شهد عام 2021 صراعاً كبيراً بين مجلس الأمة الكويتي الذي تسيطر عليه الأغلبية المعارضة، وبين الحكومة التي فشلت في تأمين غطاء برلماني كافٍ لها في بداية البرلمان، ما أدى إلى تأزيم سياسي متواصل. ولم ينته إلا بإعلان أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح "الحوار الوطني" الذي استجابت له بعض أطراف المعارضة في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول 2021، والذي كان من نتائجه إصدار أمير البلاد عفواً عن المتهمين في قضية دخول واقتحام مجلس الأمة عام 2011 وعودتهم إلى الكويت من تركيا، حيث كانوا يقيمون هرباً من تنفيذ أحكام السجن.
ولا يمكن الحديث عن حصاد عام 2021 السياسي في الكويت من دون الحديث عن انتخابات مجلس الأمة، التي أجريت في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2020 وانتهت بتحقيق المعارضة انتصاراً ساحقاً فيها، لتعقد اجتماعاً موسعاً حضره 37 نائباً من أصل 50 في منزل النائب بدر الداهوم، الذي بات زعيماً للمعارضة بحكم الأمر الواقع آنذاك.
واتفق النواب على عدد من الأمور، كان أبرزها عدم إعادة ترشيح رئيس مجلس الأمة المقرب من الحكومة مرزوق الغانم وترشيح النائب بدر الحميدي بدلاً عنه، إضافة إلى إدراج "قانون العفو الشامل عن المحكومين بقضايا سياسية" على رأس الأولويات.
وتعرضت المعارضة لضربة كبيرة في الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2020، عندما صوتت الحكومة لصالح مرشحها المفضل الغانم، كما قام 9 نواب من أصل 37 تعهدوا بالتصويت لمرشح المعارضة بدر الحميدي بالتصويت لصالح الغانم. وأدى ذلك إلى استجواب تقدم به ثلاثة نواب من المعارضة في الخامس من يناير/ كانون الثاني 2021، لتقدم الحكومة استقالتها وترفعها إلى أمير البلاد في 13 يناير/ كانون الثاني بعد تأييد 36 نائباً للاستجواب.
بطلان عضوية زعيم المعارضة
وقرر أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح إعادة تكليف الشيخ صباح الخالد بتشكيل ثالث حكومة له وثاني حكومة في أقل من شهرين، وذلك في أواخر يناير/ كانون الثاني 2021، قبل أن يعلن عن تعطيل أعمال المجلس لمدة 30 يوماً في فبراير/ شباط لتهدئة التأزيم السياسي في البلاد.
لكن الأزمة السياسية عادت بعد عودة أعمال البرلمان، إذ حكمت المحكمة الدستورية في منتصف مارس/ آذار ببطلان عضوية زعيم المعارضة بدر الداهوم، وذلك استناداً لقانون "منع المسيء للذات الأميرية" من الترشح لانتخابات مجلس الأمة، والذي مُرر عام 2016، إذ حكمت محكمة التمييز في عام 2014 على الداهوم ونائبين سابقين آخرين، هما فلاح الصواغ وخالد الطاحوس، بالسجن مدة سنة و8 أشهر لـ"إساءتهم للذات الأميرية".
ونظمت المعارضة وقفة احتجاجية للتضامن مع الداهوم، انتهت بإيقاف عدد من قادة المعارضة بسبب عدم التزامهم بالإجراءات الصحية الخاصة بفيروس كورونا، قبل أن تعلن المعارضة عن مقاطعة جلسة القسم الحكومية في أواخر مارس/ آذار، في محاولة لإسقاط الحكومة وإجبارها على حل مجلس الأمة احتجاجاً على إبطال المحكمة الدستورية عضوية الداهوم. وتحتاج الحكومة إلى 33 عضواً في البرلمان (بمن فيهم الوزراء) من أصل 65 لعقد الجلسة، وهو ما نجحت في تأمينه، بعد أن جلس نواب المعارضة خارج قاعات البرلمان.
صدمة قرار حكومي مفاجئ
وشهدت هذه الجلسة استغلال الحكومة غياب نواب المعارضة لتقوم بطرح قانون العفو الشامل عن الموجودين في تركيا، الذي تم التصويت على رفضه، ثم شهد تقديم رئيس مجلس الوزراء قراراً سيكون مدار النزاع مع البرلمان طوال العام، وهو "تأجيل الاستجوابات المقدمة والمزمع تقديمها لرئيس مجلس الوزراء حتى منتصف عام 2022". وصوت عليه المجلس بالموافقة مستغلاً غياب نواب المعارضة، وإمكانية تصويت وزراء الحكومة على هذا القرار.
