حراك أميركي في ليبيا: رسائل للدبيبة وحفتر ومصر

21 يناير 2023
أوردمان يتوسط لامونتاني (يمين) وحفتر في بنغازي (فيسبوك)
+ الخط -

تفرض الزيارات الأخيرة لمسؤولين أميركيين بارزين إلى ليبيا عدة تساؤلات حول تسارع حراك واشنطن، في الوقت الذي يشهد فيه الملف الليبي تغيرات جوهرية، تمثلت في عودة الوفاق بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ثم تجدد الخلاف بينهما. 

وقام مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، الأسبوع الماضي، بزيارة هي الأولى لمسؤول أميركي رفيع المستوى في عهد الرئيس جو بايدن، التقى خلالها برئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، في طرابلس، قبل أن يزور بنغازي للقاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في أجواء من التكتم حول الهدف من الزيارة، التي لم يظهر منها سوى تصريح مقتضب للحكومة في طرابلس أوضح أنها جاءت للتأكيد على ضرورة "تطوير التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين". 

وبعد أقل من أسبوع من زيارة بيرنز، وصل نائب قائد القوات الجوية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال جون دي لامونتاني، إلى بنغازي، والتقى بحفتر أيضاً. وأشارت السفارة الأميركية، في بيان هذه المرة، إلى أن الهدف كان "مناقشة التنسيق الأمني، بما في ذلك الطيران، وأهمية توحيد الجيش الليبي تحت قيادة مدنية منتخبة ديمقراطياً". 

مسؤول ليبي: بيرنز طالب الدبيبة بالاتفاق مع حفتر بسرعة

وسبق اجتماع لامونتاني وحفتر لقاء جمع القائم بالأعمال الأميركي في ليبيا ليزلي أوردمان، الذي كان برفقة بيرنز في اللقاءات السابقة ولامونتالي في لقائه بحفتر، بعقيلة صالح لمناقشة "أهمية بناء الوحدة، ورأب صدع الخلافات الليبية، والتعجيل بالانتخابات". 

دون شك فإن لهذا الحراك الأميركي المتسارع في هذا التوقيت أهدافه. لكن توقيت الزيارة قد يثير أسئلة حول إمكانية وجود رؤية جديدة لواشنطن في إدارة الملف الليبي، خصوصاً أنه ملف متصل بالأحداث الإقليمية.

توجيهات أميركية صارمة للدبيبة

وفي السياق، قال مسؤول سياسي ينتمي لمعسكر غرب ليبيا، إن لقاء بيرنز مع الدبيبة، تضمن ما يمكن وصفه "بالتوجيهات الصارمة". وكشف المسؤول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن بيرنز طالب الدبيبة بضرورة سرعة التوصل لاتفاق مع قائد قوات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر تضمن تلبية مطالبه، فيما يتعلق بالأموال اللازمة لدفع جزء من رواتب مقاتليه من خلال عوائد النفط، وذلك في محاولة لتخفيف وطأة السيطرة والضغوط الروسية عليه، خاصة في ظل تمركز مرتزقة "فاغنر" الروس في منطقتي سرت والجفرة. 

من جهته، قال مصدر آخر مطلع على الأوضاع في معسكر شرق ليبيا، إن المحرك الرئيسي لبيرنز، والذي دفعه لزيارة ليبيا في هذا التوقيت تحديداً، مرتبط بتحركات وضغوط من جانب موسكو وأطراف إقليمية أخرى، لحث حفتر على اتخاذ خطوات عملية نحو إقامة حكم ذاتي لإقليم شرق ليبيا، الذي تتركز فيه الحقول النفطية، وعدم إبداء قائد قوات شرق ليبيا أية اعتراضات من جانبه على هذا التوجه.

تحذيرات أميركية لحفتر

كما وجه بيرنز، بحسب المصدر ذاته، تحذيرات شديدة اللهجة لحفتر، بشأن المساس بالحقول النفطية، مشدداً على ضرورة توفير عوامل الأمن اللازمة لاستمرار عمل تلك الحقول. 

