جلسة البرلمان اللبناني الخامسة: تكرار لمسرحيات انتخاب الرئيس مع أسلوب مناور

07 نوفمبر 2022
باسيل يتجه لاعتماد خيار غير الورقة البيضاء (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

دخل لبنان الأسبوع الثاني على الفراغ في الرئاسة الأولى من دون بروز أي مؤشِّر جديّ لملئهِ قريباً، في ظلّ عدم توصل القوى السياسية إلى "مرشح توافقي" و"إطاحة" طاولة الحوار، التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري عوضاً عن جلسات الانتخاب التي وصفها بـ"المسرحية"، ما دفعه إلى استئنافها، موكلاً في الوقت نفسه نائبه إلياس بو صعب، الذي استحصل في الفترة الماضية على لقب "كبير المفاوضين" ربطاً بدوره في الترسيم البحري، مهمة التواصل مع الكتل النيابية، ما من شأنه أن يُرسِّم المشهد الرئاسي في المرحلة الراهنة.

وقال بري خلال لقائه، اليوم الإثنين، نقيب وأعضاء مجلس نقابة الصحافة اللبنانية، إن "لبنان قد يستطيع أن يتحمّل أسابيع لكنه لا يستطيع أن يتحمّل أكثر من ذلك، وأولى الأولويات هي لانتخاب رئيس للجمهورية".

وجدّد بري الدعوة إلى التوافق في هذا الاستحقاق، لافتاً إلى أنه "أمام تراكم الأزمات وأكبرها الأزمة الاقتصادية، إذ إن 80% من الشعب اللبناني باتوا تحت خط الفقر، إضافة إلى أزمة الكهرباء التي صرفنا عليها عشرات المليارات، والحوار مع صندوق النقد الدولي، كل ذلك يجب أن يؤدي إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية".

وكرّر بري تأكيده أنه سوف يدعو إلى عقد جلسة كل أسبوع لانتخاب رئيس، وهو ملتزمٌ بهذا الأمر، مشدداً على أن جدول أعمال الحوار الذي كان بصدد الدعوة إليه كان فقط التوافق على الانتخابات الرئاسية و"نقطة على السطر".

ولفت في السياق إلى أن المحطات الخلافية كلها التي مرّ بها لبنان انتهت بالحوار والتوافق، من الطائف إلى الدوحة إلى طاولات الحوار في الداخل، "فهل نتعظ؟".

كذلك أشار رئيس البرلمان إلى أن الوضع الأمني في لبنان محصّن.

انطلاق جولة المشاورات

وانطلقت، اليوم الإثنين، جولة مشاورات واجتماعات جديدة قبيل الجلسة الخامسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد المحدّدة نهار الخميس، والتي تُجمع الآراء السياسية على أنها ستكون كسابقاتها من حيث النتيجة، لكون أي فريق لا يملك النصاب المطلوب لإيصال مرشحه في الدورة الأولى، أي 86 نائباً من أصل 128، أو الصمود للدورات اللاحقة، لكن يُحتمَل تسجيل تغييرات "شكلية" أقرب إلى المناورة، خصوصاً مع تلويح بعض النواب، ولا سيما ضمن حلف "حزب الله"، بإمكانية اللجوء إلى خيار آخر غير الورقة البيضاء.

ولم يحسم بعد "حزب الله" وحلفاؤه قرارهم بشأن جلسة الخميس، وما إذا كانوا سيضعون اسماً في الصندوق أو يستمرون على خيار الورقة البيضاء، لكن الثابت غياب التوافق حتى اللحظة على مرشح يمثل هذا الفريق، رغم ما يتردّد عن اتجاه الثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" (برئاسة بري) لدعم رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، لكن أي موقف رسمي بالتبنّي لم يصدر، ومستبعد إعلانه راهناً، في ظل الفيتو الموضوع عليه من قبل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل.

كما لم يتمكن فرنجية، الناشط سياسياً وإعلامياً في الفترة الماضية، واللافت حضوره ضمن الصف الأول في احتفالية إحياء ذكرى "اتفاق الطائف" التي أقامتها السفارة السعودية في بيروت أول من أمس السبت، بعد من جمع الأصوات الكافية لفوزه، وقد أقفل رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط الباب، الأحد، على تسمية فرنجية، ولو مؤقتاً، باعتبار أن جنبلاط معروفٌ بتبدّل مواقفه، خصوصاً إذا كان ذلك إرضاءً لحليفه التاريخي بري.

وبدأ نواب في "التيار الوطني الحر" يؤكدون الاتجاه إلى اعتماد خيار غير الورقة البيضاء، الذي قد يتمايزون به عن حلفائهم، يتقدمهم "حزب الله"، لكنهم يفضلون عدم البوح بتفاصيل القرار حتى اجتماع التكتل، غداً الثلاثاء، للإعلان عن الموقف رسمياً، علماً أن خطوة التيار في طرح أي اسم، سواء أكان ضمن البيت الحزبي أم مستقلا، توضَع من قبل معارضيه بخانة المناورة، لأن لا مرشح فعليا للتيار سوى باسيل.

أما على ضفة المعارضة التي تضمّ بشكل أساسي أحزاب "التقدمي الاشتراكي" و"القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع) و"الكتائب اللبنانية" (برئاسة النائب سامي الجميل)، فلا تزال متمسّكة بمرشحها النائب ميشال معوض، علماً أن بعض الأصوات ضمنها بدأت تخرج وتوحي باحتمال "التخلي" عنه في حال طُرحت أسماء على الطاولة وجرى التباحث بها للوصول إلى مرشح توافقي لا يكون في خانة "التحدّي".

