حظوظ قائد الجيش اللبناني رئاسياً تتقدّم والمفاجآت تتسيّد المشهد

19 ديسمبر 2024
جوزيف عون خلال اجتماع حكومي في بيروت، 27 نوفمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تزداد حظوظ العماد جوزيف عون لرئاسة لبنان بدعم كتلة "اللقاء الديمقراطي" وتوافق داخلي وخارجي على إنهاء الشغور الرئاسي منذ أكتوبر 2022، مع دعم اللجنة الخماسية الدولية لترشيحه.
- يواجه ترشيح عون عقبات، منها فيتو "التيار الوطني الحر" بقيادة جبران باسيل، بينما تبحث قوى المعارضة عن مرشح توافقي يحترم الدستور ويعيد علاقات لبنان العربية والدولية.
- يشير الخبير الدستوري سعيد مالك إلى أن انتخاب قائد الجيش يتطلب تعديلاً دستورياً، لكن يمكن انتخاب عون دون تعديل، مع إمكانية الطعن في الانتخاب أمام المجلس الدستوري.

بدأ العدّ التنازلي لجلسة انتخاب رئيس للبنان في التاسع من يناير/ كانون الثاني المقبل على وقع تفاؤل بوضع حدٍّ للشغور المستمرّ منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فيما تزيد حظوظ قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، خصوصاً أنّ جميع العوامل الداخلية والخارجية تضغط باتجاه إنجاح الاستحقاق وتعبيد الطريق أمام المسار الإصلاحي المطلوب لنهضة البلاد. وعلى الرغم من زحمة الأسماء المطروحة للرئاسة، برز في الساعات الماضية تقدّمٌ في حظوظ قائد الجيش اللبناني مع تأييد كتلة الوزير السابق وليد جنبلاط البرلمانية "اللقاء الديمقراطي" ترشيحه بشكل رسميّ، وما تلا موقفها من إشاعة أجواء سياسية بانفتاح غالبية القوى والأحزاب باتجاه دعمه، خصوصاً لما يتمتّع به من مواصفات مطلوبة لإدارة المرحلة المقبلة، وتتلاءم في الوقت نفسه مع تلك التي توقفت عندها اللجنة الخماسية التي تضمّ السعودية وقطر وفرنسا ومصر والولايات المتحدة، أبرزها التزامه بالقرارات الدولية، خاصةً القرار 1701، وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والمرحلة التي تليه.

وهذه ليست المرّة الأولى التي يُطرح فيها اسم عون، كونه شخصية مارونية، لذلك يعدّ مرشحاً طبيعياً للرئاسة، إلى جانب مركزه قائداً للجيش عملاً بالتجارب السابقة، علماً أنه لم يعلن ترشحه يوماً، لكنها المرة الأكثر جدية في إطار ارتفاع حظوظ التوافق عليه، بعكس أحوال الجلسات الـ12 الماضية التي غاب عنها التلاقي وطغى فيها الخلاف السياسي. وأتى ترشيح "اللقاء الديمقراطي" لقائد الجيش اللبناني بعد زيارة جنبلاط فرنسا قبل أيام ولقائه الرئيس إيمانويل ماكرون، وكذلك اجتماعه مع رئيس البرلمان نبيه بري، وما سُرّب عنه من أجواء حول عدم وجود أي فيتو من قبل "حركة أمل" و"حزب الله" على قائد الجيش، حتى وإن لا يزال الثنائي يدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

باسيل يدرس ترشيح أحد الأسماء

بالتزامن مع هذا الإعلان، برز تأكيد فرنجية استمراره مرشحاً للرئاسة في كلمة ألقاها مساء أمس الأربعاء، لكنه في الوقت نفسه لم يقفل الباب أمام انفتاحه على أي اسم يتفق عليه في جلسة 9 يناير، شرط أن يكون وازناً على مستوى المرحلة، فيما يبقى الفيتو الأكبر الموضوع من جانب "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل على قائد الجيش اللبناني، مع تسريب أوساطه أن يدرس ترشيح أحد الأسماء بين الوزير الأسبق زياد بارود، واللواء الياس البيسري، والعميد جورج خوري، بينما يتمهّل رئيس حزب "القوات اللبنانية" في الإعلان عن موقفه النهائي.