وصدمت المعارضة التي كانت خارج قاعة البرلمان بهذا القرار الحكومي المفاجئ، الذي أعطى الحكومة فرصة لترتيب أوراقها ومحاولة تفكيك كتلة المعارضة الواسعة، التي ثبت عددها على 31 نائباً، ما أدى إلى اتباعها نهجاً جديداً تمثل بالدخول إلى قاعة البرلمان والجلوس في مقاعد الوزراء، وهو ما أدى إلى تغيب الحكومة عن حضور الجلسات احتجاجاً على التعدي على صلاحياتها بالجلوس في مقاعدها.
وجاءت الانتخابات التكميلية لمقعد الداهوم في الدائرة الخامسة في شهر مايو/ أيار 2021، لتسجل انتصاراً ساحقاً وتاريخياً لأستاذ القانون عبيد الوسمي، الذي حصل على أكثر من 43 ألف صوت، وهو ما وصفه الوسمي بأنه "استفتاء شعبي" على أداء الحكومة.
تفكيك كتلة المعارضة
ونجحت الحكومة في تمرير الميزانية العامة للدولة في الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران رغم جلوس الأعضاء في مقاعد الوزراء، إذ صوتت الحكومة على الميزانية ثم انسحبت على الفور محققة انتصاراً كبيراً قبل العطلة الصيفية للبرلمان.
وشهدت العطلة الصيفية هدوءا مكّن الحكومة من تفكيك كتلة المعارضة عبر التفاوض مع أطراف فيها، وكان أبرز طرف تفاوضت معه الحكومة الوسمي، الذي بات أحد زعماء المعارضة الجدد بعد فوزه في الانتخابات التكميلية.
وانتهت المفاوضات السرية بإعلان أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح الدعوة إلى "حوار وطني" بين الحكومة والبرلمان في سبتمبر/ أيلول، وانتهى إلى إعلان التهدئة مع الحكومة مقابل عدد من المكتسبات بالنسبة للمعارضة، أبرزها إصدار عفو أميري عن الموجودين في تركيا من المتهمين في قضية دخول واقتحام مجلس الأمة، إضافة إلى متهمين سياسيين آخرين.
وعاد زعيم المعارضة مسلم البراك إلى الكويت مستفيداً من العفو الأميري بعد 3 سنوات من هجرته إلى تركيا، كما عاد زعماء المعارضة الآخرون، ومنهم جمعان الحربش وفيصل المسلم ومبارك الوعلان. وأعلن البراك فور عودته عن خطة لإعادة تشكيل المعارضة ورسمها، وهو فُهم داخل أوساط المعارضة على أنه رغبة من البراك لاستعادة دوره زعيماً داخل المعارضة رغم بقائه خارج البرلمان سنوات.
تعهد بإسقاط الرئيسين
كما تعهدت الحكومة خلال الحوار الوطني بالاستقالة وتشكيل حكومة جديدة تضم في وزاراتها عدداً من نواب المعارضة، وهو ما تم فعلاً، إذ استقالت الحكومة في نوفمبر/ تشرين الثاني، وأعاد أمير البلاد تكليف رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد برئاسة الحكومة.
وضمت الحكومة الكويتية، التي أعلن عنها الشيخ صباح الخالد في ديسمبر/ كانون الأول، 3 نواب من المعارضة هم مبارك العرو ومحمد عبيد الراجحي وحمد روح الدين. لكن "المعارضة الصلبة" والتي شكّلت نفسها باسم "كتلة التسعة" أعلنت رفضها هذه الإجراءات وتعهدت بالعمل على "إسقاط الرئيسين"، رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأمة، وأكدت أنها غير ملزمة بأي اتفاق أجرته أطراف من المعارضة مع الحكومة.
ومن المتوقع أن تخف وتيرة التأزيم في عام 2022 مع محاولة الحكومة تمرير القوانين الاقتصادية العالقة، مثل قانون ضريبة القيمة المضافة وقانون الدين العام، ومحاولة إيجاد حل للتضخم المتسارع في الميزانية العامة للدولة.