جمعية القضاة التونسيين: استقلال القضاء من البناء إلى الهدم

24 ديسمبر 2022
جمعية القضاة التونسيين: القضاء مستهدف ولا يوجد أي مسار إصلاحي (Getty)
+ الخط -

أكد أعضاء جمعية القضاة التونسيين، اليوم السبت، أن القضاء "مستهدف وأنه لا يوجد أي مسار إصلاحي، بل هدم وتقويض لكل المكتسبات".

جاء هذا التأكيد في مؤتمر نظمته اليوم الجمعية التونسية للقضاة، بالتعاون مع الشبكة الأورومتوسطية للحقوق، وبحضور العديد من الهياكل القضائية والقضاة والحقوقيين.

وقال رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمادي إن "هذا الملتقى يسلط الضوء مرة أخرى على وضع القضاء في تونس، من مرحلة استكمال بناء المؤسسات إلى الهدم".

وأكد الحمادي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الوضع الحالي مناقض لكل مبادئ استقلال القضاء، وللمعاهدات الدولية ولمبادئ الأمم المتحدة"، مبينا أن "كل المعايير التي وقّعت عليها تونس لا يتم احترامها مقابل هيمنة واضحة للسلطة التنفيذية، ووضع اليد على القضاء".

وأكد أن "التعلة التي رفعت لإصلاح القضاء غير صحيحة، خاصة إذا نظرنا اليوم هل تمت الإصلاحات، والإجابة هي طبعا لا"، مشيرا إلى أنه "لأول مرة في تاريخ تونس لا تحصل الحركة القضائية".

ولفت رئيس جمعية القضاة إلى أن "الشغورات التي حصلت في مناصب قضائية حساسة لم يتم سدها، وكذلك مناصب رؤساء المحاكم، وبالتالي هناك فراغ كبير مس القضاة، والقضاء والمتضرر هو المواطن، فهل تحقق استقلال القضاء بالإعفاءات؟".

وأضاف الحمادي أن "الملفات تتحرك بتعليمات مباشرة من وزيرة العدل".

وأفاد أنه "لا بد اليوم من حوار وطني حكيم يجمع الجميع، ويتم على ضوئه إصلاح منظومة العدالة"، مبينا أن هذا الحوار يشارك فيه القضاة والمؤسسات وهياكل المحاماة، وأساتذة جامعيون، وحقوقيون ناضلوا من أجل سلطة قضائية مستقلة.

وأشار المصدر ذاته إلى أن "الوضع أبعد ما يكون حاليا عن الحياد والاستقلالية والشفافية في العمل القضائي، وهناك سيف مسلط على القاضي، وبالتالي لا بد من الجلوس لتدارس مختلف هذه الإشكاليات، وتكون نتائج الحوار ملزمة للجميع، أما في غياب ذلك فهيمنة كاملة وسيطرة من السلطة التنفيذية على القضاء".

رفض تام لانقلاب سعيد

من جانبه، أكد القاضي الإداري السابق أحمد صواب، أن "المسار الانقلابي تلته انتخابات تشريعية تم فيها تسجيل أضعف نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات بالعالم"، مبينا أنه "بعد دستور 2014 تم تركيز المؤسسات، ولكن حصلت بعد 25 يوليو 2021 العديد من التطورات التي مست القضاء في العمق".

وأشار صواب إلى أنه "تم تحويل القضاء من سلطة إلى مجرد وظيفة وحل المجلس الأعلى للقضاء وعزل قضاة دون أي ملفات، وبعيدا عن المحاسبة النزيهة، حيث تم إلغاء كل آليات المحاكمة النزيهة مع التمادي في هذا النهج الذي يقوض كل الشروط، وعدم تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية".

وأوضح صواب في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "سعيد دخل في تأويل اعتباطي للفصول القانونية، منها الفصل 80 من أجل إسقاط الحكومة، وصولا إلى البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء".

