائلاً إن "الصين لديها وظيفة هنا. عليهم أن يتدخلوا أيضاً، إنها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، علينا أن نوسّع الضغط الدبلوماسي".

وكان مفوض السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قد حثّ بدوره الصين على التوسط لإنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وقال بوريل، في مقابلة مع صحيفة "إل موندو" الإسبانية، نشرت مساء يوم الجمعة الماضي، إنه "يتعين على الصين التوسط في محادثات سلام مستقبلية بين روسيا وأوكرانيا، نظراً إلى أن الدول الغربية لا يمكنها لعب هذا الدور".

وأضاف وزير الخارجية الإسباني السابق، والرئيس السابق للبرلمان الأوروبي: "ليس هناك بديل، نحن (الأوروبيون) لا يمكن أن نكون وسطاء، هذا واضح، ولا يمكن أن تكون الولايات المتحدة أيضاً، يجب أن تكون الصين، وأنا أثق في ذلك". لكنه أضاف: "لم نطلب منهم ذلك، وهم أيضاً لم يطلبوا.

وعلى الرغم من أن بكين امتنعت عن إدانة الحرب الروسية (في الأمم المتحدة)، ولم تعتبرها غزواً، في مراعاة واضحة لعلاقاتها الوثيقة بموسكو، فإن وزير خارجيتها وانغ يي، دعا قبل يومين إلى مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، وذلك خلال اتصال هاتفي بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن.

وذكر المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، أن بلينكن شدّد في الاتصال، على أن "العالم يتحرك بشكل موحد، لرفض والرد على العدوان الأميركي، وضمان أن تدفع موسكو ثمناً غالياً رداً عليه".

وقال برايس إن بلينكن لفت أيضاً في اتصاله مع نظيره الصيني، إلى أن "العالم يراقب ليعرف أي دول هي تلك التي تقف دفاعاً عن مبادئ الحرية وحقّ تقرير المصير والسيادة الأساسية"، مؤكداً أن الحرب الروسية "متعمدة وغير مبرّرة".

من جهته، أعرب الوزير الصيني، عن "أسف بلاده بشدّة لاندلاع النزاع بين البلدين الجارين"، مضيفاً أن بكين "تولي الكثير من الانتباه للضرر الذي لحق بالمدنيين". كما أعرب وانغ يي "عن أمله في أن يتوقف القتال في أقرب وقت، من دون أن يتسبب ذلك في أزمة إنسانية كبيرة".

ودعا الوزير الصيني الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وروسيا إلى "الانخراط في حوار متكافئ، والتصدي للتناقضات والمشاكل التي تراكمت على مرّ السنوات، والانتباه إلى التأثير السلبي للتوسع المستمر للناتو شرقاً على المحيط الأمني لروسيا".

حذّرت واشنطن بكين من الالتفاف على العقوبات المفروضة على روسيا

وكان مستشار الخارجية الأميركية ديريك شوليت، قد قال في تصريحات صحافية يوم الخميس الماضي، إن حكومته "تحدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع الحكومة الصينية على جميع المستويات بشأن مخاوفنا، وحول تصميمنا على محاولة إيجاد نتيجة دبلوماسية عندما اعتقدنا أن ذلك لا يزال ممكناً".

وأضاف شوليت: "سنواصل البقاء في محادثات نشطة للغاية مع الحكومة الصينية حول كيفية المضي قدماً". لكنه حذّر بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام عدة، من أن الصين ستواجه برد إذا ما عملت على مساعدة روسيا على الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها.

جهود لواشنطن من أجل انخراط صيني

وتعتبر المكالمة الهاتفية بين بلينكن ونظيره الصيني، الأحدث في جهود واشنطن المستمرة لممارسة الضغط الدبلوماسي على بكين بشأن موقفها من الحرب واستمرارها في رفض إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. ورأى مراقبون أن المكالمة وهذه الجهود حملت في طيّاتها دعوة ضمنية إلى الصين، من أجل التدخل في إنهاء الحرب بحكم علاقتها الوثيقة بروسيا.

وتعليقاً على ذلك، اعتبر الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في جامعة جينان، شياو لونغ، أن الصين هي المرشح الأبرز للعب دور الوساطة بإجماع أطراف النزاع كافة، وخصومها السياسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها.

وأضاف شياو لونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في ظلّ العقوبات الخانقة التي فُرضت عليها، فإن الصين هي اليوم بمثابة الرئة التي يمكن أن تتنفس روسيا من خلالها، وبالتالي فإنه ليس من مصلحة موسكو إحراق جميع المراكب".

