قال أبو أحمد، المقاتل في صفوف المعارضة السورية، إن جماعة المعارضة التي ينتمي إليها صمدت لسنوات باستخدام الخنادق والأنفاق في مواجهة القوات الحكومية بالغوطة الشرقية إلى أن وصلت القوة الجوية الروسية لدعم الرئيس السوري بشار الأسد في 2015، فكان لها أثر مدمر.
وبينما يتابع أبو أحمد الأنباء الواردة من أوكرانيا، تتوالى على رأسه ذكريات الدور المحوري الذي لعبته موسكو في تحويل دفة الصراع لصالح الأسد وانقلاب الأمر على المعارضة الساعية للإطاحة به باستخدام أسلوب الحصار والقصف الوحشي.
وقال أبو أحمد متحدثا من مدينة تادف في شمال سورية حيث يقف للحراسة في موقع على الخط الأمامي الذي يفصله عن القوات الحكومية المدعومة من روسيا: "كان حدا يرد روسيا عنا. ولا دول الغرب ولا العرب ردوا روسيا عن قتال السوري. فهن توجهوا إلى أوكرانيا للحرب الأكبر".
وعاشت الغوطة الشرقية الواقعة على مشارف دمشق أطول حصار في التاريخ الحديث استمر أكثر من خمس سنوات قبل أن تستسلم في 2018 أمام هجوم ساندته روسيا.
وتوصل محققو الأمم المتحدة إلى أن الحصار واستعادة الغوطة الشرقية شهدا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقال المحققون إن حملة استعادة المنطقة انطوت على هجمات عشوائية أصابت المنازل والأسواق والمستشفيات.
وبالنسبة للسوريين الذين فقدوا الأهل والأصدقاء والمنازل في الهجمات التي دعمتها روسيا، توقظ عناوين الأخبار الواردة من أوكرانيا ذكريات صراع دمر جانبا كبيرا من بلدهم خلال العقد الأخير. ومع إتمام الصراع في سورية عامه الحادي عشر الأسبوع المقبل تتعاظم الأصداء. فالقوات الروسية تحاصر مدنا أوكرانية، كما طاول القصف المدنيين ولم تلق الدعوات لفرض منطقة حظر طيران أي استجابة. وتم فتح ممرات إجلاء في بعض المدن للسماح للسكان بالفرار رغم أن كلا من الجانبين يتهم الآخر بخرق وقف إطلاق النار.
وسقط مئات الآلاف قتلى في الحرب السورية التي تفجرت من انتفاضة على حكم الأسد في 2011، وأُرغم أكثر من نصف السوريين على النزوح عن بيوتهم وأصبح ملايين منهم لاجئين في الخارج.
وبعد نشر القوات الروسية في سورية عام 2015، سقطت جيوب المعارضة التي صمدت خلال سنوات الحصار والهجمات، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية، واحدة بعد الأخرى. وتنفي سورية استخدام الأسلحة الكيماوية.
ويتذكر أبو أحمد كيف قتلت غارة روسية في الغوطة الشرقية 17 مقاتلا كانوا يحتمون في نفق تحت الأرض كان في السابق مكانا آمنا من هجمات القوات الحكومية.
ورحل أبو أحمد عن الغوطة الشرقية مع عشرات الآلاف من السوريين، عندما سقطت في أيدي القوات الحكومية، خرجوا عبر ممر آمن إلى شمال البلاد الخاضع لسيطرة المعارضة بدلا من المجازفة بالعودة للحياة تحت حكم الأسد.
من حلب إلى أوكرانيا
تجمد الوضع على الخطوط الأمامية الرئيسية في سورية منذ سنوات، وانقسم البلد إلى مناطق منفصلة، النفوذ فيها لروسيا وتركيا والولايات المتحدة. وكانت واشنطن وغيرها من خصوم الأسد في الخارج يدعمون بعض فصائل المعارضة في وقت من الأوقات لكن دون منحها قوة النيران الكافية للإطاحة به.
وتبادلت قوى مختلفة السيطرة على تادف الواقعة في منطقة النفوذ التركي وكانت المدينة تخضع في فترة من الفترات لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. وتملأ ثقوب الطلقات النارية منازلها كما أن شوارعها تكاد تكون مهجورة. وتعد مبان تهدمت شاهدا على مدى القوة الجوية الروسية.
