قيس سعيّد يترشح لولاية ثانية... ما حصيلة الأولى؟

24 يوليو 2024
سعيّد في تونس، 24 ديسمبر 2023 (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **ترشح قيس سعيّد للانتخابات الرئاسية وموقف المعارضة**: أعلن قيس سعيّد ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما دعا حزب التيار الديمقراطي لمواجهة الترهيب والتمسك بالديمقراطية.

- **حصيلة حكم قيس سعيّد وتداعياتها**: ألغى سعيّد الدستور، حل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وفرض مراسيم تحد من حرية التعبير، مما أثار انتقادات واسعة من المعارضة.

- **التقييم الاقتصادي والسياسي لحكم سعيّد**: لم يحقق سعيّد نجاحات اقتصادية تُذكر، وتراجع النمو الاقتصادي، بينما يدافع أنصاره عن سياساته الإصلاحية.

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد الجمعة الماضي ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لـ"مواصلة مسيرة النضال في معركة التحرير الوطنية". في المقابل، دعا حزب التيار الديمقراطي، في بيان الاثنين الماضي، "كل القوى الحيّة من المجتمع السياسي والمدني والكفاءات إلى عدم الخضوع لمناخ الترهيب والتهديد الذي تحاول سلطة الانقلاب، وهيئة الانتخابات المنصّبة، بسطه ضد الصحافة والإعلام والسياسيين والنشطاء والمترشحين وحتى المواطنين والمزكّين، والتمسّك بحق بلدهم في حياة ديمقراطية محترمة. ويهيب بهم ألا يتخلوا عن وطنهم وحقوقهم، إذ لا طاقة للاستبداد على مجتمعات ترفض الفردانية واليأس والخوف". وبين "المعركة الوطنية" التي يتحدث عنها قيس سعيّد وما يصوره بيان "التيار الديمقراطي" من مناخ الخوف والترهيب، بون شاسع في تقييم حصيلة حكم قيس سعيّد على مدى السنوات الخمس الماضية.

وسام الصغير: الديمقراطية التونسية خسرت شوطاً ولم تخسر كل المعركة

لم يكن أحد يتوقع من أستاذ القانون الدستوري أن يلغي دستوراً تطلبت كتابته توافقات وتنازلات شاركت فيها كل القوى الحية في البلاد على مدى سنوات، وأن يقوم بحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات وهيئة مكافحة الفساد، وأن يكتب وحده دستوراً للبلاد، ويضع مراسيم تحد من حرية التعبير، ويزج بعشرات السياسيين والنشطاء والصحافيين في السجن. وكانت تونس قد شهدت أزمة حكم عميقة داخل البرلمان، الذي كان يرأسه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وأيضاً بين البرلمان والرئاسة، بُعيْد انتخاب قيس سعيّد في 2019. وتحولت أزمة الحكم إلى صراع مفتوح، زادت من حدتها جائحة كورونا، وتعمقت إلى أن أقدم سعيّد في 25 يوليو/تموز 2021 على إعلان إجراءاته الاستثنائية، أي انقلابه على المؤسسات، وبداية حقبة جديدة من تاريخ تونس.

قمع الحريات

وتقدم قيس سعيّد إلى التونسيين بحصيلة تتباين حولها الآراء، بين معارضيه ومسانديه، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ولخص المتحدث باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير، المشهد السياسي بـ"تواتر الاعتقالات والتوقيفات وبطاقات الإيداع بالسجن. كل العناوين الكبرى تؤكد أننا نعيش على وقع قمع الحريات. وعبارات المتآمرين، والخونة، واصطفاف وراء الأجنبي، معجم لغوي لخطاب متشنج يخون الجميع، ولا يعطي فرصة لخلق انسجام بين كل المكونات. يضاف إلى ذلك غياب برنامج اقتصادي وسياسي، مع حصيلة صفر منجز اقتصادي".