 وبين أن "ما يحصل اليوم هو تلاقي موضوعي للمعارضات، حتى وإن لم يتلاقوا ميدانيا، ولكن هناك رفض تام لانقلاب قيس سعيد، من المجتمع المدني ورابطة حقوق الإنسان وعمادة المحامين، وكذلك موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أصدر بيانا منذ يومين حيث وصف دستور قيس سعيد بوصف سلبي، وتحدث عن حكم رئاسي منغلق ونعت الانتخابات الحاصلة بالمسقطة".

وذكر القاضي السابق أن "الشعب أجاب عن الانتخابات بعدم التصويت، وكل هذه العوامل ستدفع لإخراج البلاد من الوضع الذي هي فيه".

مسار هدم

أما الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، فيرى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المسار الذي شهدته تونس هو مسار هدم للمؤسسات، انطلق بهدم المجلس الأعلى للقضاء وافتكاكه بالقوة".

وبين بوزاخر أن "الأمر تحول إلى تدخل مباشر من السلطة التنفيذية في القضاء والتسميات القضائية، وفي تأديب القضاة، وبالتالي فإن النتيجة واضحة، وتكرست منذ عزل القضاة".

ولفت إلى أن "خطاب سعيد ضد القضاة كان متشنجا مليئا بالتهم دون إدانة حقيقية، وبالتالي الفرصة اليوم مناسبة لتقييم ما حصل، والنظر فيما خسر القضاء الذي يئن تحت ضربات السلطة التنفيذية، وهو في أسوأ مراحله".

وبشأن عملية الإصلاح، شدّدت النائبة التونسية السابقة والناشطة الحقوقية، بشرى بالحاج حميدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أن "إصلاح القضاء لا يكون بالتعسف على القضاة وعزلهم، إذ لا يوجد بلد يتم فيه إصلاح دون المحافظة على المكاسب، والتي من أولّها في تونس المجلس الأعلى للقضاء".

وبيّنت النائبة السابقة أن "هذا المجلس يضمن أن القاضي غير مهدد في التدرج الوظيفي ولا في النقل"، مذّكرة بأن "الإصلاح لا يتم دون تمكين القضاة حتى من الدفاع والتظلم".

ورأت أنه "ينبغي على المجتمع المدني والتونسي، أن يعي أنه من دون قضاء مستقل لا يمكن ضمان ألا يكون خارج قبضة السلطة، وبالتالي لا يمكن ضمان حقوقه". 

بدورها، اعتبرت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، روضة القرافي، أن "القضاء في تونس يعيش أسوأ حالاته، فبعد 25 يوليو 2021 أفضت التدابير الاستثنائية التي أطلقها سعيّد والإجراءات التي سُلّطت على القضاء، إلى تفكيك البناء الدستوري والمؤسسات القضائية"، مشيرة إلى أنه "تم حل المجلس الأعلى للقضاء، وحتى المجلس المؤقت الذي وضعه الرئيس لم يرضه".

واعتبرت القرافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما حصل لا يمثل فقط مظلمة للقضاة، بل ضربة قاصمة لدولة القانون". وأشارت القرافي إلى أنه "بعد التحركات القضائية والإضرابات المتتالية، أنصف القضاء الإداري القضاة المعفيين، لكن السلطة ترفض تطبيق القانون"، مبينة أن "الوضع اليوم سيئ ومخيف للقضاء وللمجتمع، لأن ضرب القضاء بهذه الطريقة يجعله غير قادر على حماية الحقوق والحريات".

وبيّنت أن "الحركة القضائية التي تعتبر أهم حدث في القضاء، لم تحصل إلى غاية الآن في سابقة وطنية ودولية". ولفتت إلى أن القضاء في البلاد لا يتمتع بأي استقلالية، وحذّرت من أنه "لا يمكنه بالتالي التصدي لهيمنة السلطة التنفيذية ولا إقامة أي توازن".

المساهمون