استمع إلى الملخص
- التاريخ الدموي مع النظام: حماة شهدت صراعات طويلة مع النظام السوري، أبرزها مجازر 1982، واستمرت العلاقة المضطربة حتى 2011 مع اندلاع الثورة السورية.
- الأهمية الثقافية والديمغرافية: تقع حماة في وسط سوريا، وتتميز بتنوع ديمغرافي وثقافي، وتشتهر بنواعيرها التاريخية، وتعتبر نقطة وصل جغرافية مهمة.
حماة تتوسط سورية وتعد البوابة الواسعة نحو ما هو أبعد
أطبقت المعارضة السورية على حماة بالكامل بعد معارك عنيفة مع النظام
لحماة تاريخ دامٍ مع النظام ورمزية عالية في الشارع السوري المعارض
تستحوذ مدينة حماة منذ أيام ليس على اهتمام السوريين فحسب، بل على اهتمام إقليمي وربما دولي مع سيطرة المعارضة المسلحة عليها اليوم الخميس وانسحاب قوات النظام السوري منها، هي التي تتوسط البلاد وتعد البوابة الواسعة نحو ما هو أبعد وربما تكون الوجهة العسكرية المقبلة حمص. وأطبقت فصائل المعارضة السورية اليوم على المدينة بالكامل بعد معارك عنيفة تلاها انسحاب سريع لقوات النظام السوري وحلفائه.
رمزية حماة
واستمرت المعارك في مناطق شاسعة من أرياف حماة، ففصائل المعارضة تتحرك في الريف الشرقي على تخوم البادية السورية وتتقدم باتجاه مدينة سلمية الاستراتيجية فالسيطرة عليها تعني أن الفصائل تقترب أكثر من حمص. ولمدينة حماة رمزية عالية في الشارع السوري المعارض، فهي من أول المدن السورية التي واجهت الانقلاب الذي قام به حزب البعث والعسكر في عام 1963 ودفعت أثماناً كبيرة وتعرّض أهلها لمذابح. ولمدينة حماة تاريخ دامٍ مع النظام، حيث تمردت المدينة أكثر في الستينيات من القرن الماضي، فدفع النظام في عام 1964 بقوات إلى المدينة قتلت نحو 100 من المحتجين، وقصفت مسجد السلطان في المدينة. وبقيت العلاقة بين حماة والنظام مضطربة وصولاً إلى فبراير/شباط 1982 حيث ارتكبت قوات النظام إبّان حكم حافظ الأسد مجزرة في مدينة حماة بعد حصار محكم، أدت إلى مقتل نحو 40 ألف مدني وفق تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تحت ذريعة محاربة جماعة الإخوان المسلمين.
حماة من أوائل المدن السورية التي واجهت الانقلاب الذي قام به حزب البعث والعسكر في عام 1963
أراد النظام في حينه توجيه رسالة دامية للسوريين، أن أي تحرك ضده سيواجهه بالحديد والنار، لتبدأ بعدها الدولة الأمنية في سورية بشكل سافر. وأزال النظام في ذلك العام أحياء كاملة في مدينة حماة، وشرّد واعتقل عشرات الآلاف من أهلها، ونفذ حملات إعدام جماعية بحق المدنيين، ثم وضع ثقله الأمني فيها، وضيّق على أهلها وصولاً إلى عام 2011.
ورأى الباحث المتخصص في الفكر الإسلامي عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "بذور الصراع بين مدينة حماة والنظام بدأ في ستينيات القرن الماضي، وانفجر بشكل واسع في عام 1982، ثم عاد في عام 2011"، مضيفاً: ذاكرة حماة مليئة بالتجاوزات التي مارسها النظام بحق أهلها على مدى نحو 60 عاماً.
في عام 2011 العام الذي شهد ولادة الثورة السورية شهدت حماة واحدة من أكبر التظاهرات في تاريخ هذه الثورة، ما دفع النظام إلى ارتكاب مجازر ذكّرت أهلها بما جرى في عام 1982. لم تخرج مدينة حماة عن سيطرة النظام طيلة سنوات الثورة، ولكن فصائل المعارضة سيطرت لعدة سنوات على جزء كبير من ريفها الشمالي والشمالي الغربي، وحاولت أكثر من مرة الدخول إلى المدينة إلا أنها فشلت. وحوّل النظام مدينة حماة ومحيطها القريب إلى منطقة عسكرية، حيث كان مطارها العسكري هو الأكثر من بين المطارات التابعة للنظام التي تقلع منه الطائرات التي تقصف السوريين في كل البلاد. كما اتخذ الإيرانيون وحزب الله من جبل زين العابدين القريب منها مركز قيادة وتمركز وتوجيه للمليشيات في عموم وسط سورية.
وفي أواخر عام 2019 بدأت قوات النظام حملة عسكرية تحت غطاء ناري روسي، دفعت فصائل المعارضة خارج ريف حماة الشمالي ومدنه وبلداته وأبرزها: مورك وكفرزيتا واللطامنة. ودمّر الطيران هذه البلدات بشكل شبه كامل. وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدأت فصائل المعارضة عملية "ردع العدوان" التي سيطرت من خلالها على حلب وأريافها وعلى حماة ومعظم أريافها. ويخترق نهر العاصي مدينة حماة التي تشتهر بالنواعير الموجودة على هذا النهر والتي تعد من أهم الرموز الحضارية لهذه المدينة المغرقة في القدم، وهي عبارة عن دواليب خشبية كان يستخدمها السكان لنقل الماء من النهر. تقع حماة إلى الشمال من العاصمة دمشق بنحو 190 كيلومترا ويعبر بالقرب منها الطريق الدولي "أم 5" الذي يصل جنوب البلاد بشمالها.
نضال طويل وقهر كبير
من جهته، بيّن الباحث بسام أبو عدنان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مدينة حماة معروفة بتمسك أهلها بدينهم وهويتهم"، مضيفاً: "عندما جاء النظام الطائفي حدثت الحساسية بين الطرفين وتحولت بعد ذلك إلى معارضة ثم تمرد على هذا النظام". وبيّن أن النظام "قتل الآلاف من أهالي حماة بدءاً من ستينيات القرن الماضي"، مضيفا: "علاقة حماة مع النظام هي عبارة عن نضال طويل وقهر. النظام لم يستطع إيقاف نضال وكفاح أهالي حماة إلا بارتكاب مذابح كبيرة أشهرها مذبحة فبراير/شباط من عام 1982".
بسام أبو عدنان: النظام قتل الآلاف من أهالي حماة بدءاً من ستينيات القرن الماضي
ومدينة حماة التي تتوسط الجغرافيا السورية هي مركز محافظة تحمل ذات الاسم، ليست من المحافظات السورية كبيرة المساحة، فهي تبلغ نحو 9 آلاف كيلومتر مربع تمتد من البادية شرقاً إلى جبال الساحل غرباً ومن ريف إدلب الجنوبي شمالاً إلى ريف حمص الشمالي جنوباً. وتضم العديد من المدن الصغيرة والمتوسطة أبرزها حماة مركز المحافظة، وسلمية شرقاً، ومصياف ومحردة غرباً، وكفرزيتا ومورك وطيبة الامام شمالاً. وتضم الحدود الإدارية لمحافظة حماة أغلب مكونات الشعب السوري الديمغرافية طائفياً من مسلمين سنة ومسيحيين وإسماعيليين، وهو ما يعطيها أهمية سياسية وثقافية متميزة.