حرب السودان... أوضاع إنسانية كارثية وسط المعارك وانقطاع الاتصالات

07 مارس 2024
سودانيات في الخرطوم، إبريل 2023 (Epa)
+ الخط -

مع اقتراب حرب السودان من إتمام عامها الأول في 15 إبريل/ نيسان المقبل، ازدادت الأوضاع الإنسانية والأمنية تدهوراً في هذا البلد بظل استمرار المعارك في عدد من الولايات، خصوصاً في العاصمة الخرطوم.

وتفاقمت الأوضاع أكثر بعد الانقطاع شبه الكامل لشبكات الاتصال والإنترنت، وتبادل طرفي الصراع العسكري، الجيش وقوات "الدعم السريع"، الاتهامات بشأن المسؤولية عن ذلك، وسط تصاعد الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وسقوط ضحايا مدنيين بشكل شبه يومي.

حرب السودان... انقطاع كامل للاتصالات

تسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت منذ مطلع فبراير في تفاقم الوضع الإنساني

ويخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، التي كانت تمثل أكبر وحداته البرية، صراعاً عنيفاً منذ منتصف إبريل الماضي، تسبب في سقوط آلاف القتلى والجرحى (13 ألفاً و900 قتيل بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية – أوتشا، في آخر تحديث في 23 فبراير/ شباط الماضي)، وتدمير الاقتصاد والبنى التحتية في السودان.

كما تسببت الحرب في أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ نزح أكثر من 7 ملايين شخص من مناطقهم، ولجأ الآلاف منهم إلى الدول المجاورة، بحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة.

وشهدت جميع ولايات السودان الـ18، منذ بداية شهر فبراير/ شباط الماضي، انقطاعاً كاملاً لشبكة الاتصالات التي توفرها ثلاث شركات، هي "زيد" و"سوداني" و"إم تي أن". واتهم الجيش قوات "الدعم السريع" بقطع الاتصالات. وأصدرت الشركات بيانات اعتذار لمشتركيها قائلة إنها تواجه مشكلات خارجة عن إرادتها وإنها تعمل لعودة الخدمة، التي عادت بالفعل لثلاث ولايات تدريجياً.

وتسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت منذ مطلع فبراير في تفاقم الوضع الإنساني نتيجة توقف المعاملات المالية التي تجري عبر التطبيقات المصرفية القليلة العاملة، والتي يعتمد عليها السودانيون، سواء كانوا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش أو "الدعم السريع"، في تلقي الأموال من ذويهم داخل البلاد وخارجها للصرف على معيشتهم اليومية.

تجارة "الكاش" وجشع التجار

واستغل بعض التجار انقطاع الشبكة وفتحوا أماكن لتقديم خدمة الإنترنت عبر أطباق "ستارلينك" الصغيرة التي انتشرت تجارتها أخيراً، وتبلغ قيمة الساعة للاتصال بالإنترنت عبرها ألفي جنيه (الدولار يساوي 1200 جنيه).

ويحضر المواطنون للاتصال والحصول على تحويلات مالية من ذويهم لشراء السلع الغذائية، لكن البعض منهم يتخوفون من فعل ذلك في مناطق سيطرة "الدعم السريع" خشيةً على هواتفهم من النهب أو التفتيش.

وفي سوق منطقة الكلاكلة، جنوب الخرطوم، يتجول عددٌ من المواطنين بحثاً عمّن يمنحهم مبلغاً نقدياً (كاش) مقابل تحويل بالتطبيق المصرفي دون مقابل أو بعمولة معقولة.

وبحسب ما رصدت "العربي الجديد"، يشترط بعض التجار والعاملين لتوفير النقد قرب الأماكن التي تتوفر فيها خدمة الـ"واي فاي" (إنترنت) الحصول على 15 في المائة من المبلغ المقرر مقابل ذلك، وقد كانت العمولة قبل أزمة الاتصالات تبلغ 5 في المائة.