ويحاول تكتل نواب التغيير إعادة تجميع نفسه وزيادة عدد أعضائه، بعد معاناته من "انشقاقات" وتشتت في صفوفه، وصعوبة في التوصل إلى قرارات موحدة وواضحة وحاسمة في الكثير من الاستحقاقات، يتقدمها انتخاب الرئيس.

ثنائي "حزب الله" ـ "التنمية والتحرير" لم يحسم قراره

ويقول عضو كتلة بري النيابية "التنمية والتحرير" قاسم هاشم، لـ"العربي الجديد"، إن الموقف النهائي من جلسة الخميس لم يتخذ بعد، لكن أي قرار نسير به، سواء بورقة بيضاء أو غيرها، سيكون حافزاً للجميع للوصول إلى التفاهم، "إذ إننا نطرح شعار التوافق أساسا لانتخاب رئيس جامع بمواصفات وطنية قادر على التواصل مع الجميع، على مستوى الداخل والخارج"، مؤكداً: "لن نطرح أسماء لمجرد طرحها، والمرحلة تقتضي التفاهم، والبلد لا يحتمل وصول رئيس تحدّ".

وحول ارتفاع وتيرة الإشارة الإعلامية والسياسية إلى توجه الثنائي لدعم ترشيح فرنجية بشكل رسمي، يشير هاشم إلى أن "القاصي والداني يعلم مدى تقدير كتلتنا ورغبتنا في إيصال فرنجية إلى سدّة الرئاسة، فهو يملك المواصفات المطلوبة التي عبّرنا عنها، ولكن باعتبار أننا منفتحون على النقاش، لم نطرح اسمه، لأن الأساس التوافق".

ويردف هاشم: "إذا استطعنا أن نقنع الآخرين بأن يكون فرنجية الشخصية التوافقية، فإن ذلك مما نفضّل، ولكن لن نطرح اسماً محدداً في هذه اللحظة حتى تنضج الظروف"، معتبراً، في السياق، أن "جلسة الخميس مرجح أن تكون كسابقاتها، علماً أن لبنان دائماً ما يبقى بلد العجائب والمفاجآت".

وعلى مقلب "حزب الله" الساعي لتقريب وجهات النظر بين أعضاء حلفه السياسي، والذي يتردّد أنه يعمل لإقناع باسيل بدعم فرنجية، يشير مصدرٌ نيابي في الحزب، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "باسيل عين، وفرنجية عين، والتوافق أساسي للإعلان عن مرشحنا".

ولفت إلى أن "خيارنا الأفضل حتى اللحظة الورقة البيضاء، لكن الاجتماعات مفتوحة قبل إصدار القرار"، مشدداً على أن "التوافق مطلوب لملء الفراغ في سدة الرئاسة، وطرح الفريق الآخر ميشال معوض يأتي فقط من باب التحدّي".

مساومات الرئاسة لم تبدأ بعد

من جهته، يقول الكاتب السياسي طوني عيسى، لـ"العربي الجديد"، إن "جلسة الخميس هي استمرار للجلسات السابقة، أي تكرار لسيناريوهات الفشل الرئاسي، ولحدّ اليوم، لا يبدو أن الانتخابات الرئاسية قد نضجَت، خصوصاً أن القوى النافذة على الساحة، في طليعتها (حزب الله) صاحب القرار الأقوى في لبنان، لم يحسم حتى اللحظة الشخصية الرئاسية".

ويلفت عيسى إلى أن "هناك صفقة معينة قد تكون مطلوبة، أو سلة كاملة من عناصر تركيبة النظام يسعى إليها (حزب الله) قبل إنتاج رئيس جديد،، وهو على الأرجح السبب الذي يجعل السعوديين في لبنان مستنفرون تحت شعار الدفاع عن اتفاق الطائف، ربما لشعورهم بأن هناك رغبة في إعادة النظر بتركيبة النظام اللبناني، سواء على صعيد رئاسة الجمهورية أو تركيبة السلطة".

أيضاً، يرى عيسى أن تسوية رئاسة الجمهورية ستشمل حتماً رئاسة الحكومة وعناصر أخرى تتعلق بتركيبة النظام، وذلك على غرار تسوية عون – سعد الحريري عام 2016، معتبراً أن "هذا الانهيار العميق من نوعه لا يمكن أن ينتهي من دون تداعيات سياسية".

ويعتبر عيسى أن "فرنجية حاول في حضوره، السبت، القول إنه لا يمكن أن يشكل جزءاً من الانقلاب على الطائف أو النظام الحالي، وبالتالي لا داعي لرفضه من قبل العرب أو السعوديين، وإن كان حليف سورية، فهو غير عدائي لتركيبة النظام الحالي، بينما في المقابل يُصنَّف (التيار الوطني الحر) بأنه أكثر نفوراً بوجه النظام الحالي، لذلك لم تأتِ مشاركته في الاحتفال من خلال باسيل شخصياً بعكس فرنجية".

في المقابل، يلفت الكاتب السياسي إلى أن "ملف الرئاسة لا يزال في بداياته، والنقاش والمساومات لم تنطلق بعد حول موضوع رئيس الجمهورية"، كما يرى أن "باسيل لن يرشح أحدا على الإطلاق إلا نفسه، والباقي مناورات".

وبحسب رأي عيسى، فإنه "خلافاً لما يعتقد الجميع، أو لما يتردّد، فإن باسيل هو مرشح (حزب الله) الحقيقي".

المساهمون