حفتر والصراع الروسي الأميركي

25 يوليو 2024
حفتر في بنغازي، ديسمبر 2022 (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **التحركات الأميركية في ليبيا تهدف لإعاقة الأنشطة الروسية في أفريقيا، حيث التقى وفد عسكري أميركي رفيع بشخصيات ليبية بارزة، خصوصاً من معسكر خليفة حفتر.**
- **الزيارة جاءت بعد إعلان اتحاد كونفيدرالي بين بوركينا فاسو والنيجر ومالي، المدعوم من موسكو، لتشكيل قوة عسكرية مشتركة، مما يزيد من أهمية حفتر لموسكو كجسر للعمق الأفريقي.**
- **اللقاءات الأميركية شملت ضباطاً ليبيين من مختلف المناطق، وركزت على نجل حفتر، صدّام، مما يشير إلى مرحلة حساسة في الصراع الروسي الأميركي.**

يبدو أن الموقف الأميركي حيال الأنشطة الروسية في أفريقيا تجاوز حد القلق إلى العمل حثيثاً لإعاقتها بغرض إفشالها، فالزيارة التي أجراها وفد أميركي عسكري رفيع إلى ليبيا، أخيراً، من الواضح أنها جزءٌ من خطوات الإعاقة تلك، لكن اللافت فيها أنها ليست ككل الزيارات السابقة، بل تبدو مختلفة نسبياً بالنظر إلى الشخصيات العسكرية الليبية التي التقاها الوفد الأميركي، خصوصاً في جانب معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وإن كان واضحاً أن الزيارة على صلة بالأوضاع الليبية المتصلة بالمتغيّرات الأفريقية، من خلال القادة الذين تشكّل منهم الوفد، وهم قادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، إلا أن اللافت، في توقيتها، أنها جاءت بعد أسبوعين من إعلان القيادات العسكرية في بوركينا فاسو والنيجر ومالي، التي تدعمها موسكو، توقيع اتحاد كونفيدرالي والبدء في أول أهدافه، وهو تشكيل قوة عسكرية مشتركة من الدول الثلاث. وستكون لمثل هذه الخطوة تداعياتها الخطرة، إذا ما ارتبطت هذه الكونفيدرالية بصلاتٍ أقوى مع حفتر، خصوصاً مع وجود جملةٍ من المعطيات قد ترجّح ذلك، منها أن حفتر يمثل أهمية استراتيجية كبيرة لموسكو، كون الأراضي التي يسيطر عليها في الجنوب والشرق الليبيين تعد المجال والممرّ إلى العمق الأفريقي.

ولن تتوقّف تداعيات ارتباط حفتر بكونفيدرالية الدول الثلاث، بالنسبة لواشنطن، على تقوية المجال الليبي بالنسبة لموسكو للمرور إلى العمق الأفريقي، بل أيضاً على أهمية النطاق النفطي الليبي، سواء المنابع في الجنوب أو موانئ التصدير في الشمال، الواقعة تحت سيطرة حفتر. أكثر من ذلك، فالمخاطر على صلة بملفات أخرى قد تتحوّل إلى أوراق ضغط روسية على واشنطن وحلفائها، مثل ملفّ الإرهاب الذي سيعود إلى الظهور في ليبيا. ولن تجد الجماعات الإرهابية المنتشرة في الدول الأفريقية الثلاث ملجأ إلا الجنوب الليبي إذا ضغطت عليها القوّة المشتركة لهذه الدول، وملفّ الهجرة غير النظامية المقلق جدّاً بالنسبة للأوروبيين من حلفاء واشنطن، خصوصاً أن الدول الأفريقية الثلاث هي أكبر الدول التي يخرج منها مهاجرون يمرون في ليبيا نحو الشواطئ الأوروبية.

والواقع أن اللقاءات الأميركية في ليبيا أخيراً مختلفة، فهي لم تركّز، كما في اللقاءات السابقة، على القيادات العسكرية المركزية، بل ضمّت لقاءات مع ضباط في مختلف المناطق الليبية شرقاً وغرباً. والأكثر لفتاً أنها لم تضم لقاء مع حفتر، بل مع نجله صدّام، الذي كان قد أجرى زيارة إلى بوركينا فاسو، والتقى علناً قائدها العسكري بعد يومين من تشكيل الاتحاد الكونفيدرالي للدول الثلاث. وإذا كانت قراءات المراقبين تعتبر أن هذه اللقاءات، وإنْ كانت تشير إلى رغبة الأميركيين في الاقتراب أكثر من الواقع بالاتصال بالضباط والقادة على الأرض، إلا أن اللقاء مع نجل حفتر قد يحمل دلالاتٍ أخرى، على علاقة باتجاه معسكر حفتر إلى أوضاع حرجة. صحيحٌ أن لقاء الأميركيين بصدّام حفتر مهمٌّ بالنظر إلى سلطته العسكرية في الجنوب الليبي الذي تتركّز فيه الأنشطة الروسية، لكن توقيت اللقاء بعد زيارته بوركينا فاسو قد يشير إلى دخول معسكر حفتر في مرحلة دقيقة وحساسّة جداً من مراحل الصراع الروسي الأميركي، خصوصاً أنه لا يمكن القول إن موسكو لم تكن وراء زيارة صدّام بوركينا فاسو.

المساهمون