وأضاف الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "كل من يترشح للرئاسة، وله حضور إعلامي، يتم اعتقاله. فالمناخ قائم على التضييق، والسلطة التنفيذية تخوّن وتشكك في الجميع، وهذه هي محصلة خمس سنوات من حكم سعيّد". وتابع: "كانت هناك سياسة ماكرة في التعامل مع الأحداث، فبعد مرحلة ترذيل العمل الحزبي صدر قرار قيس سعيّد في 25 يوليو 2021، ثم أنجز دستوراً بمفرده وأصلح أخطاءه بمفرده، ثم وضع بناء سياسياً عبثياً يوزع الوهم على المجتمع والجهات، ووضع المراسيم التي حل بموجبها المجلس الأعلى للقضاء وغيرها من المؤسسات". وقال: "نجد دستوراً يقوم على غرفتين هجينتين (البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم)، ومجلس النواب تحول إلى غرفة ثانوية لا يكترث التونسيون بها، وبالتالي بناء المؤسسات ضعيف يُركز السلطات والقضاء بيد سلطة واحدة، بالإضافة إلى قطاع إعلامي يعمل تحت التهديد ويعيش حالة تخويف بسبب المرسوم 54، وبالتالي فهو مناخ سوداوي".

وينص المرسوم 54 على السجن خمس سنوات وفرض غرامة مالية بحق كل من يُدان بنشر "شائعات أو معلومات مضللة"، كما تتضاعف العقوبة إذا كان الأمر يتعلق بنشر إساءات ضد موظف عمومي.

الديمقراطية لم تخسر كل المعركة

واعتبر الصغير أن "الديمقراطية التونسية خسرت شوطاً ولم تخسر كل المعركة، والمرحلة الانتخابية حلقة من الحلقات، وليست نهاية المطاف. يعني خسرنا شوطاً، وسُجلت تراجعات كبرى، ولكنْ هناك أحرار يتشبثون بالقضايا العادلة والدفاع عن الحريات وهناك معتقلون سياسيون صامدون. ورغم مرور سنة ونصف السنة على سجنهم إلا أنهم يرسلون رسائل تتشبث بمبادئ العدل. وهذه الانتخابات هي محطة، ونأمل أن تكون فرصة للخلاص، وإن لم يتحقق ذلك فستكون هناك فرصة للخروج منها أكثر قوة، إلى أن يكون هناك وعي للقطع مع الشعبوية المقيتة".

وبعيداً عن التقييم السياسي لعهدة قيس سعيّد يتساءل التونسيون عن المنجز الاقتصادي وما حققه خلال سنوات حكمه. وأكد هشام العجبوني، القيادي في التيار الديمقراطي والخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، أنه قبل 25 يوليو 2021 لم يكن قيس سعيّد المسؤول عن الوضع الاقتصادي، ولكنه منذ ذلك الوقت أصبح مسؤولاً عن الدبلوماسية الاقتصادية، ولكن خطابه لم يكن يشجع على الاستثمار ولا على قدوم المستثمرين الأجانب، وخاصة الفرنسيين الذي يمثلون أكبر نسبة في تونس بـ1200 شركة، بل وجّه رسائل تبعث على الخوف.

عبد الرزاق الخلولي الموالي لسعيّد: لا يمكن أن يؤتي مسار 25 يوليو نتائجه في عام أو عامين أو ثلاثة

وأوضح أنه بالعودة إلى أغلب لقاءات قيس سعيّد بالوزراء نجد أنه نادراً ما يلتقي بوزير الاقتصاد، بل أساساً بوزيري الداخلية والعدل لأن مقاربة سعيّد أمنية قضائية، ولم يكن يعطي قيمة كبرى للاقتصاد. وأوضح أن لا أحد من رؤساء الحكومات الذين عيّنهم، باستثناء إلياس الفخفاخ، وهم هشام المشيشي ونجلاء بودن وأحمد الحشاني، رجل اقتصاد، والمسألة الاقتصادية تبدو ثانوية له لأن كل همه تركيز الحكم والبناء القاعدي والتعيينات والتي يمكن اعتبارها فاشلة. ولفت إلى أن "سعيّد نشر مناخاً من الخوف لدى رجال الأعمال، وهناك عدة رجال أعمال من أصحاب الشركات في السجن وآخرون مهددون، ونسبة النمو 0.4% في 2023، وخلال الربع الأول من 2024 نجدها 0.2%، وهو ما يعكس أن البلاد لا تخلق ثروة في السنوات الأخيرة وأغلب المقاربات فاشلة".