المواطن علي موسى، الذي يسكن حي الشقيلاب في الخرطوم، أوضح لـ"العربي الجديد"، أن انقطاع الاتصالات فاقم وضعه المعيشي بعد توقف حصوله على مصاريف لأسرته من شقيقه في السعودية وأصدقائه في المناطق الآمنة. وشرح موسى أنه يضطر للذهاب لمكان الـ"واي فاي" كل أسبوع والاتصال لمدة ساعة والمغادرة بسرعة بسبب عدم شعوره بالأمان حيث ينتشر مقاتلو "الدعم".

من جهته، قال الناشط المجتمعي في منطقة جنوب الحزام في الخرطوم محمد عبدو، لـ"العربي الجديد"، إن أزمة النقود التي نتجت عن انقطاع الاتصالات دفعت عدداً من المواطنين إلى عرض أثاث منازلهم وأجهزتهم الكهربائية وهواتفهم النقالة للبيع بأسعار زهيدة من أجل شراء السلع الغذائية التي ترتفع أسعارها مع قرب شهر رمضان (يبدأ الأسبوع المقبل). وأضاف أن استمرار انقطاع الاتصالات الهاتفية والإنترنت سيفاقم الأوضاع المعيشية وربما يتسبب في مجاعة وكارثة إنسانية.

غضب وشكوى من طرفي الحرب

ويشكو المواطنون العالقون في مناطق سيطرة "الدعم السريع" في الخرطوم من الفوضى وغياب القانون واعتداءات المقاتلين والمتعاونين معهم وعمليات النهب والسرقة، إلى جانب استمرار القصف العشوائي والرصاص الطائش وحوادث السير التي يتعرضون لها بسبب القيادة السريعة والمتهورة لمقاتلي "الدعم" في الشوارع.

وقال مواطنون في أحياء الكلاكلة، جنوب الخرطوم، والحاج يوسف في مدينة بحري، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعم السريع" بدأ حملات خلال الأيام الماضية للقبض على منتسبيه المتهربين من المشاركة في المعارك، والذين يقيمون في وسط الأحياء السكنية ويدخلون دائماً في مشاجرات مع المواطنين. وقال المواطن محمد عبد الباقي إن عدداً من هؤلاء اختفوا من الحي، وعندما سأل جندياً يعرفه عنهم، أخبره بأنه تمّ إرسالهم إلى المعارك.

وأعربت السيدة آمنة إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن غضبها بسبب ما تصفه بمماطلة الجيش في التفاوض وإنهاء معاناتهم مع الوضع المعيشي وانتهاكات "الدعم السريع"، مضيفة أنهم عادوا مجبرين إلى الخرطوم لكنهم يعانون من الظروف الصعبة وغياب المساعدات الإنسانية. وأشارت إلى أنه يصعب عليهم البقاء ولا يمكنهم في الوقت ذاته المغادرة إلى أي مكان آخر، وأن الحل الوحيد في نظرها هو اتفاق الطرفين وإنهاء الحرب.

ولا تزال الأحياء الجنوبية لمدينة الخرطوم تشهد عودة بعض النازحين إلى منازلهم رغم وقوعها في مناطق سيطرة "الدعم السريع"، وذلك بعدما لحقت بهم المعارك إلى المناطق التي لجأوا إليها في ولايات مثل الجزيرة والنيل الأبيض. كما يعود مواطنون إلى مناطق شرق النيل في الخرطوم بحري، وأحياء الثورات في مدينة أم درمان التي يسيطر الجيش على أجزاء واسعة منها.

وشهدت الأسابيع الأخيرة الماضية معارك في مدينة أم درمان، استطاع خلالها الجيش ربط منطقة كرري العسكرية (أقصى شمال أم درمان)، مع سلاح المهندسين، وبدأ في محاصرة هيئة الإذاعة والتلفزيون على ضفة النيل، والتي يسيطر عليها مقاتلو "الدعم السريع" منذ بداية الحرب. كما يستمر الجيش في التقدم من مقر "السلاح الطبي" باتجاه منطقة الموردة القريبة من هيئة الاذاعة، إلى جانب بسط سيطرته على السوق الشعبي في أم درمان.

