كشفت المراسلات الداخلية في شركة "كونكورد هولدينغ"، الشركة الأم لمؤسس ومموّل مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين، أن المجموعة أجرت تحقيقاً داخلياً بعد تداول الفيديو الصادم لقتل مواطن سوري وتعليقه على مدخل حقل الشاعر للغاز في سورية في يونيو/حزيران 2017، وحرق جثته على أنغام أغنية أطلقها القوميون الروس بعد الحرب الروسية على الشيشان.
وحصلت مواقع "دوسييه" و"دي فيلت" و"انسايدر" و"باري ماتش" على المراسلات من مجموعة مجهولة اخترقت مواقع شركة "كونكورد هولدينغ". وأكد موقع "دوسييه" صحة المراسلات اعتماداً على تقاطعها مع معلومات سابقة عن تفاصيل الجريمة والمشاركين فيها، كانت صحيفة "نوفايا غازيتا" وموقع "فاناتيكا" المعارضان قد كشفا عنها في تحقيقات لهما في الأعوام السابقة. إضافة إلى أنه "من غير الواقعي تزوير مثل هذا العدد من المواد المترابطة وغير المتناقضة"، وفق "دوسييه".
تحقيق لمعرفة مسرّب فيديو الجريمة
وحسب الوثائق الجديدة التي حصلت عليها المواقع الروسية والأجنبية، وعرضها موقع "دوسييه" أمس الإثنين، فإن التحقيق الداخلي في صفوف "فاغنر" تمكّن من تحديد مرتكبي الجريمة، علماً أن التحقيق لم يكن يهدف إلى التأكد من الجريمة ومعاقبة المنفذين، بل معرفة من سرّب فيديو القتل الوحشي. وحسب المراسلات، فقد حُدد المسؤول عن تسريب الفيديو، وطُرد من مجموعة "فاغنر"، من دون الحق بالعودة إليها.
التحقيق الداخلي في صفوف "فاغنر" تمكّن من تحديد مرتكبي الجريمة، لكنه كان يستهدف معرفة مسربي الفيديو لا معاقبة المنفذين
وكانت صحيفة " نوفايا غازيتا" قد نشرت في عام 2019 تحقيقاً كشفت فيه تفاصيل الجريمة، وأوضحت حينها أن ستة من مقاتلي "فاغنر" قبضوا على المواطن السوري حمادي الطه البوطه (الاسم الحقيقي حسب مصادر أهلية سورية محمد طه اسماعيل العبدالله) وعذبوه وقتلوه بطريقة وحشية في يونيو 2017. ووثّق القتلة جريمتهم في مقاطع فيديو، انتشرت على الإنترنت، ظهر فيها عناصر "فاغنر" وهم يكسرون عظام الضحية، ولاحقاً قاموا بقطع رأسه، وحرق الجثة وتعليق الرأس على بوابة.
وتمكنت "نوفايا غازيتا" في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، من تحديد هوية أحد المشاركين، وتبيّن أنه موظف في "فاغنر"، واسمه ستانيسلاف ديتشكو، ولاحقاً تعرّف موقع "فاناتيكا" على شخص آخر ممن ظهروا في الفيديو.
وفي بداية 2020، نشرت "نوفايا غازيتا" تحقيقاً إضافياً كشفت فيه أن الجريمة وقعت في حقل الشاعر الغازي في حمص السورية، واستعانت بخبراء لتحديد الموقع بدقة. وبعد نشر التفاصيل، طالبت الصحيفة السلطات الروسية بالتحقيق في الجريمة والقبض على المنفذين ومعاقبتهم. ولكن الادعاء العام لم يرفع أي دعوى قضائية حتى الآن.
هؤلاء هم مرتكبو جريمة الشاعر
وعرض موقع " دوسييه" أمس الاثنين أسماء جميع المشاركين في الجريمة مع سيرهم الذاتية الموجزة، وصوراً لجوازاتهم.
وحسب التفاصيل الجديدة المسربة، فقد تمت الجريمة بعلم من نيكولاي بودكو، قائد مجموعة الهجوم الرابعة في "فاغنر"، والتي حررت حقل الشاعر من قوات "داعش" في 2017، وتلاه توقيع شركة "يوروبولس" التابعة لبريغوجين عقداً للحصول على ربع الغاز أو النفط المنتج في أي حقل تحرره. وذكر "دوسييه" أن الفيديو سُجل من أجل إبلاغ القيادة بتنفيذ أمر قتل الضحية.
تمت الجريمة بعلم من نيكولاي بودكو، قائد مجموعة الهجوم الرابعة في "فاغنر"، والتي حررت حقل الشاعر من قوات "داعش" في 2017
ووفقاً للمعلومات، فإن ستانيسلاف ديتشكو قام بتصوير مقطع فيديو بناءً على أوامر قائد الفصيل، وظهر فيه وجهه. ونقل ديتشكو الفيديو للقيادة، ولم يُطَرد أو يعاقَب نظراً لتعاونه مع إدارة الأمن في "فاغنر"، وبقي يحارب في صفوف المجموعة لمدة عامين بعد الجريمة، ولاحقاً ترك العمل لظروف صحية وتوفي في 2021.
واتضح أن مقاتلاً آخر يدعى ميخائيل ماشاروف، وكان يبلغ من العمر 26 عاماً حين وقوع الجريمة، هو من سرب الفيديو الذي ظهر على موقع "يوتيوب"، ولهذا تم طرده من دون الحق العودة إلى مجموعة "فاغنر". وعمل لاحقاً سائق سيارة أجرة في مدينة استراخان جنوب غرب روسيا، ولا يُعرف مصيره راهناً. وحسب المراسلات، فإن ماشاروف كان المعاقب الوحيد من المجموعة.
وكانت تحقيقات سابقة قد حددت أسماء آخرين ممن شاركوا في الجريمة، ومنهم فلاديسلاف أبوستول الذي أصيب بجروح خطيرة في 8 فبراير/شباط 2018 نتيجة غارة جوية أميركية على الضفة اليسرى لنهر الفرات، مما أدى إلى إصابته بعدة شظايا في ساقيه. وتوفي في اليوم التالي بسبب فقدان كميات كبيرة من الدم، وتم تكريمه بوسام بعد الوفاة.