تفيد التسريبات التي تتكشف من اجتماعات الحزبين السياسيين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، شمالي البلاد، (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني)، بتحقيق اتفاق أولي على الوصول بمرشح إلى بغداد لتقديمه لمنصب رئاسة الجمهورية.
وجرى العرف السياسي المعمول به في العراق بعد عام 2003 على أن يكون منصب رئاسة الجمهورية، الذي لا يتمتع بأي صلاحيات تنفيذية وفقاً للدستور النافذ بالبلاد، من نصيب القوى السياسية الكردية.
وتحدثت عدة مصادر سياسية كردية لـ"العربي الجديد"، في هذا الإطار عن استمرار الاتصالات بين الحزبين لغاية اليوم الخميس، بغية الاتفاق النهائي على مرشح واحد، مؤكدة أنّ المفاوضات بين الطرفين تشمل ملفات أخرى داخل الإقليم تتعلق بمناصب مختلفة، إلى جانب ملف منصب محافظ كركوك.
وتعثرت عدة وساطات للتوفيق بين الحزبين الكرديين الرئيسيين للتوصل إلى "مرشح تسوية" للمنصب من قبل أطراف داخلية وخارجية طيلة الأشهر العشرة الماضية، حيث يتمسّك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بمرشحه رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، في مقابل تمسّك الحزب الديمقراطي الحاكم في أربيل بمرشحه ريبر أحمد.
مرحلة تفاهمات متقدمة
واليوم الخميس، قال القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني محمود خوشناو، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التفاوض ما زال مستمراً مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، ووصلنا الى مرحلة تفاهمات متقدمة، لكن حتى اللحظة لم يتم الاتفاق بشكل نهائي على المرشح الموحد للحزبين لرئاسة الجمهورية، والذي سيمثل القوى الكردية في بغداد".
وبيّن خوشناو أنّ "هناك اتفاقاً بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على الدخول بمرشح واحد لرئاسة الجمهورية لجلسة انتخاب الرئيس الجديد، خلال المرحلة المقبلة، لكن حتى الساعة لا اتفاق نهائيا على شخص هذا المرشح بين الحزبين".
وأكد أنّ "الاتحاد الوطني الكردستاني ما زال متمسّكاً بمرشحه لرئاسة الجمهورية (برهم صالح)، وليس لديه أي مرشح آخر بديل عنه، لكن الحوار والتفاوض خلال الأيام القليلة المقبلة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ربما يصل إلى اتفاق على دعم صالح لولاية ثانية، فهذا الأمر ممكن وغير مستبعد".
في المقابل، أكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبين سلام، في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود "تفاهمات متقدمة حصلت خلال اليومين الماضيين مع الاتحاد الوطني الكردستاني من أجل حسم مرشح منصب رئاسة الجمهورية، لكن لا اتفاق نهائيا على اسم المرشح الواحد، الذي يمثل القوى الكردية".
وبيّن سلام أنّ "الحوار مستمر حالياً من أجل الوصول الى اتفاق بشان هذا المرشح".
وأضاف أنّ "حسم مرشح رئاسة الجمهورية سيكون قريباً جداً وبعد انتهاء مراسم زيارة الأربعين الدينية (غداً الجمعة)، والتفاوض مستمر في إقليم كردستان، للوصول إلى اتفاق نهائي يحظى بدعم جميع القوى الكردية، وليس الحزبين الرئيسيين فقط".
سلة خلافات
كما تحدث سياسي كردي آخر عن كواليس الحوارات الجارية بين أربيل والسليمانية، مبيّناً لـ"العربي الجديد"، أنّ التفاوض "يجري على سلة مشاكل وخلافات كاملة بين الجانبين ومنصب رئيس الجمهورية أهمها"، متحدثاً عن ملفات عديدة، من بينها مناصب قيادية في البشمركة وحكومة الإقليم ومنصب محافظ كركوك، إلى جانب ملفات إدارية وحكومية أخرى بالإقليم، كاشفاً أنّ ملف الانتخابات المحلية في إقليم كردستان "حاضر في المباحثات".
ووصف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، جولة الحوار الحالية بأنها "حاسمة وقد تكون الأخيرة من نوعها في ما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية، ومسألة استبدال المرشحين للمنصب أو الإبقاء على أحدهما قائمة".
في غضون ذلك، قال عضو تحالف "الإطار التنسيقي" النائب محمد الصيهود، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القوى السياسية في بغداد بدأت تضغط على الحزبين الكرديين لحسم الخلاف والاتفاق على مرشح، فهذا الخلاف الكردي – الكردي يعطل تشكيل الحكومة الجديدة"، وفقاً لقوله.
وبيّن الصيهود أنّ "الخلاف الكردي الداخلي كان عنصراً أساسياً في تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، ولهذا نحن نضغط من أجل دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني للاتفاق على مرشح واحد أو مرشح تسوية، حتى لا يكون هناك معرقل للمضي بعملية تشكيل الحكومة بعد انتهاء مراسم زيارة الأربعين".
وأضاف أنّ "قوى الإطار التنسيقي ملزمة بدعم أي ترشيح واتفاق بشأن رئاسة الجمهورية من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني، فهناك شراكة وتفاهم بين الإطار والاتحاد ولا يمكن المضي بأي عملية حسم لرئاسة الجمهورية دون دعمها والموافقة عليها من قبل الاتحاد"، وفقاً لقوله.
ويتطلب عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد حضور ثلثي عدد نواب البرلمان (220 من أصل 329)، وفقاً لما كانت قد قررته المحكمة الاتحادية العليا، وسط مخاوف من عدم تحقيق النصاب في حال فشلت القوى الكردية في التوصل إلى اتفاق على مرشح واحد يمثلها.
وتكمن أهمية اختيار رئيس جديد للبلاد في كون الدستور ألزم بأن يتولى الرئيس المنتخب داخل البرلمان، في الجلسة نفسها، تكليف مرشح "الكتلة الكبرى" بتشكيل الحكومة.
ولا يتمتع منصب رئاسة الجمهورية في العراق بأي صلاحيات تنفيذية، بحسب الدستور الذي أقرّ عام 2005 باستفتاء شعبي عقب نحو عامين من الغزو الأميركي، إذ حصر الصلاحيات التنفيذية بشكل كامل في يد رئيس الحكومة، بينما مُنح رئيس الجمهورية مهامّ تشريفية، مثل توقيع المراسيم الجمهورية، وتقليد الأوسمة والأنواط، وتقديم مقترحات للقوانين والتشريعات، وتمثيل العراق في المحافل الدولية، فضلاً عن تكليف مرشح الكتلة الكبرى في البرلمان بتشكيل الحكومة.