وأكد، في الوقت ذاته، على أن واشنطن لن تتهاون في التعامل مع أي طرف يتبين لعبه أي دور في إيقاف العمل بالحقول النفطية مجدداً، خاصة في ظل الأزمة التي تعيشها أوروبا في الوقت الحالي، بسبب انقطاع إمدادات روسيا من الطاقة، ضمن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. 

وبحسب المصدر، فإن بيرنز أكد خلال لقائه مع حفتر في شرق ليبيا، على ضرورة اتخاذ خطوات فعلية على صعيد ملف مرتزقة "فاغنر" والخبراء الروس الموجودين في قاعدة الجفرة.

في مقابل ذلك، كشف دبلوماسي غربي في القاهرة، تقوم بلاده بدور فاعل في الأزمة الليبية، عن اتصال جرى أخيراً بين بيرنز ورئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل، خلال زيارة الأول لليبيا جرى خلاله "توجيه رسائل شديدة اللهجة لمصر"، مؤكداً أن تحركات قامت بها القاهرة أخيراً على صعيد الأزمة الليبية لم تقابل بترحيب وقبول أميركي، كان من بينها أمور متعلقة بدفع حفتر نحو خطوات ذات طابع عسكري من شأنها خلط الأوراق مجدداً في ليبيا. 

وأشار إلى أن التوجه المصري الذي أغضب واشنطن، جاء في أعقاب الخطوة التركية بتوقيع الاتفاقية البحرية المرتبطة بالتنقيب عن النفط والغاز مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، وعدم وجود موقف أميركي واضح بشأن تلك الخطوة، وهو موقف مناقض تماماً لما كانت تأمله القاهرة. 

وأشار الدبلوماسي الغربي إلى أن القاهرة، في إطار مشاوراتها مع حفتر بشأن الاتفاقية الموقعة بين تركيا وحكومة الدبيبة، كانت تدفع قائد قوات شرق ليبيا، نحو إجراءات تمثل تهديداً للدبيبة وتركيا، من أجل دفعهما للتراجع عن الاتفاقية في الوقت الراهن.

والأسبوع الماضي علقت محكمة استئناف طرابلس اتفاقية التنقيب عن النفط والغاز موقعة بين حكومة الوحدة مع تركيا، والتي أثارت غضب القوى الإقليمية المطلة على البحر المتوسط، فيما فتحت المحكمة الباب لحكومة الوحدة للطعن على الحكم. 

مصدر: بيرنز أكد لحفتر ضرورة اتخاذ خطوات ضد "فاغنر" 

ورأى الدبلوماسي الغربي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أن زيارة رئيس هيئة الاستخبارات الأميركية مؤخراً إلى ليبيا، أعادت خلط الأوراق مجدداً. وأوضح أن التصور الخاص بتشكيل حكومة جديدة مع إدخال تعديلات عليه، عاد مجدداً إلى الصورة رغم المشاورات التي جرت في القاهرة بين صالح، والمشري. 

وأوضح الدبلوماسي الغربي، أن هناك طرحا يلقى قبولاً دولياً بدرجة مناسبة، يتضمن تشكيلاً حكومياً مختلطاً، يكون برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على أن تكون من أولى مهامه في هذه الحالة، إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن.

ازدياد اهتمام أميركا بليبيا

وفي نظر مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية السنوسي بسيكري، تستدعي زيارة بيرنز الوقوف عند نقاط مهمة، أولها أنه "شخصية تمثل أعلى هرم السلطة الأمنية المخابراتية، فضلاً عن كونه سياسيا ودبلوماسيا مقربا من بايدن". 

وزيارة شخصية من هذا الوزن تعني، بحسب بسيكري، أن اهتمام الولايات المتحدة "ازداد حيال الملف الليبي ومن المرجح أن تكون مقاربتها في هذا الملف في الفترة القادمة أمنية بامتياز، ولكل هذا يتوجب أن يجري مسؤول رفيع المستوى كبيرنز زيارة إلى ليبيا ليضع بعض النقاط على الحروف". 