وبحسب ما رأى، فإنه "يبدو أن كل العقوبات التي تهدف إلى وقف الحرب لا تعمل، وهو أمر شدّدت عليه الصين مراراً". وقال شياو لونغ في هذا الإطار: "انظر إلى كوريا الشمالية، فعلى الرغم من جميع العقوبات المفروضة عليها، إلا أنها لا تزال تجري تجارب صاروخية بشكل دوري. هذه حقيقة تنبّه لها المجتمع الدولي متأخراً، لذلك هم يلجأون إلى الصين الآن، ويتوسلون من أجل أن تلعب دور الوسيط"، بحسب تعبيره.

تشاو تشيانغ: في ظلّ العقوبات، روسيا ستكون في عزلة من دون الصين 

وبشأن الرغبة الصينية حول أداء هذا الدور، أكد الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في جامعة جينان، أن ذلك "ليس أمراً خافياً، فالصين هي أولى الدول التي دعت منذ بداية الأزمة إلى الحوار، كما رحبت بعقد مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا لحل الأزمة"، مشيراً إلى "وجود اتصالات تجرى الآن مع الصين من أطراف عدة، بما فيها الخارجية الأوكرانية". وأضاف أن "بكين من جهتها، منفتحة على ذلك، ما يؤكد استعدادها للعب هذا الدور".

أهمية الوساطة الصينية: تحالف وثيق مع موسكو

من جهته، ذكّر الباحث في المركز الصيني للدراسات الاقتصادية بجامعة فودان، تشاو تشيانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن الصين هي أكبر داعم وحليف لروسيا، مشيراً إلى حجم التبادلات بين البلدين الذي بلغ 146 مليار دولار العام الماضي.

وأوضح تشاو تشيانغ أن "أكثر من ثلث هذه التبادلات يتعلق بالطاقة، وأن الصادرات الزراعية الروسية إلى الصين بلغت 3.5 مليارات دولار فقط العام الماضي، كما أن البلدين حددا هدفاً يتمثل في تعزيز التجارة إلى 250 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2025".

وبناء على ما تقدم، وفي ظل العقوبات الدولية على روسيا والتي تعتبر الأشد في التاريخ الحديث، بحسب قوله، فإن "روسيا من دون الصين، ستكون في عزلة عن العالم الخارجي، وسيتعين عليها النظر في خياراتها بعناية أكبر". ورأى تشاو تشيانغ أنه "من هنا تأتي أهمية الوساطة الصينية، على اعتبار أن بكين هي الحليف الاستراتيجي الأهم بالنسبة لموسكو، فضلاً عن أن موقفها السياسي من الحرب ينسجم ويتسق تماماً مع المصالح الروسية".

وكانت الصين قد امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن من دون أن تستخدم حق النقض الفيتو ضد القرار، في حين عمدت إلى الامتناع عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الغزو ويطالب روسيا بالانسحاب من الأراضي الروسية، من دون أن تلجأ، مجدداً، إلى معارضة القرار.

أي مصلحة لبكين؟

وحول غاية الصين من أن تؤدي دور الوساطة، أوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تايبيه الوطنية، غوان مينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "مع اشتداد القتال في أوكرانيا ومقتل آلاف المدنيين، يواجه الرئيس الصيني شي جين بينغ، شكوكاً متزايدة من واشنطن وحلفائها حول مدى علمه بخطط موسكو لبدء الحرب مسبقاً، وما إذا كان قد منح نظيره الروسي فلاديمير بوتين، دعمه الضمني للمضي قدماً في الهجوم".

وكان شي وبوتين قد التقيا عشية حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في 4 فبراير/شباط الماضي، وقد أصدر الزعيمان آنذاك بياناً مشتركاً، وصفا فيه شراكتهما بأنها "لا حدود لها".

وأكد مينغ أن بكين "تواجه انتقادات شديدة لرفضها إدانة موسكو بعدما أمضت عقوداً في الادعاء بأنها تعتبر مبدأ السيادة ووحدة الأراضي أمراً مقدساً، ولذلك فقد تسعى إلى تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي من خلال أداء دور الوسيط لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا".

لكن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تايبيه، شكّك في الوقت ذاته بقدرة الصين على أداء هذا الدور "لاعتبارات عدة، منها أن علاقتها التجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهم في آسيا أكثر أهمية من العلاقات مع روسيا". وأوضح في هذا الصدد أنه "على الرغم من أن بكين تشاطر موسكو ازدراءها للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، فإن مساعدتها في تخفيف العقوبات الغربية ستكون هزيلة، لأن القيادة الصينية لا ترغب في أن تكون شاذة عن الإجماع الدولي".

ولفت مينغ إلى أنه في الأيام الأخيرة الماضية، "بدا واضحاً تخفيف المسؤولين الصينيين من تصريحاتهم السابقة المؤيدة لروسيا، واتخذوا نبرة أكثر حيادية، ولذلك فإن العقوبات تنبئ بتحويل روسيا إلى دولة منبوذة ومعزولة اقتصادياً"، بحسب رأيه.

المساهمون