وبرأي العجبوني فإن "المسار خاطئ والشركات الأهلية فاشلة لأنها بالأساس جزء من الاقتصاد التضامني، وفي العالم أجمع يمثل هذا 10% من مجمل الاقتصاد. ورغم أن لدينا نحو 800 ألف شركة في تونس، إلا أن قيس سعيّد يركز فقط على الشركات الأهلية التي لا يتجاوز عددها 100. وحتى القانون الذي أنشأها يحمل في طياته بذور فشلها، وبالتالي يمكن القول إنه لم يقم بأي إصلاحات اقتصادية". وتابع أنه "لولا تصدير زيت الزيتون والتمور وتحويلات المهاجرين، وهي بغالبيتها لإعانة العائلات التي ازدادت فقراً وليس للاستثمار، لكانت الحصيلة كارثية، إلى جانب التضخم، خاصة في المواد الغذائية، وبالتالي يمكن أن يكون عنوان خمس سنوات من حكم قيس سعيّد هو الفشل الاقتصادي. كما أن الصلح الجزائي فشل، وهذه المقاربة فُهمت وكأنها نوع من الابتزاز، وحتى الأموال المنهوبة لم يتم استرجاعها وبالتالي الحصيلة ضعيفة جداً".

دفاع عن قيس سعيّد

رئيس المكتب السياسي لمسار 25 يوليو، عبد الرزاق الخلولي اعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تقييم ولاية الرئيس قيس سعيّد تنطلق منذ 25 يوليو 2021، أي لثلاث سنوات فقط وليس لخمس، باعتبار أن صلاحيات الرئيس بين 2019 و2021 كانت معدومة تماماً، وكلها بيد الحكومة والبرلمان، ولا يمكن تقييمه إلا في صلاحية الخارجية والدفاع". واعتبر أنه "منذ 25 يوليو 2021 انطلق مسار جديد، يتضمن خريطة الطريق والتأسيس الجديد والدستور الجديد وكل هذا بالنسبة لنا إنجاز، ولحظة 25 يوليو نفسها مُنجز، وهي بداية إنقاذ وبداية مسار الإصلاح، وهذا المسار لا يمكن أن يؤتي نتائجه في عام أو عامين أو ثلاثة".

وقال الخلولي: "صحيح أن قطار الإصلاح يخرج أحياناً عن السكة، ونحن نهدف من وراء انتقادنا للمسار والقرارات وأداء رئيس الحكومة إلى إعادة القطار إلى سكته". وشدد على أن أهم منجز هو "فكرة التحرر من براثن الماضي وخيباته وفشله، وقد بدأنا من مؤشرات تحت الصفر، ووصلنا لحظة الإفلاس الاقتصادي والدمار". وأكد أن "المسار نجح في الجانب السياسي. صحيح أن المواطن لم يشعر بتحسن في معيشته، لأن الحكومة والإدارات والسلطات المحلية لم تتجاوب مع الرؤية والتوجهات الواضحة للرئيس". واعتبر أنه "ما زالت اللوبيات والكارتالات تعرقل، لأنها تعتبر أن الإصلاح سيضر بمصالحها".

وعن الاعتقالات التي شملت المعارضين والتضييق على الحريات ومحاكمات الرأي، اعتبر الخلولي أن "هذه معركة وحرب بين المنظومتين، السابقة والحالية، فهناك توظيف لمسألة الحريات والحقوق". وشدد على أنه "هناك هدف لهذا المسار وهو المطالبة بالمحاسبة، وليس رئيس الجمهورية من تدخل لوضع الناس في السجون، بل هناك مؤسسات تعمل. هناك مؤسسة أمنية قامت بالبحث ومؤسسات الاستخبارات توصلت إلى أن هناك مشتبهين بالتآمر وفسادا واستيلاء على أموال عامة، وتمت إحالة هذه الشبهات على القضاء الذي تعهد بها، وهناك من تم إيداعهم (السجن) وهناك من هم في حالة سراح. نحن نطالب القضاء بتسريع إجراءات التقاضي لنعلم من هو بريء ومن المجرم. وبالتالي ليس هناك أي استهداف أو انتهاك للحقوق والحريات".