وتُسمع أصوات القصف الجوي والمدفعي في مناطق القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم وفي سلاح المدرعات، جنوب المدينة، وأيضاً في مدينتي بحري وأم درمان، ويشاهد المواطنون ليلاً الأضواء الحمراء الناتجة عن المضادات الأرضية التابعة لقوات "الدعم السريع"، والتي تحاول التصدي لطائرات الجيش المقاتلة والاستطلاعية، إذ تواصل طائرات الاستطلاع من طراز "أنتنوف" الروسية التحليق باستمرار في سماء العاصمة.

وقالت مجموعة "محامو الطوارئ" الحقوقية السودانية في بيان في 24 فبراير الماضي، إن القصف العشوائي لا يزال يجتاح منطقة جنوب الحزام في الخرطوم، حيث اشتدت غزارة القذائف المدفعية أخيراً في مناطق حيوية مثل النهضة (الإنقاذ) بمربعات 1 و3 و4، ما أدى إلى مقتل 7 مدنيين وإصابة 3 آخرين بجروح خطيرة.

وأضافت المجموعة: "نحن ندين بأشد العبارات استمرار هذه المجازر البشعة التي تستهدف الأبرياء في كل ركن من أركان العاصمة، ما يزيد من معاناتهم ويعمق الأزمة الإنسانية، كما يظل انقطاع الاتصالات والإنترنت سائداً، ويتواصل نقص الغذاء والخدمات الطبية". ولفتت إلى أن "انقطاع الاتصالات يعرقل بشكل كبير جهود رصد وتوثيق الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها المدنيون في حرب السودان الدامية هذه".

وفي ولاية الجزيرة القريبة من العاصمة، استمرت اعتداءات "الدعم السريع" على قرى "مشروع الجزيرة" منذ سيطرتها على مدينة ود مدني، عاصمة الولاية، منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

صلاح مصطفى: السودان بات أقرب للحرب الأهلية الشاملة في ظل تناقص الاهتمام العالمي بما يحدث في هذا البلد

من جهتها، قالت "لجان المقاومة" في مدينة ود مدني (تنظيمات شعبية)، في بيان أصدرته في 4 مارس/ آذار الحالي، إن "قوات الدعم السريع ما زالت تمارس ما تتقنه من ارتكاب انتهاكات سلب ونهب واغتصاب وترويع لمواطني الجزيرة"، مضيفة أن الولاية "تشهد عملية تهجير ممنهجة لمواطني الجزيرة وسط صمت كامل وتام من كل القوى السياسية ومنظمات حقوق الإنسان ودول العالم".

وفي مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، غربي البلاد، تواصل "الفرقة 22 مشاة" التابعة للجيش السوداني، التصدي لهجمات متكررة تنفذها "الدعم السريع" على المدينة منذ أكثر من شهر. وشهدت المدينة موجات نزوح للسكان هرباً من الاشتباكات، كما تشهد بصورة مستمرة قصفاً مدفعياً وطلعات جوية للطيران الحربي.

وقال الكاتب والمحلل السياسي صلاح مصطفى، لـ"العربي الجديد"، إن الجيش انتقل من حالة الدفاع طوال الفترة الماضية إلى الهجوم على مواقع "الدعم" وتحرير عدد من مناطق العاصمة. وأضاف مصطفى أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في عدد مقاتلي "الدعم" في مناطق سيطرتهم بالخرطوم، إلى جانب انخفاض عدد الآليات القتالية نتيجة استنزافها في الهجمات المتكررة وتوسيع المعارك في الولايات.

وأشار الكاتب والمحلّل السياسي إلى أن الطرفين ينبغي أن يجلسا بجدية لإنهاء الحرب، إذ وصل الناس إلى مرحلة حرجة ولا يمكنهم تحمل المزيد. واعتبر أن المفاوضات صارت تخضع للأمزجة الشخصية للقادة العسكريين، من دون مراعاة لما يعانيه مواطنوهم والانهيار الكارثي الذي وصلت إليه الدولة، مشيراً إلى أن البلاد باتت أقرب للحرب الأهلية الشاملة أكثر من أي وقت مضى في ظل تناقص الاهتمام العالمي بحرب السودان وبما يحدث في هذا البلد.

المساهمون