تونس... مجلس نواب بعض الشعب

07 نوفمبر 2022
قال بوعسكر إن 7 دوائر لم يتقدم فيها مرشحون (ياسين القايدي/الأناضول)
+ الخط -

تدخل تونس حالة سياسية سوريالية، لم يعد من طائل مناقشتها بالأدوات التحليلية الموضوعية أو حتى محاولة فهم ما يجري فيها، لأن كل أشكال المنطق تعطلت لتفسح المجال أمام حالة فوضى غريبة تهدد بإدخال البلاد في نفق سيكون من الصعب جداً توقع الخروج منه قريباً إلا بمعجزة.

أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، الخميس الماضي، عن قبول 1058 طلب ترشّح للانتخابات التشريعية المنتظرة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بينها 122 امرأة و936 رجلاً. وقال بوعسكر إن 7 دوائر لم يتقدم فيها مرشحون و10 دوائر بمرشح واحد، و8 دوائر بمرشحين اثنين فقط.

سيكون من الصعب جداً العثور على حالات مماثلة لبرلمان يفوز فيه نواب من دون انتخابات، وتبقى فيه مقاعد شاغرة بلا نواب، ثم يطلق عليه اسم مجلس نواب الشعب، إلا ربما في تلك الجزر البعيدة النائية من العالم التي لا نعرفها.

المشكلة أن ما قاله بوعسكر لم يسبب صدمة لأحد، بل شرع كثر في تحليل ما قاله بشكل عقلاني والبحث له عن تفسيرات قانونية وحلول دستورية لكيفية تجاوزه، وكأنه من المعقول ألا يترشح مواطن في دائرة انتخابية كاملة فيها مئات المواطنين على الأقل، وذلك بعدما كان التونسيون يقفون منذ زمن غير بعيد طوابير بالآلاف أمام مكاتب الاقتراع تحت الشمس الحارقة، لضرب المثال على تجربة ديمقراطية رائدة.

أما اليوم، فصار الجميع يتسول أصوات الناس، لعلهم يقنعونهم بهذا المسار العظيم الذي يصحح الثورة، على رأي الرئيس قيس سعيّد.

والسؤال اليوم، أين ذهب كل أولئك الذين قالت جماعة 25 يوليو/تموز إنهم يساندون خيارهم، أين ذهبت تلك الشرعية الشعبية والمشروعية التاريخية؟ وأين اختفى الشعب الذي يريد والذي سيبني هذا العلو الشاهق؟ لماذا لم يسارع بالآلاف لدعم نوابه الجدد، ولماذا أسقط هذا البرلمان قبل أن يولد؟

لا يتعلق الأمر بفشل جديد لسعيّد، وإنما هو فشل للجميع، ومصير بلاد تضيع على مرأى ومسمع شعبها ونخبها ومسؤوليها، يدفنون أحلام شبابهم وأطفالهم بتحويل بلدهم إلى بلد ديمقراطي وحر ومزدهر، وهذا ممكن ومتاح وقريب المنال وليس أوهاماً في كتب. لكن الرئيس سعيّد للأسف، وهو المالك لكل الخيوط بيديه، لا ينتبه إلى أنه يقود تونس إلى مرحلة صعبة من تاريخها، ولا يلتفت حوله ليرى كمّ اليأس الذي يملأ قلوب شباب البلد، وهم لا يفكرون إلا في الهجرة والمغادرة بأي طريقة وفي أقرب وقت، وإذا فشلوا في ذلك، فسنكون جميعاً في مواجهة الأسوأ، ولن يحلها مجلس نواب بعض الشعب.