ويعيش في المنطقة الآن السوريون الذين فروا من حكم الأسد من مختلف أنحاء البلاد ومنهم من نزحوا من حلب عندما سقطت أحياؤها التي كانت تحت سيطرة المعارضة في أيدي القوات الحكومية عام 2016 بعد حصار استمر أشهرا بمساعدة روسية.
وقال محمود مدراتي (55 عاما)، الذي عاش في تادف منذ الفرار من حلب وهو يسترجع ذكرياته عن وطأة دخول روسيا الحرب، إن قصف القوات المؤيدة للحكومة ازداد فبدلا من طائرة واحدة أصبحت تشارك في القصف خمس أو ست أو عشر أو حتى 15 طائرة.
ووُجهت لأطراف أخرى في الصراع السوري اتهامات بالتسبب في سقوط ضحايا من المدنيين منها التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، غير أن حجم الموت والخراب الذي تسبب فيه القصف الروسي كان أكبر بكثير وفقا لما يقوله المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتابع الحرب باستخدام شبكة من المصادر في مختلف أنحاء سورية.
وتقول موسكو إنها تدخلت في سورية بناء على طلب الحكومة للمساعدة في محاربة الإرهابيين. ونفت موسكو استهداف المدنيين في سورية مثلما تنفي ذلك الآن في أوكرانيا.
وتصف أوكرانيا وحلفاؤها أفعال روسيا بأنها غزو وحشي أسفر عن مقتل مئات المدنيين. وتحولت مبان سكنية إلى أطلال وتم إخلاء مدن من سكانها وخرج أكثر من مليوني أوكراني من البلاد. واتهمت كييف موسكو بارتكاب جرائم حرب. ويقول الرئيس الروسي إن بلاده تنفذ عملية خاصة لتدمير القدرات العسكرية الأوكرانية وللتخلص ممن تعتبرهم قوميين يشكلون خطرا فيها.
أيها الأوكرانيون احذروا
رغم أن الهدوء يسود مدينة تادف إلى حد بعيد هذه الأيام، فقد أُصيب ابن محمود مدراتي البالغ من العمر سبعة أعوام جراء قصف من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة قبل سبعة أشهر. واضطر الأطباء لبتر ساقه ويده. وقال مدراتي إن الروس "انتهوا من حلب وانتقلوا الآن إلى بلد آخر ومن يدري إلى أين سيتجهون المرة القادمة".
وقد غادر مدراتي شأنه شأن الآخرين حلب عبر ممر تم فتحه تحت الإشراف الروسي في الوقت الذي كانت القوات المؤيدة للحكومة تتابع فيه الهجوم. وكانت هذه الممرات ملمحا من ملامح الحرب خرج عبرها خصوم الأسد من الجيوب المهزومة في مختلف أنحاء سورية. وفي أوكرانيا اقترحت موسكو أيضا ممرات إنسانية للخروج من المدن المحاصرة.
وأشار زكريا ملاحفجي، المسؤول في المعارضة السورية الذي كان ممثلا سياسيا للمعارضة في حلب عام 2016، إلى أن مناطق في المدينة وأجزاء أخرى من سورية كانت في السابق في أيدي المعارضة تعرضت لتفريغها من السكان.
وقال: "تجربتنا تقول هذا. وبرأيي الأوكرانيون ينبغي أن يكونوا حذرين من أي شيء يطرحه الروس"، مضيفا أنه نقل مخاوفه إلى صديق في وزارة الخارجية الأوكرانية. ويتابع أحمد الشيخ (26 عاما) أخبار الغزو الروسي لأوكرانيا وهو يجلس متربعا على حشبة على أرض مدرسة في تادف أصبحت بيته هو وأسرته المكونة من عشرة أفراد منذ خرجوا من حلب في 2016.
ونصيحته للأوكرانيين هي ألا يحاربوا الروس. ويقول الشيخ: "الأسلحة الروسية أقوى، ومهما كان عدد من يسقطون قتلى، فإن روسيا تريد أوكرانيا".
(رويترز)