تونس... في انتظار الخريف

22 اغسطس 2022
وُضع دستور 2014 بعد نقاشات واسعة بين مختلف الأطياف (أنيس ميلي/فرانس برس)
+ الخط -

كتب الرئيس التونسي قيس سعيّد دستوره وحيداً، أخطأ فيه وحيداً وحاول إصلاحه وحيداً، واحتفل به وحيداً في قصره.

يذكر التونسيون كيف كان الاحتفال بدستور 2014 في 27 يناير/ كانون الثاني 2014، كان المتشدد يساراً يعانق المتشدد يميناً، سقطت يومها كل جدران الأيديولوجيات، قبل أن تعود للارتفاع مجدداً وتسقط على رؤوس الجميع وتقدّم البلاد لسعيّد يفعل بها ما يشاء.

كان الجميع وقتها يحتفل بالقدرة على الاقتراب من الآخر والتنازل من أجل الوطن، والبحث عميقاً عن تلك الأرضية التي يمكن أن يلتقي فوقها أفرقاء يجمعهم وطن واحد، على اختلاف أفكارهم وطموحاتهم وتصوراتهم للبلد وللحكم وإدارة الشأن العام. وكان الناس في بيوتهم يتابعون ذلك الاحتفال بعد نقاشات وصراعات فكرية امتدت لأشهر، حتى توصّل التونسيون إلى ذلك الدستور.

لا يعني ذلك أنه كان عملاً كاملاً، ولكنه كان ثمرة الأغلبية ونتيجة اتفاقهم، وكان يمكن أن يصلحوا هناته، مجتمعين أيضاً ووفق حكم الغالبية من التونسيين. ولكن الحسابات الخاطئة وأوهام السلطة حطّمت كل ذلك، ونكاد نسمع من وراء الجدران صوت الندم على ما اقترفته أياديهم وضيّعته، بينما لم يعد ينفع ندم، فيما حُكم سعيّد يتمدد ويحتل كل يوماً مساحة أرض جديدة، وهم يحلمون بأن معجزة ما ستنقذهم من السقوط.

والمضحك المبكي أنهم إلى اليوم يرفضون الاجتماع شعارهم كل شيء إلا حركة النهضة، بما يُسقِط كل مفهوم للعمل السياسي وكل فكر لحماية الديمقراطية. والغريب أن الجميع يدعو للوحدة ويحمل راية التقدمية والديمقراطية والفكر الحر، ويدّعي أنه المتحدث الرسمي باسمها، بينما يضيّعون وطناً، سيبكون عليه كالنساء طالما لم يحافظوا عليه كالرجال.

ولكن السؤال الحقيقي والعميق هو لماذا فشل دستور 2014 في أن يدافع على نفسه، ولماذا قاد إلى هذه الأزمة العميقة التي تكاد تعرف بكامل البناء؟ سيكون من المفيد جداً أن ننكبّ من جديد على أسباب هذه الانتكاسة التونسية، بعد أن تستعيد الديمقراطية وضعها، إن كان لهذا التفاؤل من محل.

في الأثناء، وبالعودة إلى سعيّد، ربما سيكون عليه أن يطرح على نفسه سؤالاً مهماً أيضاً: إلى متى سيبقى وحيداً، وهل يعتقد أن بإمكانه أن يدير بلداً متأزماً على وشك الانهيار وحيداً؟ ربما توسوس له نسائم الصيف بهذا الوهم وهو يتقدّم خطوة خطوة في مشروعه، ولكن خريف التونسيين القريب جداً صعب عادة وسيكون هذا العام أكثر صعوبة وقساوة على الجميع، على سعيّد وعلى معارضيه وعلى كل من سيعترض طريق الغاضبين.

المساهمون