وعلى الرغم من أن شخصية بيرنز استخباراتية في المقام الأول، إلا أن بسيكري يلمس نكهة سياسية من الزيارة "تدفع نحو ضرورة إجراء الانتخابات في أقرب الآجال، بحيث قد يتطلب أي تعطيل للانتخابات البحث عن مسار مواز لطريق مجلسي النواب والدولة، وقد تكون الزيارة حملت تحذيراً للقادة الليبيين من إمكانية البحث عن هذا المسار الموازي أو البديل". 

واستشهد بسيكري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بصدى التحذير الأميركي في كلمة عقيلة صالح خلال جلسة مجلس النواب الثلاثاء الماضي، والتي حث فيها أعضاء مجلس النواب على ضرورة "إنجاز شيء قبل مارس/آذار المقبل، وكرر ذلك أكثر من مرة في كلمته". واعتبر أن حديث صالح "يترجم رسالة إلى أميركا مفادها أنه يجب أن نصل إلى شيء قبل أن تطاولنا نتائج التحرك الأميركي حيال الملف الليبي". 

ويعود بسيكري للتأكيد على الرسالة الأمنية التي حملتها زيارة بيرنز، خصوصاً قضية التواجد الروسي، فهو لا يستبعد أن ترى أميركا في تقلص أعداد "فاغنر" في ليبيا، بعد إمكانية انتقال جزء كبير منها للقتال في أوكرانيا، "فرصة سانحة لإخراج الروس، وإنهاء القلق المتصاعد من وجودهم في ليبيا".

احتمال عمل أميركي ضد "فاغنر"

ووفق معلومات وصفها بالشحيحة، إلا أنه لم يستبعدها، يتحدث بسيكري عن "احتمال لجوء أميركا لعمل عسكري ضد ما تبقى من قوات فاغنر في ليبيا"، مذكراً بتصريحات مسؤولين أميركيين بأن "الخيارات الأميركية حول التعامل مع قوات فاغنر مفتوحة". 

وفي اعتقاد بسيكري فإن مثل هذا السيناريو "لا يعني المواجهة الأميركية المباشرة مع القوات الروسية"، ولهذا يريد الأميركيون، وفق قوله، "التنسيق بين القوات المتصارعة الليبية في الشرق والغرب، على مستوى القوات الجوية، لمواجهة فاغنر، في حال رفضوا الخروج". ورجح أن الإجراءات التي ستسبق أي عملية عسكرية هي "طلب رسمي من حفتر بإخراج القوات الروسية، وفي حال رفضها تتجه أميركا لاستخدام القوة الجوية العسكرية بواجهة ليبية".

بسيكري: ما توافق عليه صالح والمشري لم يرض الأميركيين
 

ويستشهد بسيكري لذلك بأن اللقاء الأخير مع حفتر أجراه نائب قائد القوات الجوية الأميركية في قوات "أفريكوم"، وبإشارة السفارة الأميركية، في تغريدة، لمناقشة عن "التنسيق الأمني" مع حفتر "بما في ذلك الطيران"، في إطار حديثها عن "عملية توحيد الجيش الليبي"، معتبراً أن مناقشة المسؤولين الأميركيين مع حفتر حول ضرورة "توحيد الجيش الليبي تحت قيادة مدنية منتخبة ديمقراطياً يعني أن حفتر مورست عليه ضغوط بألا يعرقل المسار السياسي، ويلتزم بدوره كشخصية عسكرية خاضعة لحكومة مدنية". 

وحول أثر الزيارات الأميركية على القادة السياسيين الآخرين، اعتبر بسيكري أن ما توافق عليه صالح والمشري برعاية القاهرة "لم يكن مرضياً للأميركيين، لأنها توافقات مصلحية"، ولهذا رأى أن "ضغطاً أميركياً جاء في اتجاه مختلف ترجمه تراجع صالح عن اتفاقه مع المشري، وهو تراجع قد يكون ترجمة لانزعاج مصري"، مشيراً إلى أن المشري رد بالمقابل بالتقارب مع الدبيبة الذي سبق وأن اتفق مع صالح لإزاحته من المشهد.

