حالة الإنكار الدائمة في تونس

06 فبراير 2023
ينكر قيس سعيّد كل شيء من حوله (الأناضول)
+ الخط -

تعيش النخبة السياسية التونسية حالة إنكار لا تنتهي، للواقع وللأرقام وللحقائق الصادمة التي لا تقبل الجدال أحياناً، ويصر الجميع على الهروب إلى الأمام بدل مواجهة هذا الواقع عقلانياً ومحاولة فهمه وتحويله ثم إصلاحه.

ويبدو "سيد المنكرين"، الرئيس قيس سعيّد، على أعلى هرم هذه النخبة، منكراً كل شيء من حوله، حتى إنه اعتبر ذات يوم أنه من كوكب آخر، أكثر طهراً وأخلاقاً وسمواً من معارضيه طبعاً.

يعتبر سعيّد أن 9 في المائة من الذين صوّتوا لبرلمانه أفضل من 90 في المائة، وأن الاستشارة الإلكترونية والاستفتاء والانتخابات كلها ناجحة، وعبّر فيها "الشعب" عن رأيه، منكراً أن هذا الشعب قاطعه كما لم يقاطع أحداً في تاريخه. وينكر سعيّد الواقع الاقتصادي المرير، فكله في نظره من صنع الغرف المظلمة والمناوئين والخونة، لأن تونس غنية ولها موارد، ولكنّ السارقين هم السبب.

ولكنّ الرئيس ليس وحده من يعيش حالة الإنكار هذه، فحتى معارضوه كذلك. وقد شهدت نهاية الأسبوع في تونس جدلاً حول نتائج استطلاعات رأي نشرتها مؤسسة "سيغما كونساي" في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، حول تصويت التونسيين لو جرت انتخابات رئاسية حالياً، ويوضع سطر عريض تحت حالياً.

وأظهرت التوقعات تصدّر سعيّد بـ49,4 في المائة من مجموع الأصوات المعلنة، ثم يأتي النائب السابق الصافي سعيّد، ومغني الراب المثير للجدل "كادوريم"، ثم رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي. ويأتي من بعدها الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي، ثم رئيس حزب آفاق تونس الفاضل عبد الكافي، وقيادات حزبية أخرى كناجي جلول وعبد اللطيف المكي.

هذه النتائج أثارت موجة من ردود الفعل الساخرة والمشككة، ولكن النادر منها حاول التوقف عندها وتحليلها. وبقطع النظر عن مصداقيتها العلمية واتهامها بتوجيه الرأي العام، وتوقيتها الذي يراه البعض غير بريء لخروج هذه الشركة في الوقت الحالي بعد أن صمتت طيلة الأشهر الأخيرة، فإنّ هذه الشركة هي التي كانت نبّهت في السنوات الماضية من صعود خفي في عملية سبر الآراء لمرشح اسمه قيس سعيّد، لم ينتبه إليه أحد إلى أن فوجئ به الجميع رئيساً للبلاد.

لا ندري لماذا يشكك البعض في ذلك بدل محاولة أخذ الأمور بجدية والانطلاق في بحث توافقات تنتهي بتقديم مرشح موحد للمعارضة، فيه من المواصفات ما يُطمئن بعدم الغدر بالديمقراطية، ويجمع الناس من حوله بدل تفريقهم. ولكنها النعامة وإنكار الواقع الذي يدمر شعباً وحرية.

المساهمون