حزب البعث ومسرحية محاربة الفساد

04 اغسطس 2024
مقر حزب البعث في درعا، مارس 2011 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تحقيقات مسرّبة تكشف فساداً بمليارات الليرات السورية بقيادة هلال هلال، الأمين العام المساعد السابق لحزب البعث، تشمل منح عقارات وسرقة أموال.
- النظام السوري يدّعي مكافحة الفساد، لكن تاريخ النظام يظهر أن هذه الحملات تُستخدم لإعادة هيكلة الفساد وإدارة شبكات معقدة تشمل السلطة التنفيذية والأمنية والحزبية.
- استهداف هلال هلال قد يكون تصفية حسابات داخلية أو استجابة لمطالب خارجية، حيث لم تشمل حملات الفساد السابقة مسؤولين أمنيين أو حزبيين.

أظهرت تحقيقات مسرّبة من لجنة تفتيش حزبي شُكّلت بتوجيهات من بشار الأسد، الأمين العام لحزب البعث الحاكم في سورية، عن حالات فساد بمليارات الليرات السورية، بطلها الأمين العام المساعد السابق للحزب هلال هلال، تضمّنت منح منازل وعقارات وسيارات من أملاك الحزب، بالإضافة إلى سرقة أموال وتحويلها إلى الخارج لصالح هلال وأشخاص محسوبين عليه.

تعاطى النظام مع هذه القضية على أنها حملة لمحاربة الفساد هدفها تصحيح الأخطاء وكشف الفاسدين في الحزب مهما كانت مناصب المتورطين فيها، بعدما أظهرت لجنة التحقيق الحزبية أن هناك متورطين من السلطة التنفيذية يشغلون مناصب حساسة مرتبطة بدائرة الفساد في الحزب التي كان يديرها أعلى مسؤول حزبيّ بعد بشار الأسد، الأمر الذي يوحي بأن النظام عازم فعلياً على تنظيف المؤسسة الحزبية ومؤسسات السلطة التنفيذية من الفساد المستشري فيها. إلا أن من يراجع تاريخ النظام السوري مع هذه الظاهرة يكتشف بسهولة أن لعبة مكافحة الفساد هي الملعب الذي يجيده هذا النظام، فقبيل تولي بشار الأسد السلطة قاد حملة لمكافحة الفساد كانت أشبه ما تكون بإعادة هيكلة ومأسسة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، التي أصبحت تدار من خلال شبكات فساد معقّدة تتداخل وتشترك فيها السلطة التنفيذية مع السلطتين الأمنية والحزبية.

كما أن ممارسي الفساد أشخاص لديهم سجلات من الانتهاكات والممارسات التي في حال تم فتحها فمن شأنها أن تقضي على مستقبل صاحبها وتودي به إلى السجن. هذه السجلات تبقى مركونة في أدراج الأفرع الأمنية إلى حين تذمر أصحابها أو انتهاء أدوارهم، أو حتى لمجرد شيوع أسمائهم فاسدين، عندئذ تُسرّب ملفات فسادهم للإعلام، أو يحالون مباشرة إلى المحاكم بذريعة اكتشاف فسادهم للتو.

وهناك طبعاً مواقع ومناصب ضمن السلطة التنفيذية لا يصلح لشغلها سوى شخص مستعد لممارسة الفساد كون تلك المناصب حلقة لا يمكن تجاوزها ضمن حلقات الفساد الذي يُمارَس. كما أن آلية ممارسة الفساد لدى النظام مُحكمة، وأهمية الأشخاص الذين يديرونها لا ترتبط بمناصبهم، فكل أصحاب المناصب في السلطة التنفيذية من أصغر مدير إلى رئيس مجلس الوزراء مجرّد أدوات، يتم التخلص منهم بمجرد انتهاء أدوارهم، ولكن من يدير شبكات الفساد في الغالب هم من السلطة الأمنية أو السلطة الحزبية. لذلك نجد أن كل مسرحيات محاربة الفساد التي قام بها النظام لم تشمل في أي مرة مسؤولين أمنيين أو مسؤولين حزبيين، وإنما تكشف دائماً مسؤولين من السلطة التنفيذية، وهذه الحالة الوحيدة (قضية هلال) التي تم فيها استهداف مسؤول حزبي من قمة الهرم في قضية فساد، الأمر الذي يمكن تفسيره على أنه تصفية حسابات بين رفاق وشركاء الماضي، وربما يكون مطلباً خارجياً ارتأى النظام تنفيذه عبر التضحية بأحد مسؤولي حزبه السابقين.
 

المساهمون