جنود إسرائيليون خرجوا من غزة: روائح الجثث تلاحقنا

06 فبراير 2024
لا تزال آلاف من جثامين الشهداء الفلسطينيين تحت أنقاض المباني وفي الطرقات بغزة (Getty)
+ الخط -

"خرجنا من غزة، لكنها لا تتركنا، وأشعر طوال الوقت برائحة الجثث في أنفي"، بهذه الكلمات عبّر جندي إسرائيلي عن الوضع الذي يمرّ به هو وعدد من الجنود الإسرائيليين الذين خرجوا من غزة في الأيام الأخيرة، بعد نحو أربعة أشهر من مشاركتهم في حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع.

وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الثلاثاء، أن الجندي تال نيف، الذي تحدث إليها، وصف مشاهد صعبة في القطاع، وأن حالته تعبّر عن حال الكثير من جنود الاحتياط الذين قد يُستدعَون مجدداً في أي لحظة.

يقول الجندي: "تلقينا ضربة صعبة في غزة، وقُتل اثنان من رفاقي وأُصيب أربعة. أعتقد أنني سأحتاج إلى المزيد من الوقت لكي أشرح كيف ستبدو الحياة بعد ذلك، ولكن الآن بشكل خاص تفاعلي مع البشر لا يزال صعباً، ومزاجي يرتفع وينخفض، ولكن بالأساس يبقى سيئاً ويراودني التوتر، ولديّ الكثير من الحزن في وجهي".

وأضاف الجندي: "لقد سُرِّحتُ، لكنني أعلم أنهم سيستدعوني في الفترة القريبة مجدداً، ولذلك ما زلت في حالة تأهب، وأعلم بأنه سيحين الوقت لأتعامل مع هذا الوضع".

وأدت حرب الاحتلال الوحشية على غزة إلى استشهاد أكثر من 27 ألفاً و500 فلسطيني حتى اليوم، جلهم من الأطفال والنساء، فيما اعتُبر نحو 7 آلاف في عداد المفقودين، والذين تعذّر الوصول إلى جثامينهم لانتشالها، سواء تحت الأنقاض أو في طرقات ومناطق القطاع التي يمنع جيش الاحتلال الوصول إليها.

ووصف نيف بعض ما عاشه جنود الاحتلال في غزة، قائلاً: "لقد عشنا هناك الكثير من الأمور، بما في ذلك انفجار قنبلة على مقربة منا، وكذلك قذيفة هاون أُطلقت باتجاهنا. لقد رأينا مخربين والكثير من الموت والانفجارات. حتى إني أواجه حالة من الوهم، التي لا أعلم إن كانت سترافقني طوال حياتي. عندما أنتهي من الاستحمام وأخرج من الحمام نظيفاً كلياً، أشعر فجأة لمدة 10 ثوانٍ بأني أشتمّ رائحة جثث. لقد كانت الرائحة صعبة جداً في كل مكان، خصوصاً في الأيام الأولى، في غلاف غزة وكذلك داخل غزة".

وأضاف: "أحاول أن أتأقلم مع هذا الوضع الذي طاول حواسي. لقد عشنا الكثير من اللحظات والتجارب التي قرّبتنا من الموت. عدة مرات في غضون الأشهر الأربعة، كان لديّ انطباع بأني سأموت ولن أخرج من هنا. وهذه ليست المرة الأولى التي أصل فيها إلى هذا الوضع، فقد واجهت ذلك من قبل في عملية الجرف الصامد (حرب 2014)".

ونقلت الصحيفة عن جندي آخر يُدعى إيال عتسمون، خرج من غزة قبل نحو شهر، بأنه يتعامل مع تأثير الحرب بالإضافة إلى بقائه متأهباً، بعد إبلاغه بأنه سيُجنَّد في الفترة القريبة مجدداً.

وقرر عتسمون الالتحاق بقوات الاحتياط، على الرغم من تسريحه منها قبل نحو عام، في أعقاب أعراض ما بعد الصدمة التي يعاني منها.

وقال عتسمون: "هناك أمور لا تسمح لنفسك بالتصرّف كأنها لم تحدث. الروائح تلاحقني. روائح الجسم، ممزوجة برائحة الجثث والبارود ودخان الحرائق في كل مكان. على مدار سنوات شعرت بالذنب، ذنب من يعود إلى الحرب مقابل أولئك الذين لا يعودون".

وذكرت الصحيفة أن الكثير من جنود الاحتياط يحتاجون إلى مساعدة نفسية من أجل التأقلم مع التجارب التي عاشوها في قطاع غزة.

ونقلت الصحيفة عن المعالجة تال باروش سمحوني، المتخصصة في الصدمات النفسية العسكرية، قولها إن الأوضاع التي يمرّ بها الجنود والمعالجون استثنائية.

وأوضحت قائلة: "كل ما عرفناه عن الصدمة النفسية حتى اليوم، وكل ما فعلناه مع من شاركوا في حرب لبنان الأولى والثانية وعملية الجرف الصامد في ناحية، وما نتعامل معه الآن في ناحية أخرى مختلف كلياً".

وأوضحت أن هذا يعود إلى عدة أسباب، من بينها ضخامة الحدث وقوته وما حدث في غلاف غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ولفتت المعالجة إلى أنه "في وقت ما سيعود ما بين 80-90 بالمئة إلى طبيعتهم، بينما سيعاني 10-15 بالمئة، من أعراض طوال حياتهم، منها أعراض صعبة، وما يختلف هذه المرة أن الجنود الذين خرجوا للاستراحة قد يعودون مجدداً، بمعنى أن هذا حدث متواصل. ولذلك، التعامل معه أيضاً مختلف".

وأشارت الصحيفة إلى معطيات جمعية تُعنى بمساعدة الجنود المسرَّحين في التعامل مع تجربة الحرب، التي سجّلت ارتفاعاً بنسبة 1000% في توجه الجنود الذين يطلبون المساعدة، جراء ما تعرضوا له في الحرب وهناك الآن 7 آلاف جندي احتياط ينتظرون دورهم.

المساهمون