على الضفة الأخرى، اجتمعت قوى المعارضة التي تضمّ نواباً من "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" وكتلة "تجدد"، ونوابا مستقلّين، أمس الأربعاء، لكنها لم تصدر أي موقف حاسم حول الشخصية التي توافقت على دعم ترشيحها، مع التشديد على ضرورة أن تكون "قادرة على قياس متطلبات المرحلة"، وأن أمام الرئيس المقبل مهمة احترام وتطبيق الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني والقرارات الدولية الضامنة للسيادة، واستعادة علاقات لبنان العربية والدولية ما يعيد الثقة به، والتطبيق الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، ما يحتّم حصر السلاح بيد القوى الشرعية الدستورية على كامل الأراضي اللبنانية وشمال نهر الليطاني كما جنوبه.

جوني منيّر: زيارة جنبلاط مترابطة زمنياً

في الإطار، قال الكاتب والمحلّل السياسي جوني منيّر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك ترابطاً زمنياً طبعاً بين زيارة جنبلاط إلى باريس ومن ثم عند الرئيس بري، ليخرج بعدها من دون أن يتمهّل أو يوسع مشاوراته، ويعلن تكتله تأييد ترشيح قائد الجيش، ما يعني أنه رأى التأثيرات الدولية وعلاقتها بالوضع الداخلي اللبناني ومساره". وأضاف: "الأمر الذي يعكس أمرين؛ الأول أن جنبلاط واثق إلى المكان الذي ستذهب إليه الأمور، ولا شكّ أنه سمع شيئاً حاسماً من الرئيس ماكرون، الذي يميل لعون ولا يرفضه، والثاني أنه لمس انفتاحاً من بري وأجواء تشي بأن الوضع غير مستعصٍ، بمعنى تجاه رفض أو وضع فيتو على قائد الجيش".

وفي قراءته للوضع، أوضح منيّر: "قد نكون ذاهبين نحو مهمة جديدة للرئيس المقبل، فهناك منطلق جديد بلبنان يستوجب رئاسة مختلفة، أي أن الاختيار ليس مرتبطاً بالأسماء، بل بمعادلات جديدة، والمعادلة الجديدة اليوم هي عكسية لتلك التي كانت قائمة عام 2016 عند انتخاب ميشال عون رئيساً، حينها كان الجانب الإيراني هو الذي يسمّي ويضغط مع حزب الله وفريقه، بينما الأميركي والسعودي اقتصر دورهما على الرفض أو القبول، وكنا أمام مؤشرات لبدء مرحلة أو حقبة النفوذ الإيراني على شاطئ البحر الأبيض المتوسط من خلال حلفائه".

وتابع منيّر: "الإيراني حاول التشبّث بهذا الموقع، لكن واقع الأرض والتطورات المتسارعة والمتتالية سبقته فأصبحت التسمية تأتي غربية، بينما الإيراني وحلفاؤه لهم أن يقبلوا أو يرفضوا، واليوم لا يملكون ترف الرفض، لعوامل عدة، منها أن لبنان بحاجة للأموال في ملف النازحين وإعادة الإعمار، وهذه تأتي من الخليج بالدرجة الأولى وبموقف موحد، الذي ضمن اللجنة الخماسية وضع مواصفاته الرئاسية، التي تصب بعدم خضوعه لنفوذ حزب الله، إلى جانب أن المرحلة المقبلة فيها تعاون مع أميركا، سواء على صعيد لجنة مراقبة تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، التي يترأسها جنرال أميركي (جاسبر جيفرز)، أو لاحقاً ملف صندوق النقد، وغيره".