ورجح بسيكري أن تكون زيارة رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان إلى طرابلس قبل أيام، قربت المسافة بين المشري والدبيبة، معتبراً أن السياسة التركية في الملف الليبي منفصلة عن الأميركية

وأوضح أن "إدراك أنقرة أن تخلخل الجبهة الغربية في هذه المرحلة الحرجة ومع كل قدوم جديد للأميركيين بأجندة مختلفة لن يخدم مصالحها وحلفاءها في الغرب الليبي"، ومن هذا المنطلق جاءت زيارة رئيس المخابرات التركية في خضم النشاط الأميركي لمحاولة رأب الصدع بين الأطراف الفاعلة في الجبهة الغربية، وترميمها لمواجهة أي تداعيات للأجندة الأميركية، وكذلك للموقف المصري الجديد الذي برز هو الآخر في تغيير صالح لموقفه ونقضه لتوافقاته مع المشري.

وعلى النقيض من ذلك، لا يرى رئيس حزب "صوت الشعب" فتحي الشبلي، أي صبغة سياسية في زيارة رئيس المخابرات الأميركية لليبيا. 

وأوضح أنه "يجب أولاً معرفة أن بيرنز سياسي مخضرم تعول عليه الإدارة الأميركية كثيراً، وكان سفيرها في روسيا والأردن، كما أنه مهندس غزو أفغانستان والعراق في عهد (جورج) بوش الابن، ومهندس الملف النووي الإيراني أيام (الرئيس الأسبق باراك) أوباما. وزيارته أمنية بحتة، أصدر فيها مجموعة تعليمات، دون أن تتم مناقشة أي مسألة، ولهذا لم تستغرق لقاءاته أكثر من 20 دقيقة، فإصدار التوجيهات لا يستغرق أكثر من ذلك، عكس المباحثات السياسية التي تستغرق وقتاً أطول".

وأضاف الشبلي، في حديثه لـ"العربي الجديد" في إطار تدليله على أن زيارة بيرنز أمنية فقط، أن "أميركا سلمت ملف ليبيا السياسي لتركيا بالنيابة"، وهو ما دفع رئيس المخابرات التركية لتقفي أثر نظيره الأميركي، والقدوم لطرابلس بعده بأيام، وعقد اجتماعات سياسية.

وفي منظور الشبلي، فإن واشنطن "لا تلقي بالاً لمسألة الوفاق والحل السياسي في ليبيا، ولا يسيل لعابها لبضعة براميل نفط ننتجها ولا تغطي محطات الوقود في ولاية أميركية واحدة". ومن هذه الزاوية لا يرى "أي اختلاف أو تجديد في الحراك الأميركي تجاه الملف السياسي الليبي". 

وتبعاً لذلك، طرح الشبلي ملف "فاغنر" الأمني كأول المشاغل التي جاءت ببيرنز وكبدته عناء السفر إلى ليبيا، فمسألة إخراج القوة الروسية من ليبيا "هي القضية الرئيسية التي ترهق السياسة الأميركية"، خصوصاً أن "فاغنر" لهم قواعد عسكرية في الجنوب الليبي قد تهدد المصالح الأميركية في المنطقة. 
واعتبر أن قضية إخراج "فاغنر" من ليبيا حورت الأمر بالنسبة للأميركيين "من المصلحة إلى الضرورة"، بعد احتدام الصراع في أوكرانيا. 

وفي سياق نفيه لوجود أي مقاربة سياسية للحراك الأميركي الجديد في الملف الليبي، اعتبر الشبلي أن واشنطن لا تثق بأي من السياسيين الليبيين "ولا حتى المرشحين للرئاسة، بمن فيهم حفتر الذي عاش ربع قرن في ولاية فرجينيا ويحمل الجنسية الأميركية". ورأى أن الأمر الوحيد الذي قد يحرك أميركا سياسياً وبقوة نحو الملف الليبي هو "عثورها على (الرئيس الأفغاني السابق حامد) كرزاي جديد، يضمن مصالحها عندما يتمكن من الحكم".

المساهمون