ولفت منيّر إلى أنّ "لبنان لا يمكن له الاستمرار بغياب هذه النقاط السابق ذكرها، وهو يحتاج إليها في المرحلة المقبلة، من هنا الهامش ليس متفلتاً، عدا عن أن العماد عون خضع لاختبارات قاسية، كان آخرها الحرب، وبلسان حزب الله تم تأكيد دور الجيش اللبناني وأهميته، ما يوحي ربطاً بما تقدم أن المسائل وإن احتاجت إلى مزيد من التركيبات لكنها ليست صعبة".

العريضي: مواقف الكتل لم تحسم بعد

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي وجدي العريضي أن جنبلاط "قد يكون التقط إشارات بوجود توجه فرنسي أو تقاطع بين باريس وواشنطن لدعم قائد الجيش، ولكن لا شيء حاسماً بعد، وهناك معطيات عدة تفيد بأن اللجنة الخماسية المعنية بملف الرئاسة، تدعم أكثر من اسم، بينها عون والمدير العام للأمن العام بالإنابة الياس البيسري، الذي بدوره يحظى بتأييد، ولم يسوق لنفسه رئاسياً، كما هناك أسماء أخرى مثل النائب نعمة إفرام".

وفقاً لذلك، قال العريضي في تصريحه لـ"العربي الجديد" إنّ "مواقف الكتل البرلمانية لم تحسم بعد، وهناك تساوي في بعض الحظوظ، بمعنى أن بورصة الأسماء ستتقلب وتبقى مرتبطة بالظروف الداخلية والأجواء الدولية والإقليمية والعربية، من دون أن ننسى سقوط النظام السوري والأضرار الجسيمة التي أصيب بها حزب الله، وكلها عوامل لها تأثيراتها على شخص الرئيس، من هنا الترقب سيبقى سيد الموقف والأنظار إلى ربع الساعة الأخير".

من ناحية ثانية، أشار العريضي إلى أن "موقف المعارضة لم يُحسم بعد، وهناك من رشح جعجع في الاجتماع الذي عقد، باعتباره المسيحي الأقوى وصاحب الكتلة الأبرز مسيحياً، لكن قد يكون ذلك من باب المناورة، حتى يقول جعجع إنه إذا لم يكن مرشحاً، فيجب أن يختار الشخصية الرئاسية، وهو ربط كذلك الترشيح بالبرنامج السياسي، وعلى ضوئه يتخذ موقفه من عون"، لافتاً إلى أن "معظم المواقف لا تزال غامضة، من ضمنها كلام فرنجية، وبعكس ما يشاع أرى أن الثنائي لا يزال يرفض رفضاً قاطعاً وصول عون للرئاسة".

مالك: انتخاب عون يحتاج إلى تعديل

على الصعيد القانوني، قال الخبير الدستوري سعيد مالك لـ"العربي الجديد"، إن انتخاب قائد الجيش اللبناني "يحتاج إلى تعديل دستوري، ولا سيما لأحكام الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور"، لافتاً إلى أنه "استناداً إلى سابقة انتخاب الرئيس ميشال سليمان عام 2008 بينما كان قائداً للجيش، فقد تبنى رئيس مجلس النواب الدراسة التي أعدّها الوزير السابق بهيج طبارة، وقضت بإسقاط المحظورات بحال كان الانتخاب جاء استناداً لنصّ المادة 74 من الدستور".

تبعاً لذلك، أوضح مالك أنه "حتى ولو لم يصر إلى تعديل الدستور، فيمكن انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية على أن يبقى لـ43 نائباً حق الطعن بالانتخاب أمام المجلس الدستوري ضمن مهلة 24 ساعة من تاريخ انتهاء الفرز"، مضيفاً: "صحيح أن انتخاب عون دون تعديل دستوري يشكل مخالفة دستورية، ولكن حتى يصار إلى إعلان إبطال هذا الإجراء لمخالفته الدستور فنحن بحاجة لقرار يصدر عن المجلس الدستوري نتيجة مراجعة تُقدَّم أمامه".